إقتصاداجتهادات

عولمة الوباء تحتم عولمة المال والمساعدات | حسان خضر

هل تنتصر البنوك المركزية في حربها ضد وباء كورونا؟

يبدوا بأن الحرب العالمية الثالثة التي تخوضها كورونا بمفردها في وجه أمم العالم ودولها ومؤسساتها على مدار الساعة،  ما زالت مستعرة رغم الجهود التي تُبذل على كافة الأصعدة ،حيث يُتضح حجم الجهود التي تبذلها السلطات في مختلف دول العالم ، لا سيما منها السلطات النقدية – البنوك المركزية – في مواجهة تبعات فيروس كورونا وتأثيراته المدمرة على الاقتصاد العالمي؛ ويُتضح أيضاً كيف هرعت كبرى البنوك المركزية في العالم، وفي مقدمتها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى اتخاذ مروحة من الاجراءات  والتدابير العاجلة بهدف التقليل من الخسائر المالية والاقتصادية قدر المستطاع.

وفي خطوة اتسمت بالعجلة، لم ينتظر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الى موعد انعقاد جلسته العادية المقررة يومي 17 و 18 مارس/ آذار 2020، فأستبق الموعد المقرر في أجندته السنوية بيومين فقط ليتخذ قراراً تاريخياً – هو الثاني خلال أقل من اسبوعين – بتخفيض سعر الفائدة لديه بمقدار نقطة مئوية بعد تخفيض بنصف نقطة مئوية في اجتماعه السابق يوم 3 مارس / آذار من الشهر عينه. وبذلك يصبح سعر الفائدة على الدولار ضمن نطاقها الصفري 0%-0.25%، ولينضم الاحتياطي الفيدرالي الامريكي الى مجموعة البنوك المركزية في دول كاليابان والمملكة المتحدة والاتحاد الاوروبي التي اصبحت تفتقر الى أحدى أدوات سياستها النقدية لللاستخدام في المستقبل اذا دعت الحاجة لها.

وفي مقال سابق بعنوان : ” تخفيض الفائدة : كورونا تقلق الاقتصاد الامريكي” نُشر بتاريخ 4 مارس /آذار كنا قد أشرنا الى عقم السياسة النقدية منفردة في معالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، وها هي البنوك المركزية الرئيسية حول العالم لم تكتف بإجراءات تخفيض سعر الفائدة لديها، بل  لجأت الى تضمين سياساتها النقدية التقليدية ( استخدام سعر الفائدة مثلاً) سياسات غير تقليدية تضمنت حزماً مالية كبيرة جداً بهدف تنشيط الاقتصاد وإعادة العجلة الاقتصادية الى سكة النمو. وقد جاءت تلك البرامج التحفيزية – والتي تخطت قيمتها حول العالم مئات المليارات من الدولارات – على شكل دعومات مالية مباشرة مجانية  أو اعفاءات ضريبية او تأجيل سداد أقساط قروض أو منح قروض بفائدة صفرية أو من خلال دعم قطاع الأعمال لا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ولكن هل تعتبر تلك الاجراءات كافية وهل هي العلاج الشافي للاقتصاد ؟  ثمة واقع عالمي مستجد وحرب كونية في مقابل عدو غير مرئي يفتك دون هوادة ، وها هي السلطات النقدية في البنوك المركزية حول العالم تستخدم ما تملك من أدوات تقليدية وغير تقليدية في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من شركات ومؤسسات بدأت في الاقتراب من حافة الافلاس . فمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( الأنكتاد) كان قد قدر خسائر النمو العالمي بنحو 2.5% وعجز في الدخل القومي العالمي بقيمة 2 تريليون دولار امريكي مشبها الصدمة بأزمة الكساد الكبير عام 1929.

 

 

وأزاء هذا الواقع من استمرار انتشار الفيروس وعدم  انحساره وربما تمدده لفترة أطول مما هو متوقع وليطال دولاً جديدة،  فإن الخسائر المقدرة  لن تقف عند هذا الحد ، يضاف اليها الخسائر غير المباشرة والتي لا يمكن تقديرها كميا سوى عند انتهاء الفيروس . وسيرافق هذه المرحلة خسائر ناجمة عن انخفاض في قيم الاصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وتفاقم توزيع الدخل، على أن يؤدي ذلك كله وفق “الأنكتاد” الى دوامة من التراجع تجعل من الوضع أكثر سوءاً. وربما يتسبب ذلك ” بلحظة مينسكي” ( هايمان مينسكي- اقتصادي امريكي) وهي الانهيار المفاجيء لقيم الأصول التي تمثل نهاية مرحلة النمو في الدورة الاقتصادية الحالية.

وتأسيساً على ما تقدم، نكرر القول بأن السياسة النقدية بمفردها لن تكون العلاج الشافي لتأثيرات كورونا الاقتصادية والمالية، ولكن فإن ترافقها مع حزم مالية كبيرة وعاجلة قد تلطف من الخسائر الحاصلة أو تلك المتوقعة، وتقلل من بعض الآثار السلبية الناجمة عن الهلع والذعر وانعدام الثقة . وبالتالي، فإن المطلوب في الوقت الراهن – والذي قد يكون خشبة الخلاص الأولى وقبل كل شيء –  تعزيز التكاتف بين الدول ومجتمعاتها في الحد من انتشار هذا الفيروس من جانب، وبين الدول بعضها بين بعض لإيجاد العلاج الشافي من خلال مراكز الأبحاث من جهة ثانية.

وفي إطار المعالجات المالية التحفيزية العاجلة، فانه من المهم جداً تكاتف الدول المتقدمة والغنية وكذلك المؤسسات الدولية ( البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) مع الدول النامية والفقيرة من خلال تقديم الدعم المالي ” غير المشروط” والعاجل  شبيه بالحزم المالية في الدول المتقددمة لمساعدتها. فالأزمة عالمية وبالأصح ” معولمة” ، أي انه لا يمكن القول او الجزم بأننا قد انتهينا منه قبل أن نرى آخر دولة في العالم قد أعلنت وضع حد له، لأن مخاطر إعادة انتشاره ستبقى قائمة طالما كان هناك شخصاَ في العالم مصاب أو بؤرة في العالم لم تتعافى.

 

*************************

 

حسّان خضر، باحث وكاتب لبناني

باحث في الشؤون الاقتصادية وله دراسات وتقارير مهنية معمقة تتصل باقتصادات مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات العربية بشكل عام. عمل في مؤسسات اقليمية مرموقة منها بنك الكويت الوطني والمعهد العربي للتخطيط، ويعمل حالياً خبيراً في ادارة البحوث في بنك الكويت المركزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى