إقتصادالاحدث

في غياب أي مبادرة حكومية: مصير الودائع بيد المودعين | بقلم د. منير راشد

من الواضح أنّه لا يمكن إنجاز أي إصلاح بمبادرة حكومية. والعقبة مصدرها الحكومة وموقف صندوق النقد، لإصرارهما على شطب الودائع الدولارية، وتحويل جزء منها الى أسهم مصرفية، وإلى ودائع بالليرة بسعر مخفّض أقل من سعر السوق الموازي (صندوق النقد، مشاورات المادة الرابعة- حزيران 2023- المادة 17). أي انّ طرح الصندوق لا يقدّم أي حماية للمودع بخاصة لكبار المودعين. خبرة الصندوق تقتصر في معظم الحالات على حلّ أزمات الديون الثنائية والمتعددة الأطراف من خلال نادي باريس، وليس من المستغرب إصدار طروحات غير واقعية لحل الديون السيادية اللبنانية بيد القطاع الخاص.

فهل يتصور أي من الداعين لشطب الودائع ما سيكون مصير المواطن اللبناني؟ انّ الممارسة الحالية كحسم الوديعة بالدولار بنسبة 80% او 85% هي أفضل بكثير من طرح الحكومة، طرح صندوق النقد، والطروحات الأخرى الداعية لشطب الودائع.

انّ الحل المقترح من قِبل الصندوق بإلغاء الودائع الدولارية الخاصة لم يُطبّق في اي دولة من العالم سابقاً، مع العلم انّ المودع هو الضحية. كما اعترض عدد من أعضاء المجلس التنفيذي لصندوق النقد في اجتماعه الأخير بشأن لبنان في حزيران 2023، على مدى الإجحاف الملحق بحق المودعين لتحميلهم معظم تكلفة الأزمة المزعومة. يجب ان تتراجع عنه الحكومة وكل من يُروّج لهكذا حل تحت شعار انّه الوحيد وسُيعوّض عن الودائع من خلال صناديق او اصدار تعهدات او شهادات وهمية لاسترداد الودائع (على سبيل المثال: اقتراح دراسة ريكاردو هوسمان وزملائه في مركز التنمية الدولي لجامعة هارفارد، استبدال الودائع بشهادات حكومية ليس لها أي قيمة فعلية، او اقتراحات اخرى من محللين لبنانيين بإستبدال الودائع بسندات اجنبية مخصومة، تستحق بعد 30 سنة ببضعة مليارات بكوبون صفر قيمتها الحالية توازي فقط 6% من الودائع من دون معرفة مصدر التمويل). فهي طروحات غير مجدية على الإطلاق.

بند العمل الجماعي

لا يمكن التوصل إلى حل لديون المصارف للمودعين وحَمَلة الأسهم والسندات (أجانب ومواطنين) من دون الاتفاق مع المودعين والمستثمرين حسب بند العمل الجماعي المتبع في الممارسات الدولية (القانون الأميركي لليوروبوند والبريطاني المماثل). فكما اقترح صندوق النقد إعادة هيكلة الدين الخارجي بمشاركة الدائنين الاجانب، يتوجب إشراك الدائنين اللبنانيين (حملة اليوروبوند او السندات والودائع) على المبدأ ذاته، لاحترام مبدأ المساواة في المعاملة.

يجب الاستناد حسب الممارسات الدولية الى بند العمل الجماعي في حالة الدين بالعملات الأجنبية (اليوروبوند والودائع) لمعالجة الديون السيادية في حوزة القطاع الخاص الأجنبي والوطني. ويسري تطبيقه حسب الاتفاق مع أكثرية الدائنين (75%) على أساس الحجم وليس العدد لمعالجة الدين السيادي (بما فيه دين مصرف لبنان للمصارف). وقد يشمل الاتفاق إلغاء جزء من الدين، الاتفاق على فترة السماح، وعلى تكلفة خدمة الدين. بالاتفاق مع الاكثرية يتوجب قبول الأقلية بالاتفاق النهائي.

يتولّى نادي لندن معالجة الدين السيادي بحوزة القطاع الخاص، ولا يتطلّب بالضرورة مشاركة صندوق النقد، بل مشاركة الدائنين اصحاب الحق، للتوصل الى اتفاق بين الدولة المدينة والمصارف الخاصة الدائنة والمؤسسات المالية وممثلين عن المودعين. اذاً، لا يجوز للدولة اللبنانية اقتراح حل مخالف للممارسات الدولية الجيدة ومخالف للدستور(المادة 15).
انّ عدم اعتبار أهمية مشاركة المودعين والدائنين بمعالجة الودائع قد يُعَرّض الحكومة لإجراءات قانونية من قِبل المواطنين والمودعين الأجانب، ما قد يعرقل التوصل الى حل عادل في فترة وجيزة.

توصيات بنك التسويات الدولية

من الافضل اقتراح حلول تلتزم بالممارسات الدولية الجيدة لمعالجة الديون حسب توصيات بنك التسويات الدولي ايضاً. فتوصياته لا تشير إلى أفضلية اعتبار الأموال الخاصة او احتياطي المصارف كخسارة بإسلوب استنسابي يُخوّل للبنوك المركزية شطبها. بل على العكس من ذلك، برهن انّ المصارف المركزية تستطيع ان تمارس سياستها النقدية بفعالية، على الرغم من حيازتها على خسارات (النشرة 68 لبنك التسويات الدولي). لذا فهو يثني المصارف المركزية عن اعتبار الأموال الخاصة كخسارات معرّضة للشطب. وهي أهم نقاط الخلاف بين الكتل النيابية والمودعين من جانب وصندوق النقد والحكومة من الجانب الآخر.

هل يوجد بدائل عن شطب الودائع؟ بالطبع يوجد. من خلال توفير السيولة والثقة. وتشمل الاولوية الإجراءات الضرورية التالية:

*إلغاء مشروع قانون اعادة الانتظام المالي وإصلاح وضع المصارف الصادرين عن الحكومة اللذين يدعوان لإلغاء الودائع الدولارية بالكامل، ولا يخدمان اعادة انتظام القطاع المالي، وانما يؤديان الى تراجعه وانعدام الثقة فيه. يجب إعادة صياغة هذين القانونين مع الحفاظ على الودائع.

*الغاء التعميم 151 كلياً وكذلك 158 اللذين يحدّدان السحب والسعر الاستنسابي.

* تحرير سعر الصرف بالاستناد الى سوق مقاصة يتبع المزادات الدولية (وليس فقط لمعاملات التجارة الخارجية – الواردات) بإشراك جميع المؤسسات المالية في المناقصات. ولا بدّ من التذكير، انّ تثبيت سعر الصرف بأي وسيلة، كان احد اهم أسباب الأزمة. ومع تحرير سعر الصرف تنتهي ضرورة حجز أموال المصارف بالدولار كاحتياط إلزامي، مما يوفر السيولة الكافية للمصارف.

* الاستقرار في سعر الصرف واستعادة الثقة يتطلبان سياسات شفافة مع تحقيق توازن مالي ونقدي.

* جدولة الودائع المصرفية لفئات: حسابات جارية وحسابات آجلة تتناسق مع سيولة المصارف. ويُخوّل استعمال الشيكات لجميع فئات الودائع حسب اجل الحساب. ويُحدّد سعر شيكات الحسابات الآجلة حسب السوق التابع.

* جدولة الدين العام بالتنسيق مع الدائنين اللبنانيين والاجانب (بالاستناد الى التمثيل الجماعي لحلّ الاستحقاقات المالية للقطاع العام).

انّ الحل بديهي لمعالجة الوضع المالي، فيجب ان يُصَوّب الجهد نحو اعادة الثقة بالقطاع المصرفي، ومنها التخلّي عن طروحات شطب الودائع. وعندما تتوفر السيولة والثقة من خلال تحرير الأسواق وتحقيق التوازن المالي، سيعود العمل المصرفي الى وضعه السليم. فمعالجة الديون لا تُمارس حسب رغبة السلطة الاستنسابية فقط، بل بإشراك الدائنين (والمودعون أهمهم).

الدكتور منير راشد رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية

الدكتور منير راشد هو رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية. استاذ محاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت وخبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى