إقتصاددوليقراءات معمقة

ملامح تشكل الاقتصاد العالمي في أعقاب “أزمة فيروس كورونا” | حسّان خضر

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

في أعقاب شهور من التوقف الناجم عن انتشار ” فيروس كورونا”، والخسائر المأساوية في الأرواح والاقتصاد، وإغلاق حيز كبير من الاقتصاد العالمي، لا يزال عدم اليقين الجذري هو أفضل طريقة لوصف هذه المرحلة التاريخية. ومنذ الآن يتبادر الى الأذهان الكثير من التساؤلات: هل سيعود النشاط الاقتصادي العالمي الى سابق عهده؟ هل ستتم إعادة فتح الشركات والأعمال وسيعود العمال الى وظائفهم؟ هل سيكون تدفق الأموال والتدابير التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية كافية لمنع حدوث ركود عميق ودائم، أو ما هو أسوأ ؟
يرى البعض أنه بمجرد نجاح البشرية في هزيمة وباء “كورونا”، ستعود الحياة الطبيعية إلى الأسواق العالمية، ولكن على نحو يشوبه التباطؤ في النمو الاقتصادي، انخفاض أسعار السلع، وانعدام الثقة في الأسهم. التجارب الماضي تشير الى أنه لم تتجلى تداعيات الأزمة الاقتصادية الشهيرة التي شهدها العالم في عشرينيات القرن الماضي، إلا حينما شعر بها العالم بعد الكساد العظيم في الثلاينيات. وبالتالي فقد تبدو الحقبة الثانية من القرن الحالي أشبه بالعصر الذهبي للنمو الاقتصادي المتباطئ، وإن كان مطرداً، مع الارتفاع في معدلات البطالة، والتراجع في معدلات التضخم وفي أسعار الفائدة.
يرى الاقتصادي الامريكي ” جوزيف ستيجليتز” أنه قد كان من الأجدى أن نتعلم درس استخدام المرونة من الأزمة المالية السابقة 2008؛ لقد أنشأنا نظاماً مالياً مترابطاً بشكل متين، وبدا فعالاً وربما كان جيداً في امتصاص الصدمات الصغيرة، لكنه كان هشاً بشكل منهجي. ولولا عمليات الانقاذ الحكومية الضخمة واجراءات البنوك المركزية، لكان النظام قد انهار مع انفجار فقاعة الرهن العقاري.
ويضيف “ستيجليتز” انه يجب أن يكون النظام الاقتصادي الذي نقوم ببنائه أقل من ناحية قصر النظر وأكثر من حيث المرونة وأكثر حساسية لحقيقية أن العولمة الاقتصادية قد تجاوزت العولمة السياسية بأشواط بعيدة. وبالتالي، سيتعين على الدول أن تسعى لتحقيق توازن أفضل بين الاستفادة من العولمة ودرجة ضرورية من الاعتماد على الذات.
وفي خضم هذا الحال الذي يشوبه الكثير من عدم اليقين، اجتهد العديد من الاقتصاديين والمحللين في رسم صورة للمستقبل الاقتصادي والمالي والتجاري للعالم. وفيما يلي أبرز الملامح المتوقعة للاقتصاد العالمي عندما تعود الامور الى مجراها الطبيعي.
أولاً: التسارع في حركة التحول من التجارة الحرة والعولمة صوب الاقليمية وحتى مبدأ الحمائية وذلك نتيجة ضعف سلاسل التوريد العالمية والاتجاه نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي.
ثانياً: سيسلط اغلاق المؤسسات التجارية والتعليمية بسبب «كورونا» الضوء على الوقت المُهدَر في السفريات لغرض الأعمال التجارية والفصول الدراسية، وسيحظى العمل من المنزل بقبول أكبر.
ثالثا: ستبقى حالة الحذر لدى المستهلكين لفترة طويلة ،حيث سيسود مفهوم «استهلكه واستنفذه تماماً أو استغنى عنه» ربما لسنوات، الأمر الذي سيؤثر على انفاق المستهلكين والمبيعات في قطاع التجزئة.
رابعاً: ستتعاظم المحفزات المالية بعد أن تثبت السياسات النقدية عجزها، ومن المرجح تزايد الانفاق على البنية التحتية.
خامساً: ستحتفظ إذون الخزانة بجاذبيتها، كونها الأصول التي تعد بمثابة الملاذ الآمن النهائي، إلا أن عوائدها ستكون ضعيفة، أو ربما سلبية، في ظل مناخ يسوده انخفاض الأسعار.
سادساً: قد نجد دافعاً جديداً لبناء مؤسسات دولية جديدة تسمح بمشاركة أفضل للمخاطر بين الدول، وقد يكون هذا على شكل مؤسسات أو صناديق انقاذية دولية أو على مستوى كل دولة بمفردها.
سابعاً: قد نشهد في الدول الناشئة إعادة فرض ضوابط على رأس المال لحماية نفسها من بعض التدفقات المزعزعة للاقتصاد المحلي.
ثامناً: قد تشهد بعض الدول المتقدمة والنامية على حدٍ سواء فترات ركود عميقة وطويلة، حيث من المرجح أن ترتفع حالات التخلف عن سداد الديون السيادية.
تاسعاً: سوف يؤدي وباء كورونا الى ركود عالمي وشامل – وهو مزيج من انخفاض نمو الانتاجية، ونقص في عوائد الاستثمار، وانكماش في الأسعار. وسيتعمق ذلك مع عزوف
المستثمرين عن المخاطرة.
عاشراً: قد تشهد المرحلة المقبلة اغلاق مؤقت أو نهائي لكثير من محال البيع بالتجزئة بفعل الضغوط الشديدة من المنافسة عبر الانترنت مما سيفقدها الكثير من الوظائف.
أحدعشر: سيؤدي وباء كورونا والانتعاش اللاحق الى تسريع الرقمنة وأتمتة اتجاهات العمل الجارية التي أدت الى تآكل وظائف المهارات المتوسطة.
إثني عشر: سوف يتم الانتقال من العولمة التي تركز على الولايات المتحدة الاميركية الى عولمة أكثر تركيزاً على الصين. لقد أدرك القادة الصينيون أن قرن الانقطاع عن العالم بين 1850 – 1950 قد نجم عنه تراجع في الاداء الاقتصادي، وعلى النقيض من ذلك، كانت
العقود القليلة الماضية من الانتعاش الاقتصادي كان نتيجة المشاركة العالمية، وسوف تستمر الصين في الاندماج العالمي. ففي حين يعتقد الصينيون انهم قادرون على المنافسة في أي
مكان من العالم وأن الصين لم تفقد ايمانها، فقد الشعب الامريكي ثقته بالعولمة والتجارة الدولية.

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

حسّان خضر، باحث وكاتب لبناني

باحث في الشؤون الاقتصادية وله دراسات وتقارير مهنية معمقة تتصل باقتصادات مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات العربية بشكل عام. عمل في مؤسسات اقليمية مرموقة منها بنك الكويت الوطني والمعهد العربي للتخطيط، ويعمل حالياً خبيراً في ادارة البحوث في بنك الكويت المركزي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الى ألاستاذ حسّان المحترم، اولا اريد ان اشكركم على هذا المقال الجميل والذي تطرقتم من خلاله وباحترافية عالية الى موضوع نتداوله جميعا لاننا مدركين بان العالم لن يعود الى ما كان عليه سابقا، وليس فقط اقتصاديا، لا بل اجتماعيا وسوسيولوجيا وسياسيا وتكنولوجيا وبيئيا وقانونيا وغيره. التغييّر الذي فرضه وباء الكورونا هو تغيير جذري ولذا فان التأقلم سيكون جذري بكل معنى الكلمة. لقد ولّى زمن اقتصاد مبني على درجة من الاستقرار والتنبؤ. وكما ذكرتكم في مقالكم هناك تحولات قوية علينا ان نأخذها بعين الاعتبار اذا اردنا ان نستمر في عالم اقتصاد وأعمال تتغير ملامحه بسرعة مع كل أزمة جديدة. شكرا مرة أخرى ونتطلع لقراءة مقالات جديدة من حضرتكم. جمال سعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى