تطالعنا بعض البرامج التلفزيونية وبعض المقالات المتكررة، حول جدلية رفض تدريس الفلسفة اعتقادا انها ستكون على حساب تدريس التربية الاجتماعية والوطنية، وهنا اسمحوا لي بتقديم نظرة توفيقية، فذلك لا يفسد حوارنا التربوي حول قضايا تربوية معاصرة، فجميعنا نسعى في حواراتنا لنقطة التقاء هدفها اولا واخيرا المصلحة العامة.
اعتقد من وجهة نظري المتواضعة، انه لا داع لوجود جدل او مساومة بين تدريس الفلسفة او تدريس التربية الاجتماعية والوطنية.
ولماذا نفترض ان احداهما ستكون على حساب الاخرى، فهناك امكانية بل ضرورة، لتقديم المادتين معا مثلا، المحتوى الدراسي لتدريس مادة التربية الوطنية لطلبة الجامعات الاردنية، ومنذ المرحلة الاولى لوضع المخطط العام للمادة، وضعنا ( ضمن فريق عمل لجنة متخصصة، وتحت مظلة وزارة التعليم العالي ) وضعنا في الوحدة الدراسية الاولى “مدخل للتربية الاجتماعية والوطنية” وتناولنا فيها مقدمة فلسفية ( نظرة فلسفية حول طبيعة الانسان، وهل الانسان مسير ام مخير، ما دور الانسان على الارض، مصادر المعرفة وتنوعها، الخ
من الاصول الفلسفية لمادة التربية الاجتماعية و الوطنية كونه امر اساس، ولا بد ان تبنى مناهجنا في ضوءه، والا كيف تقنع طالب تربى على الفردية والمادية والانوية، في منزله وعبر مختلف وسائل الاعلان و شبكات التواصل الاجتماعي ولا عجب في ذلك ونحن في زمن يقدس الماديات، كيف تقنع شباب هذا الزمن، ان يتطوع خدمة لبلده او يتحمل مسؤولية اجتماعية عليه الايفاء بالتزاماته لها ببعد اوسع من مسؤوليته الاسرية اتصل لمسؤولة اجتماعية عامة و وطنية اردنية ؟؟؟؟؟
وكيف نعدل كفة الميزان ونقنع الطالب باهمية التوازن بين مصلحته ال شخصية والمصلحة الوطنية العامة، لا بد من وجود مقدمة فلسفية، وأكد انه يمكن تحقيق ذلك في مختلف المراحل العمرية على مقاعد الدراسة المدرسية والجامعية، عبر التدرج في المحتوى الدراسي وفقا لطبيعة المرحلة ومتطلباتها ان تعليم الفلسفة سوف يخلق افق ارحب لدى الطلبة بالتفكير في موضوعات فلسفية ( الله / الخالق، العقل /التفكير، المعرفة وتنوع مصادرها، الحكمة، الخير والشر.
نقطة اخيرة لا بد من الاشارة اليها، ان تعلم مهارات التفكير هي مطلبًا فلسفيًا بالدرجة الاولى فالفلسفة هي حب الحكمة، والحكمة هي ضالة الانسان يبحث عنها دوما، لذا فجماعة أصول التربية ومهمتهم وضع الاسس الفلسفية الفكرية والاسس الاجتماعية الثقافية للتربية بشكل عام والتربية الاجتماعية والوطنية بشكل خاص، ثم وضع الاطر العامة للاهداف التربوية بناء على هذه الاسس، ومن بعدها ياتي دور المتخصصين في المناهج وتاليف المحتوى الدراسي لوضع المحتوى الدراسي في ضوء الاصول التربوية والخطوط العريضة التي انتجت، وذلك امر محتم بحكم موضوعية التخصصات العلمية الاكاديمية.
من هنا انوه الى ان مشكلتنا في المجتمع الانساني العالمي ان التخطيط التربوي عندما اهمل دور المتخصصين في اصول التربية وتم اهمال اهمية الاسس الفلسفية للتربية، نزل التخطيط التربوي بكليته وفقا للواقع، و واقعنا مليء بالازمات والنتيجة ازداد الوضع سوءا على سوء، واخل بالتوازن المفروض اقامته بين الواقع والمثل العليا، لذلك فقدنا البوصلة، فالاصل في الامر ان نحقق التوازن دوما، وانا اجد ان رفض تدريس الفلسفة امر غير منطقي ابدا، واعتقد ان الغاء تدريس مادة الفلسفة منذ عقود من الزمن، امر مفتعل هدفه تجهيل الاجيال. والا لماذا نجد كأعضاء هيئة تدريس في الجامعات، وبالحس المجتمعي العام، نلحظ الفوارق الكبيرة في مستوى النضج الشخصي لخريجي المدارس بالمقارنة ما بين خريجي الستينات والسبعينات وخريجي هذه الايام، لا بد من احترام اصول التربية والالتزام بمعطياته الفلسفية الفكرية الاجتماعية الثقافية والاقتصادية والسياسية.