لم أستطِع أن أنسى ردود فعل بعض السيدات … نعم السيدات على خبر دخولي إلى الجامعة لمتابعة دراستي في اختصاص “علم النفس” ، (ستعالجين المجانين، ستصبحين مجنونة) ، ( ستقضي عمرك في الدراسة ألن تتزوجي، اتركِ هذه الأفكار، كوني عاقلة وفكري في نصيبك)، ( لقد كبرتي في السن تداركي الأمر والحقي نفسك)، (لديك شهادة لماذا الأخرى) وغيرها الكثير، مما شكل لي صدمة، ربما لو كنت رجلًا لحظيت بالتشجيع والتحفيز، لأنه وللأسف حتى يومنا هذه لا تزال الناس تفكر أن المرأة مكانها بيت الزوجية بغض النظر عن المكانة التي وصلت إليها المرأة في عصرنا، لكنني بالعودة في الذاكرة لمراجعة نظام التربية لهؤلاء السيدات رأيت أنهن تربين داخل النظام الاجتماعي المبني على سلطة الرجل، وبالتالي ليس عليهن كل الذنب، الذنب على البيئة المتسلطة التي تواجدن فيها.
المرأة والاضطهاد
كانت المرأة في العصور القديمة تعمل في مهن بسيطة كالزارعة وخدمة البيوت والأشغال اليدوية، ومن ثم يأتي الرجل نهاية اليوم ليأخذ أجرها كاملًا دون أن يكون لها الحق في المطالبة به، حتى أنها كانت تعتبر سلعة تباع وتشترى، فيما يخص تزويج البنات القاصرات، والذي كان رائجًا في العصور القديمة حتى يومنا هذا لا يزال موضوع زواج القاصرات موجودًا، بالإضافة إلى أن المرأة كانت تضرب وتهان بحال أخفقت في بعض المهام . أما في العصور الحديثة لم تكن المشاركة النسائية فعّالة كما يجب وبخاصة في السياسة حتى بدأتها نيوزلندا عام 1893 ثم روسيا بعد أن خرجت مجموعة من النساء وقمن بثورة في عام 1917 وأسقطن النظام وغيرن التاريخ. و بعد عُقود من الانتظار والكفاح لا تزال المرأة مضطهدة حتى يومنا هذا في مجالات عدة وأقربها إلينا المجال الوظيفي إذ أنها تتلقى أجرًا أقل من الرجل بالرغم من قيامها بالوظيفة ذاتها، إلى جانب تعرّضها إلى القمع، والتعنيف، والاضطهاد، وتغييبها عن الأدوار المهمة في المجتمع.
النساء في المجتمعات العربية
استطاعت النساء إنجاز بعض الحقوق في أكثر من ساحة عربية وفي تشريعات بعض الدول العربية، ووصلت إلى تولي مناصب مهمة في الدولة، إلا أنه إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أوسع نجد أن عدد هؤلاء النساء الناجحات لا يتوافق مع نسبة النساء الموجودة في هذا المجتمع كزيادة التمثيل النسائي في البرلمان ونأخذ لبنان على سبيل المثال فكلما تحقق المرأة تمثيلاً افضل لها يعودوا بها إلى الوراء.
أغلب النساء في المجتمعات العربية ضحايا للعنف بأشكاله كافة، كم من امرأة يضربها زوجها وتعود إليه ذليلة بسبب قانون عائلي ظالم يسمى “ممنوع الطلاق” أخطاء يرتكبها الأهالي من دون قصد بسبب العادات والتقاليد والتربية السلطوية-التلقينية التي حصلوا عليها والتي حان الوقت أن نتخلص منها، لأنهم بذلك يعطون الحق للرجل بالتمادي في أفعاله، بالإضافة إلى استغلال الأطفال في حال وجودهم، من خلال استخدامهم كتهديد للأم بحرمانها منهم في حال حصل الطلاق أو تركت المنزل، لعدم وجود قانون حضانة ينصف الأم، أيضًا الأهم الخوف من كلام الناس ونظرتهم إلى المرأة المطلقة وكأنها نكرة أو ساقطة.
ونسي الناس والأهل أن الدين كرّم المرأة قبل القانون، وهنا نستذكر هذه الآيات القرآنية:
-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). “سورة النساء” .
-(من عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). “سورة النحل”
-“استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء”. “حديث النبوي”
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان
إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة او “السيداو”/ “كوبنهاغن” : صدرت الإتفاقية عام 1979 واعتمدت كإطار دولي يضمن للمرأة التساوي الكامل مع الرجل دون أي تفرقة أو إستبعاد او تقييد على أساس الجنس، في الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية.
ألزمت الإتفاقية الدول تحقيق سياسة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء. وهنا اكتسب مبدأ المساواة بين الجنسين معنى أكثر دقة وتحديدًا فأصبح يعني “مساواة النتائج” و”مساواة الحقوق في القانون”.
ويعني “التمييز” أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل” – المادة 1 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
المرأة نبراس المجتمع
المرأة هي نبراس المجتمع، هي الأم، الجدة، الأخت،الصديقة، الحبيبة، العشيقة، الزوجة، الخالة، العمة، المرأة تتقن أدوارًا عدة وتجتمع بها صفات لا يستطيع أي رجل في العالم الحصول عليها، فهي مثال الشجاعة، القوة، الصبر، الإلهام ، العطاء، هي النفس، السند، الدعم، هي الحياة أينما تواجدت، هي من تعمل داخل البيت وخارجه، من تتحمل المسؤوليات دون ملل أو كلل، هي التي تعلم متى تكون بكامل أنوثتها، ومتى تكون بكامل قوتها. هي التي تعرف كيف تستمد قوتها من ضعفها لتواجه المحن والصعاب.
كي تحصل الفتاة على القوة تحتاج الى أسرة داعمة لها، فكلما كان هناك والدين يدعمان ذلك التوجه، وبخاصة من ناحية الأب سيفسح المجال لظهور ونمو شخصية قوية وصقلها بشكل سليم، فان زرعت فيها القوة والتحدي والصمود والقدرة على المواجهة والتعامل مع الآخرين والشجاعة والثقة ستكون قادرة على الاعتماد على نفسها وتحدي صعوبات الحياة ومواجهة مشاكلها والمجتمع من دون أن تحتاج إلى أحد.
تذكري
عزيزتي المرأة، تزوجي فقط إن وجدتي شريك حياتك المناسب، حاربي من أجل تحقيق طموحاتك، شهادتك هي السند الأول لك في المجتمع، قاتلي كي تحصلي على حقوقك، كوني قوية، لا تسمحي لأحد بأن يتحكم بك وبقراراتك، فالناس لا تهتم سوى بالمظاهر، افعلي كل ما تريدين، تذكري الحياة قصيرة جدًا، وأنت بمفردك قوية، صاحبة إرادة، مستقلة، مسؤولة، وواعية بما يكفي لكي تعيشي حياة أنت اخترتها لنفسك وراضية عنها.