من منا لم يمر بتجارب فاشلة، مواقف محرجة، علاقات مؤذية، خيبات أمل، خذلان، جميعها تعتبر كعامل رئيسي للإصابة بالاكتئاب، والشعور بالذنب، وعذاب الضمير، والتي تؤدي بالتالي إلى آلام نفسية وجسدية عدة.
الصحة النفسية
الصحة النفسية جزء أساسي من صحة الإنسان؛ وبالفعل، لا تكتمل الصحة من دون الصحة النفسية، فهي تعتبر العامل الأساسي لتوطيد قدرتنا الجماعية والفردية على التفكير، التأثر، والتفاعل مع بعضنا البعض كبشر والتمتع بالحياة، والشعور بالسعادة والاستقرار.
الصحة النفسية هي مرآة للاستقرار الإجتماعي للإنسان، وتصالحه مع ذاته، لذا علينا ألا نحمّل نفسنا فوق طاقتها.
كم مرّة شعرت بالذنب بسبب خطأ اقترفته؟؟؟ كم مرّة قمت بجلد ذاتك ؟؟؟
الشعور بالذنب هو شعور لا إرادي ينتج عن مواقف عدة منها الشعور الدائم بالتقصير، التفكير بكلمة “لو” مثال: لو فعلت هكذا لكانت النتيحة أفضل…. لوم النفس الدائم، مثال: عندما تقوم بمساعدة إنسان من خلال تقديم النصيحة له في موقف معين، وتزداد حالة الشخص سوء فإنك تقوم بإلقاء اللوم على نفسك بسبب أمر ليس لك علاقة به، سوى أنك تعرف هذا الإنسان، تتحمّل مسؤولية ما حصل معه في حين كانت نيتك تقديم المساعدة فقط.
جلد الذات
جلد الذات وفقًا للمصطلح العلمي هو مرض نفسي يتسم بمبالغة الشخص في القسوة على نفسه ولومها على سلوكيات سليمة، لكنه يبالغ في تضخيم أخطائه في نظر صاحبها نتيجة للإفراط في التقليل من النفس والشعور بالدونية بسبب تعرّض الإنسان لمواقف مختلفة أدت إلى صورة ذاتية مشوّهة، فيصبح لديه دوافع تجعله يفرط في إيذاء نفسه وتعذيبها في محاولة فاشلة منه لتصحيح سلوكها، بالتالي ما ينتج عن الشعور بالذنب وجلد الذات: الشعور بالندم، “انعدام الثقة بالنفس”، مما يؤدي إلى انعزال الإنسان وكبت مشاعره، ويصبح غير قادر على مواجهة أي مشكلة أو موقف يحصل معه، بالإضافة إلى سيطرة الأفكار السلبية عليه وبالغالب تكون النتيجة :
-عدم تقدير الذات.
-الخوف الدائم من الفشل في أي أمر.
-عدم القدرة على التواصل مع الآخرين.
-الانعزال عن المجتمع الخارجي.
-الصمت الدائم.
-التعب الجسدي (الإصابة بالعديد من الأمراض العضوية، بالإضافة إلى الشعور بالخمول وعدم الرغبة في الحياة).
-التعب النفسي (إرهاق، قلق، أرق دائم، تغيير الحالة المزاجية).
-إيذاء النفس ( استخدام أدوات حادة، تناول عقاقير ومخدرات، إهمال التغذية السليمة، ضرب أعضاءِ الجسم أو مناطق معينة، وإحداث جروح أو خدوش، واللجوء إلى العنف) ظنًا بأن هذا الأمر يخفف من حدة الشعور بالذنب.
– التركيز الدائم على السلبيات، وتجاهل الإيجابيات.
-مقارنة الإنسان بمن هم أفضل منه من وجهة نظره.
-استحضار الذكريات المؤلمة والحزينة.
البيئة الحاضنة
معظم الناس الذين يعانون من هذا المرض النفسي تعرّضوا إلى الإيذاء من قبل أشخاص، أو نتيجة التربية الخاطئة، فجميعنا نعرف مفهوم العقاب في فترة الطفولة وتتبعها فترة المراهقة، حيث يكون العقاب “نتيجة” إذا قام الطفل بخطأ، ويختلف مفهوم الخطأ بحسب وجهة نظر الأهل والمجتمع، ولكن مبدأ العقاب يكون بدافع توعية الطفل على التمييز بين الخير والشر، وقد يكون هذا الأسلوب جيداً في مواقف معينة إلا أنه يتسبب في ألم وأذى نفسي يتراكم في نفسية الطفل حتى يبقى معه بقية حياته، عندما ينتظر الأبوان الكمال من طفلهما (أنت الأفضل، أنت الرقم 1، أنت الأجمل/ يمنع عليك الرسوب/ أخاك أفضل منك/ الحرمان من الألعاب المفضلة للتركيز على الدراسة) كلمات مرعبة يتلقاها الطفل اما قد تؤدي إلى حب الأنا واما قد تؤدي إلى هلاك الطفل بسبب عدم قدرته على أن يكون طفل طبيعي مثل باقي الأطفال بامكانه أن يخطأ او حتى أن يشعر بأنه عادي مثل باقي الأطفال. عملية اسقاط المشاكل النفسية التي يعاني منها الأب والأم بسوء تصرفهما تؤدي إلى تدمير نفسية الطفل وبالتالي ينشأ ضعيفاً هشّاً يسعى بكل ما يملك من قوة لكي يكون طفلاً جيدًا في نظرة الأبوين غير السوية، لأنه لا يحصل على الحب والاهتمام إلا إذا فعل سلوكًا جيدًا بينما يلقى عقابًا قاسيًا شديدًا إذا أخطأ.
سيغموند فرويد
يقول العالم سيغموند فرويد في تقسيمه لمكوّنات الشخصية بأنها تتكون من “الهو، والأنا، والأنا الأعلى أو ما يسمى بالضمير” فيصف الهو بأنها الرغبات والشهوات التي لا تخضع إلى الرقابة وتريد ما تريد دون النظر للزمان والمكان، تماماً كالطفل لا يدرك بدايةً ما هو الممنوع والمسموح، أما الأنا فهي الميزان وهي الحكم وقاضي الصلح بين الإثنين ” الهو والأنا الأعلى”، والتي تحاول أن تحقق مطالب الهو ورغباته وتحاول أن تروضها وتختار الزمان والمكان المناسب لتنفيذها، وذلك في ضوء ما اكتسبت من التنشئة الإجتماعية وأحكام لها علاقة بعاداتنا وتقاليدنا، وما ارتبط بالمسموح والممنوع في ذاكرتنا في ضوء ما اكتسبناه من مجتمعنا، فتكون بذلك أرضت الهو وحاولت ألا تغضب الضمير، وهو الأنا الأعلى.
للإدراك ثلاث مستويات:
-الوعي (يمثل ما نحن مدركون له).
-ما قبل الوعي (ما يمكن إدراكه لو اجتهدنا لذلك).
-اللاوعي (ما لا يمكننا إدراكه إلا تحت ظروف معينة)، مثلا من خلال المعالجة النفسية التي تهدف إلى السبر في أعماق اللاوعي وإدراكه.
وأكد فرويد أن للشخصية هيكل معين، ويساهم في بنائها العوامل الثلاثة التي سبق ذكرها. حيث يشكل اللاوعي الهوية والأساس البيولوجي للشخصية، بينما الوعي (الذي يتكون خلال السنة الأولى من عمر الطفل) يشكل الأساس النفسي للشخصية. وهناك ما يسمى بالأنا العليا (التي تتكون خلال السنة الثالثة وحتى الخامسة من عمر الطفل) تشكل الأساس الاجتماعي والأخلاقي للشخصية.
التصالح مع الذات وحب النفس
على الإنسان الاقتناع بأن صوت الجلاد الداخلي ليس صوته، هو صوت شخص آخر ربما( الأهل، المعلم في المدرسة، رب العمل) الإنسان هو الوعي المراقب لهذه الاصوات.
يمكننا أن ننتقد ونشير إلى الأخطاء التي نقع فيها ونرتكبها، ولكننا نحتاج إلى معرفة أخطائنا بدقة وفي الوقت ذاته نحتاج إلى تصحيحها، بدلاً من البقاء تحت سيطرة “جلد الذات” .
السلام الداخلي والراحة النفسية أغلى ما يمكن أن يحصل عليه إنسان، فعندما يحب الإنسان نفسه من الداخل والخارج سينعكس ذلك على حياته وعلى الآخرين.
– تذكّر دائمًا بأنك تستحق أجمل ما في هذه الدنيا.
-اهتم بنفسك كما تهتم بالآخرين.
-حب نفسك وساندها بذات درجة حبك للآخرين وأكثر.
-لا تركز على عيوبك وتقبلها فالجميع لديهم عيوب.
-شجّع نفسك كي تحصل على الحياة التي تريدها.
-للتخلّص من الضغط النفسي مارس الرياضة أو الهواية التي تحبها.
-عليك أن تؤمن بأنك لست السبب في كل ما يدور من حولك.
-إذا لم تنجح في تجربة ما ركّز على نقطة ( ماذا تعلمت مما حدث؟؟).
-تعلّم مواساة نفسك كي تتخلص من الألم الموجود في داخلك.
-تعلّم ثقافة الاعتذار من الناس الذين أغضبتهم بدلًا من جلد الذات.
-واجه مشاكلك بإيجابية ولا تتهرب حتى لا تقع ضحية التراكمات.
– أحط نفسك بأشخاص إيجابيين وابتعد عن العلاقات السامة.
-ابتعد عن ما يؤذيك.
– فكِّر في أشياء تقدّرها في حياتك.
-عندما تشعر بالإحباط تذكّر النِعَم الموجودة لديك.
-قم بزيارة الطبيب النفسي من وقت لآخر.
-لا تفقد الأمل ولا تستسلم.
إنه من اكثر المقالات الجميلة التى قرأتها في حياتي، تشعر و كأنه يخاطبك ويلامسك، اتمنى ان تنشروا مقالات اكثر كهذه.
مقال جميل ..
احسنت نور، متألقة دائما