الحكومة اللبنانية و”التعليم” في زمن كورونا: خطط افتراضية جدا” | ادهم جابر
لقراءة المقال من المصدر على موقع أولاُ - الاقتصاد والأعمال اضغط هنا
أصاب فيروس كورونا لبنان على حين “إهمال”، ولمّا كان البلد يعاني ما يعانيه من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، كان طبيعياً أن يترك “الفيروس الصامت” بصمته “إرباكاً” في أداء الحكومة الحديثة العهد بالحكم، إلى أن دفعها “الهلع” إلى إعلان تعبئة عامة من دون خطط أو برامج لمواجهة الانعكاسات السلبية في مختلف القطاعات، وعلى رأسها القطاع التربوي (التعليم) بقسميه الرسمي والخاص وشقيه المدرسي والجامعي.
ولا شك أن “رجفة” كوفيد-19 كانت قاسية رسمياً، فانعكست خللاً واضحاً على أداء ما يسمى جزافاً بـ “المؤسسات” الرسمية منها والخاصة، ذلك أن غياب السياسة الصحية الواضحة، كان لا بدّ أن يترافق مع غياب في السياسات الأخرى، ومنها “التعليمية” تلك التي كان يمكن أن تنقذ بعضاً من العام الدراسي لآلاف الطلاب والتلاميذ.
وإذا كان ثمة من يبرر عجز لبنان الرسمي تحت عنوان “المفاجأة”، فإن الحقيقة قد تكون في مكان آخر، وهي أن دولة لا تمتلك البنى التحتية اللازمة لمواجهة الأزمات، لا يمكنها سوى أن تقف مكتوفة الأيدي، متخذة موقف المتفرج من “أزمة فيروسية” تضاف إلى مجلّد أزماتها المستفحلة.
هرج ومرج
حتّى الأمس القريب لا يمكن وصف حال القطاع التعليمي في لبنان سوى أنها حال “هرج ومرج”. القرارات تصدر عن إدارات الجامعات والمدارس الخاصة ظرفية، تتبدّل مع تطورات انتشار فيروس كورونا، وقد دفعها الذعر “المتأخر” إلى ارتجال نظام تعليم الكتروني (عن بعد)، وفي ذهنها ليس استكمال عام دراسي بات على حافة الهاوية، بل من منطلق استدراكي لما قد يعنيه التوقف عن إعطاء الدروس من خسائر مالية متوجبة عن فصولها التي لم تبدأ بعد، أو تلك التي قد تنجم عن تبخّر المتأخرات من “الأقساط” عن فصول مرّت ولم تُدفع بسبب الضيق المالي لأهالي بعض الطلاب والتلاميذ.
أمّا على صعيد المؤسسات التعليمية الرسمية فحدّث ولا حرج، إذ كيف يمكن لها أن تواجه وتكافح إن كانت أصلاً في وضع مزر، ليس على صعيد التجهيزات التقنية فحسب، وإنما لاعتبارات أخرى كثيرة تتعلق بالعجز الدائم لهذه المؤسسات عن تأمين بيئة تعليمية سليمة، لا منذ تاريخ بدء الأزمة الاقتصادية والمالية أو وصول كورونا إلى لبنان، بل من أكثر من ثلاثة عقود مضت.. وما يزيد.
فوضى .. ثم تعليق للدروس
وصل كورونا إلى لبنان ضيفاً ثقيلاً، خلط أوراق الحكومة “الوليدة”، فلم تمتص الصدمة. تعاملت وزارة الصحة مع “الوباء” (بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية)، باستخفاف. أخذ وزير الصحة حمد حسن راحته في جولاته المكوكية. منح الوقت الكافي لإطلالاته الإعلامية “المهندمة”. لم تجدِ سابقاً المشاورات مع وزير التربية والتعليم العالي طارق المجذوب، الذي أظهر نفسه وكأنه المدافع الوحيد عن مصير طلاب لبنان، نفعاً لتعليق الدروس في البداية، ربما من باب “أن العلم أهم من الصحة”. أيام قليلة اقتنع الرجل بأن الوضع حرج، ترك لوزير الصحة اتخاذ القرار بالدعوة إلى إغلاق الجامعات والمدارس الخاصة والرسمية. التزمت المؤسسات التعليمية قرار التأجيل الأول والثاني (انتهت المهلة يوم السبت الماضي)، فيما زايدت مؤسسات تعليمية أخرى على الوزير فأغلقت أبوابها أمام الطلاب لمدد زمنية متفاوتة، ومن هذه المؤسسات “الجامعة الأميركية في بيروت” (AUB) التي أعلنت انها علقت الدروس اعتباراً من الخميس (12آذار/مارس) وحتى 45 يوماً، أما “LAU” فالتزمت بدورها القرار ثمّ أصدرت تعميماً يوم الجمعة الماضي، أعلنت فيه تعليق الدروس حتّى إشعار آخر، وكذلك فعلت الجامعات الأخرى التي تفاوتت قراراتها من حيث زمن التعليق، لكنها أجمعت على ختمها بعبارة “حتى إشعار آخر”.
وكانت الجامعة الأميركية في بيروت قد اتخذت، إلى جانب قرار التعليق، إجراءات وقائية وتعليمية خاصة تمثلت بعدم السماح للطلاب بالدخول إلى حرمها إلا “لأسباب مقنعة وبموجب اذن خاص”، وطلبت من طلابها مغادرة السكن الجامعي، وأبقت على عدد من الموظفين بأسلوب المناوبة فقط للإشراف على تشغيل المرافق كما ينبغي، متخذة تدابير وقائية متشددة، ولجأت في الوقت نفسه إلى إجراءات معينة للمحافظة على العام الدراسي بأفضل طريقة ممكنة. ومن هنا اعتمدت على بعض المواقع الالكترونية لتقديم الدروس لطلابها.
بدورها، لجأت “LAU” إلى إجراءات على مستوى الوقاية والتعليم، فمنعت دخول الطلاب إلا “لأسباب موجبة” طالبة منهم المواظبة على حضور “الصفوف الالكترونية” في مواعيدها المقررة بحسب البرنامج المحدد وذلك حتى لا يحدث تضارب في أوقات الطلاب.
المؤسسات الرسمية لا تجهيزات ولا مقوّمات
وإذا كانت الجامعتان الخاصتان تمتلكان القدرات الفنية اللازمة، بحسب مصادرهما التي تؤكد على أن التعليم عن بعد (الالكتروني) ليس بتلك الصعوبة، وأنه يمكن إنهاء العام الدراسي بأقل الخسائر الممكنة، حتى لا يفنى عام من عمر الطلّاب، فإن حال المدارس الخاصة لم تكن شبيهة بحال جامعات القطاع، إذ كانت قرارات هذه الأخيرة تصدر وفقاً لتقديرات لا مدروسة، فمن باب “الحرص على مصلحة التلاميذ” أقفلت أبوابها. حرص تحوّل إلى موضع تساؤل لدى ذوي التلاميذ، خصوصاً أن هذه المدارس لم تضع خططاً بديلة للتعليم عن بعد، ولم تبدِ استعداداً لاعتماد نوع محدد من التعليم عن بعد “على أصوله”، مكتفية بإرسال “الأجندة المدرسية” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تاركة للأهالي مسؤولية تعليم أبنائهم في المنازل من دون إشراف لا مباشر ولا غير مباشر، أمر دفع بالعديد من الأهالي إلى اعتبار مثل هذه الإجراءات بأنها مجرد “حيلة” لتبرير حصول المدارس على ما تعتبره مستحقات مالية.
وبالعودة إلى الجامعة اللبنانية “الملتزمة بالقرارات الرسمية”، فقد علّقت الدروس معلنة في قرار لاحق عن اعتماد التعليم عن بعد، داعية اللجان الفاحصة لكل مقرر الى تحضير المادة العلمية التي تتوافق مع طرائق التعليم عن بعد (Recorded Video, PPT, PDF) والى اعتماد احدى المنصتين الالكترونيتين Microsoft Teams أو Google Classroom التي تمّ تحضيرها للطلاب. وفيما يؤكد مصدر في إدارة الجامعة اللبنانية لـ “اوّلاً-الاقتصاد والأعمال” أن الجامعة تمتلك البنى التحتية اللازمة، وأنه يمكن اعتماد التعليم عن بعد فوراً، فإن مصادر من الهيئة التعليمية في الجامعة تؤكد “بما لا يقبل الجدل” بأنه لا الجامعة ولا هيئتها التعليمية مؤهلين لما يسمى “بالتعليم الالكتروني”، يضاف إلى ذلك أن معظم طلاب “اللبنانية” هم من أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة وقد لا يملكون الأجهزة اللازمة لهذا النوع من التعليم، بل في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة وأزمة كورونا، قد لا يمتلكون القدرات المالية لدفع بدل اشتراكات الانترنت والهاتف وما إلى ذلك.
وبخلاف الجامعة اللبنانية التي تأخذ القرارات بأسلوب “ارميها على الله”، استند المركز التربوي للبحوث والإنماء إلى المعطيات المتوافرة لديه لوضع خطة شاملة متكاملة للتعليم عن بعد، وقام بنشرها على موقعه الالكتروني. في الشكل تبدو الخطة “رائعة”، أمّا في المضمون فهي قد تكون أقرب للتطبيق في السويد أو فنلندا، أمّا عندنا فدونها تحديات يطول شرحها، ليس أقلها “أننا في لبنان يا سادة” حيث للكهرباء والانترنت وتوابعهما قصص تروى في ليال مظلمة…
وبغض النظر، عن الكثير من التفاصيل، فإن الواضح هو الإجماع “الفَرِح” في أوساط وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث على أن هناك “خطة”، أمّا عن آليات التنفيذ فتلك مسألة أخرى، قد لا تقود إلا إلى نتيجة محددة، وهي أننا في “عصر الكورونا” نعيش في زمن الخطط الافتراضية وقرارات الـ “حبر على ورق”، ومن هنا، فإن استثمار لبنان في أبنائه، تعليمياً، ليس من أولويات الحكومة بأي شكل من الأشكال!