اجتماعقراءات معمقة

الذكاء الاصطناعي يهدد بإقفال مؤسسات التعليم التقليدية

عن Smithsonian Magazine

خبراء يتساءلون: “هل ستختفي المؤسسات التعليمية التقليدية في ظل التوسع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي!”
ساعدت تقنيات التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي على إحداث تحول جذري في الآلية التي تعمل بها الشركات الكبرى وعمليات التصنيع وتجارة التجزئة، وكان لزاما على الجميع السعي نحو مواكبة تلك التقنيات وإلا فإن الخطر سيصبح كبيرا، فالشركات التي سوف تتخلف عن الركب التقني لن تقوى على المنافسة ومواجهة التحديات المستقبلية، ولعل الأمر ذاته ينطبق على المؤسسات التعليمية التقليدية والتي يأبى بعضها الاعتراف بتلك الحقيقة إلى حد كبير.
وقد بدأت المدارس والجامعات حاليا في استشعار القلق تجاه تقنيات التعليم الحديثة أو التعلم عن بعد والذي يعد جانبا واحدا من التطور التكنولوجي الراهن في المجالات التعليمية المختلفة، ومن الملاحظ أيضا أن بعض الشركات أصبحت تشترط حصول المتقدمين للحصول على الوظائف على بعض المهارات الخاصة بصرف النظر عما حصلوا عليه من شهادات جامعية.
ويمكن القول بأن تقنيات التعليم عن بعد باتت تشكل خطرا جسيما على مستقبل العديد من المؤسسات التعليمية، ففي الهند مثلا تسبب ضعف الإقبال الطلابي على الالتحاق بالجامعات التقليدية في إغلاق نحو 800 كلية من أصل 10 آلاف كلية متخصصة في تدريس العلوم الهندسية، ويتوقع البعض بأن تتعرض نصف الكليات في الولايات المتحدة إلى الإغلاق التام خلال العقدين القادمين مالم تتمكن من تطوير ذاتها ومواكبة التقنيات الحديثة، هذا في ظل انصراف الطلاب إلى الدورات التدريبية والمناهج التعليمية عبر الإنترنت والتي تجعلهم ليسوا بحاجة إلى حضور المحاضرات والتواجد داخل القاعات الدراسية التقليدية.
وقد أصبح هناك أعداد لا حصر لها من المواد الدراسية والمناهج التعليمية المجانية المتاحة عبر شبكة الانترنت والتي يمكن للجميع قراءتها أو مشاهدة مقاطع الفيديو والشروحات المختلفة إلى جانب التسجيلات الصوتية أيضا، فقد تمكنت بعض الجامعات والمؤسسات غير الربحية على مدار العقد الماضي من نشر كميات هائلة من المحتوى التعليمي وإتاحته مجانا أو نظير مقابل مادي بسيط لأعداد كبيرة من الطلاب حول العالم.
وقد أوضحت بعض الأبحاث التي أجريت في هذا الشأن بأن حصول الطلاب على توليفة من المحاضرات داخل القاعات الدراسية إلى جانب بعض الدورات التعليمية عبر الانترنت يساعدهم على تحقيق أقصى درجات التحصيل الفعلي والاستفادة القصوى.
واللافت في الأمر أيضا هو أن المساقات التعليمية عبر الانترنت والتي تعرف بـ MOOCs تعمل حاليا على تطوير بعض الطرق التي تمكن الدارسين من استعراض إنجازاتهم ومهاراتهم أمام أصحاب الأعمال، وهنا قد لا يتمكن صاحب العمل من التفرقة بين الحاصل على شهادة جامعية تقليدية والملتحق بالدورات التعليمية عبر الانترنت.
ومن الأمور التي قد تهدد مستقبل التعليم التقليدي أيضا هو أن الطالب له حرية الاختيار التامة في دراسة ما يحب بصورة مجانية عبر الانترنت، أو أن يتكلف نفقات وأعباء الالتحاق بالصفوف الدراسية العادية، وبالتالي قد يميل معظم الطلاب نحو الخيار الأول.
وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى تاريخ تطور الجامعات في العالم، سنجد أن الجامعات الأوروبية في العصور الوسطى قد عمدت إلى تدريب بعض الأشخاص وإعدادهم لتولي مناصب دينية هامة وذلك من خلال إكسابهم المعرفة اللاهوتية والقوانين الكنيسة، وكان هناك بعض الأشخاص ممن يتولون مسئولية جمع مصادر المعارف المختلفة وأرشفتها في مكتبات ضخمة شكلت نقطة الارتكاز الرئيسية لنشأة ما عرف لاحقا بـ الحرم الجامعي.
وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر نجحت الدول الأوروبية الكبرى في اكتشاف مناطق متفرقة من العالم، وبدأت الجامعات في تدريب الضباط على المهارات اللازمة لإدارة تلك المناطق الجديدة كفنون الملاحة عبر المحيطات وكيفية تقديم الرعاية الصحية للأفراد المشاركين في الحملات الاستعمارية، وبعد وقوع أحداث الثورة الصناعية تطورت الكليات مرة أخرى حيث قامت بتدريب العاملين على كيفية استخدام الأساليب والأدوات العلمية والتكنولوجية الجديدة.
وقد تغيرت البنية العامة لمقرات العمل مرة أخرى بحلول القرن الحادي والعشرين، فقد تحولت كل المتطلبات التي تحتاجها الشركات والحكومات تحولا تاما، وأصبح معاصرو التكنولوجيا الحديثة في حاجة إلى تعلم آليات تشغليها على نطاق أوسع، فعلى سبيل المثال بات كل سائق سيارة بحاجة إلى معرفة كيفية إصلاح الأعطال دون الحاجة إلى اللجوء إلى الفني المختص.
ولكن في عصرنا الحالي، أصبح الأشخاص المختصون بإصلاح السيارات يستخدمون الكمبيوتر في تشخيص وتحديد مواطن الأعطال، وبالتالي فإن حدود المعرفة المتواصلة واللانهائية قد تجبر الإنسان على التطور بصورة تلقائيا كي يمكنه مجاراة العصر والتماشي مع الأمر الواقع.
وعلى صعيد عالم التوظيف، فمن الملاحظ حاليا أن سوق الوظائف التي تتطلب توافر المهارات التقليدية قد بدأ في التلاشي، فقد أدت تقنيات التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي إلى تقليص عدد العمال داخل المصانع والشركات حتى في البلدان ذات الأجور المنخفضة كالصين، كما ساعدت تلك التقنيات الحديثة على تحول معظم اقتصادات العالم- بما فيها اقتصاد الولايات المتحدة أيضا – من اقتصاد التصنيع إلى الاقتصاد الخدمي، وعليه فقد أصبحت معظم الوظائف المطلوبة لا تشترط الحصول على شهادات جامعية عليا.
ومن التحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية التقليدية أيضا هي الزيادة المستمرة في المصروفات الدراسية داخل مختلف الكليات، وربما يرتبط ذلك بسهولة حصول الطلاب على القروض الطلابية في الولايات المتحدة، ولكن حجم الديون المترتب على القروض الطلابية في الولايات المتحدة قد بلغ نحو 1.45 تريليون دولار أمريكي، وقرابة الـ 20 بالمائة من المقترضين قد يعجزون عن سدادها.
وفي الوقت الذي تسلط فيه الجامعات الضوء على أهمية حضور الطلاب داخل القاعات الدراسية للاستفادة من مزايا التواصل الشخصي مع الأساتذة، فإن الكثير من الطلاب والآباء قد بدأوا في التعامل مع الأمر من منظور آخر، حيث يتساءلون حاليا؛ هل الدراسة داخل الكليات الخاصة لمدة تقارب الـ 240 يوم تستحق دفع آلاف الدولارات!
والجدير بالذكر أن المنافسة الحقيقة التي تشهدها ساحات الجامعات الخاصة تأتي من قبل الجامعات الحكومية والتي تنخفض فيها تكاليف الدراسة إلى حد كبير ولكن يظل طلابها بحاجة إلى الإطلاع على مصادر تعليمية خارجية مثل مساقات التعليم عبر الانترنت وغيرها من أجل التزود بالمعرفة، حيث أن النظم التعليمية التقليدية باتت غير كافية في عصرنا الحالي.
وقد بدأت بعض الجامعات في الاستجابة لمتطلبات التغيير والتماشي مع التقنيات الحديثة في مجال التعليم من خلال عقد شراكات مع الجامعات الدولية والشركات المتخصصة في إنتاج المواد التعليمية المختلفة، إلى جانب البدء في إنشاء برامج تعليمية خاصة بها ونشرها عبر الانترنت أو توصيلها إلى المستفيدين عبر البريد الالكتروني الشخصي لكل منهم.
ويتوقع الخبراء بأن يشهد المستقبل طفرة في كل من مجالي التعليم الجامعي والتوظيف، حيث ستجد الجامعات نفسها مطالبة بتصميم برامج دراسية محددة لشركات بعينها، كما ستضطر الجامعات إلى البحث عن أفضل السبل للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في خفض كلفة التعليم الجامعي.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى