اجتماع

الوقت: المورد الاستراتيجي الأعلى كلفة

يُعتبَر الوقت أحد أكثر ممتلكات الحياة قيمة، لأنّه شيء لا يُمكن الحصول عليه مرة أخرى، لذا فإن “إدارة الوقت” فنٌّ، يُقلّل من الإجهاد، ويُحسّن جودة الحياة بشكل عام، بحيث يتم تخصيص الوقت المناسب للنشاط الصحيح.
والوقت عنصرٌ ثمين، يجب استغلاله بشكل سليم، ومع ذلك لا يوجد أكثر من 24 ساعة في اليوم، لذا فإن إدارة الوقت والبقاء منتجين يُشكّلان صراعاً يومياً بالنسبة إلى معظمنا.
وقد حظيت دراسة إدارة الوقت باهتمام علماء الإدارة والباحثين نظراً إلى أهميته في الكثير من الأمور الحياتية، وقد تزايد هذا الإهتمام في بداية ثمانينات القرن الفائت خصوصاً لدى إدارة المؤسسات الحديثة على اختلاف أنواعها وطبيعتها.
والوقت في حياتنا نوعان:
الأول: وقتٌ يصعب علينا إدارته واستغلاله. وهو الوقت الذي نُخصّصه لحاجاتنا اليومية الأساسية (النوم، والطعام، والراحة، والعلاقات الأُسرية والإجتماعية المهمة).
الثاني: وقتٌ يُمكن إدارته وتنظيمه وهو الذي نُخصّصه للعمل. وفي هذا النوع تحديداً يكمن التحدي الكبير الذي علينا مواجهته، لنسأل كيف ننجح في استثمار هذا الوقت؟ وبالتالي تحقيق الإستفادة المرجوة وربما أكثر؟
قبل البدء بالحديث عن النوع الثاني لا بدّ ان نتوقف عند بعض أبرز ما قيل عن الوقت:
قال الفبلسوف اليوناني بيتاغوراس: إن الوقت هو روح العالم، فيما قال الفيلسوف اليوناني الآخر ثيوفراستوس: إن الوقت أثمن ما يُنفقه الإنسان. بدوره يرى الكاتب الفرنسي فوفنارغ أننا إذا لم نعرف قيمة الوقت، فلن نعرف قيمة الإنتصار. ومن جهته يوضح أحد أهم مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية بنجامين فرانكلين: إذا كنت تحب الحياة فلا تُضيِّع الوقت سُدىً، لأن الوقت هو مادة مصنوعة من الحياة، وهو قريب من المثل العربي القائل: إن الأمور مرهونة بأوقاتها. لنصل الى قول الإمام علي: إضاعة الفرصة غصّة.
إن الحديث عن أهم وأندر الموارد التي يمتلكها الإنسان في الحياة، يقودنا إلى الحرص على حسن إدارته أي “إدارة الوقت”، بمعنى تلك العملية التي يمر من خلالها التحكّم بهذا المورد.
إن الذين لا يدركون أهمية أوقاتهم هم أكثر الناس تضييعاً لها، وإلّا فلِمَ يُحافظ على وقته مَن لا يعلم قيمته؟ هناك من يعتقد ان تنظيم الوقت يعني الجد التام، ولا وقت للراحة او التسلية. والبعض يظن بأنه شيء تافه لا وزن له، ذلك لأن هؤلاء لا يقيمون لأهميته وزناً. ومثل هذه المفاهيم تنتشر في وطننا العربي كثيراً وهي تجعل عملنا مُنخفِض الإنتاجية، وفي ذلك يقول الدكتور إبراهيم الفقي: “إن مقياس تقدم الأمم وازدهار حضارتها ونهضتها هو حسن استثمار الوقت لأفرادها وإدارتهم له بشكل فعال، فالمهام العظام يمكن إنجازها حين يستغل الانسان وقته بكفاءة”.
فالإنتاج اليومي للموظَّف العربي هو 18 دقيقة فقط، حسب دراسة أجراها الإتحاد العربي للتنمية البشرية. ومن بعض الامثلة من الدول العربية وفق هيئات مستقلة: الموظف في السودان يعمل 20 دقيقة فقط، وفي الجزائر 22 دقيقة، وفي مصر 30 دقيقة.
ومن الطبيعي أن يربط الخبراء إنتاجية العمل بالتطور الإقتصادي للبلد، فالتطور يعني أن الموظف يعمل بالشكل المطلوب، بدليل الأمثلة عن الدول المتقدمة إقتصادياً، ففي فرنسا واليابان وكذلك إلمانيا يبلغ معدل ساعات العمل الفعلي للموظف أكثر من 7 ساعات يومياً.
والسؤال هل لدى الموظف في هذه الدول أوقاتا ضائعة كما هي الحال لدى الموظف العربي؟ فمثلاً هل نجده يتأخر في الوصول الى عمله؟ وهل يقوم بالخروج المُبكِر؟ وبالمكالمات الهاتفية والدردشة غير الضرورية؟ وبتصفح مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي التي لا علاقة لها بالعمل؟ وماذا عن التدخين المتكرر والخروج لشرب القهوة؟
ومن هنا نجد فعلاً أن التطور هو مقياس لإنتاجية العمل، فالوقت إن استُثمِر بالطريقة الصحيحة يكون مردوده إيجابياً، وعكس ذلك يُعتبَر عنصراً كبيراً في فشل العملية الإدارية في المؤسسة، وبمعنى أشمل نستطيع إدراج مفهوم لإدارة الوقت على أنها: “اسلوب علمي رفيع لاحتواء الوقت بهدف الإنتفاع منه، أو إستثماره لتحقيق أهداف معينة، بحسب تعريف الجمعية البريطانية للعلاقات العامة لإدارة الوقت؛ بمعنى آخر هي مممارسة الأعمال والأنشطة بقدرٍ عالٍ من التخطيط والتنظيم والرقابة على الوقت، وذلك بهدف بلوغ الأهداف المُسطَّرة في الوقت المحدّد.
كل ذلك يدفعنا الى الإعتبار بأن إنجاز الشيء الصحيح أكثر أهمية من إنجاز الشيء بطريقة صحيحة، فذات يوم سئل ستانلي ماركوس وهو الرئيس الناجح لمجموعة “نيمان – ماركوس”: ما هو العامل المشترك بين الناس الأغنياء والأقوياء والمشاهير الذين تعرفهم؟ أجاب من يعتبر أن مثل هؤلاء هم أصدقاء شخصيين: “كلهم لديهم أيام تتكوّن من 24 ساعة”.
وتابع شارحاً: “لقد توسّع العالم في الإتجاهات كافة تقريباً، لكن لا زال لدينا اليوم 24 ساعة ويتلقى أنجح الناس وأفشلهم الحصة عينها كل يوم”، وهذا يجعلنا نستنتج أن الفرق بين ان تكون ناجحاً أو لا تكون يعتمد بشكل رئيس على كيفية إستغلالك لحصتك اليومية من الساعات ال24.
وفي الختام هناك الكثير من الاستراتيجيات والخطط الفعّالة لإدارة الوقت ومنها منظومة “ستيفن كوفي” (steven covey ) مبدأ ال80/20، ونظام “كارفر ماتريكس” (Carver Matrix)، وساعة “برومودورو” (Promodoro)، ولائحة الواجبات والمفكرة والتي تستند الى وضع برنامج محدّد بالواجبات والمهمات (To-do list)، وتقسيم الأعمال إلى خطوات واضحة وبسيطة بحسب الأولويات. يتمّ تحديث هذا البرنامج بشكلٍ يومي وأسبوعي من خلال وضع إشارة على المهمات التي أنجِزَت أو تمّ تأجيلها أو أُلغِيَت. وتبقى هذه الوسيلة من الآليات العملية والأكثر انتشاراً لتنظيم المواعيد وإدارة الوقت والأعمال، وأبرزها المفكّرات بأنواعها الورقية والإلكترونية (Agenda- Organizer- Smart phones- Computer…) والبرامج والتطبيقات المتطوّرة التابعة لها. ولكلّ منها حسناته وسيّئاته، لذلك مهما كانت الوسيلة التي نستخدمها، المهم هو اختيار الطريقة التي تناسبنا، وتسهّل عملنا، وتؤدّي إلى الإلتزام والإنتاج.

الدكتور مازن مجوّز اعلامي وباحث

الدكتور مازن مجوز ، باحث وإعلامي . يشغل منصب مسؤول الإعلام والعلاقات الخارجية في الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال، ونائب رئيس مجموعة " الصحافة العربية " للتواصل الإعلامي، وأحد مؤسسي شركة Beyond the stars للخدمات الإعلامية اللبنانية ، يعمل حاليا في ال new media في أكثر من مؤسسة إعلامية ، وهو باحث متخصص في شؤون الاقتصاد البيئي والإدارة، ومدير مكتب مجلة "أسواق العرب" في بيروت ، لديه مئات التحقيقات والمقالات في مجالات : السياسة، الإقتصاد، البيئة ، والمجتمع المنشورة في صحف لبنانية وعربية ومواقع إخبارية إلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى