“العطاء”، كلمة تحمل الكثير من المعاني، وهناك أنواعًا وأشكالاً من العطاء، فهناك من يعطي بقدر ما يأخذ، وهناك من يعطي فقط عندما تطلب منه ذلك، وهناك من يعطي ولا ينتظر أي مقابل.
نمتلك في حياتنا الكثير من النِعَم نعرف قيمة بعضها، والبعض الآخر لا ننتبه إليه ولا لقيمته، وفي هذه الدنيا يعطينا الله الكثير ولكن أول النعم وأعظمها هي نعمة “الأم”، السبب الأول لوجودك في الحياة، وهي من النوع الذي يعطي ولا ينتظر أن يأخذ مقابلًا، هي التي تعطيك مالا يستطيع أحد أن يعطيك إيّاه.
المرأة وغريزة الأمومة
تغلب على المرأة صفات التضحية والعاطفة والحنان والرحمة أكثر من الرجل، فالأم تقدم أولادها على نفسها لأسباب عدَّة، أولها غريزة الأمومة التي وضعها الله فيها، إلى جانب حملها لأشهر عدة التي تكوّن خلالها الأم علاقة غير مباشرة ورابطة متينة مع طفلها، وتستمر هذه العلاقة بعد الولادة ولكن بشكل مباشر هذه المرة، باهتمام الأم المتواصل بأطفالها من مرحلة الرضاعة (التي تقوم في جوهرها على إشباع الحاجات العضوية كالطعام والنوم والدفء، و تعمل على تأمين علاقات نفسية قوية وتوفر له الحب والحنان)، إلى مرحلة الشباب حيث ترغب دائمًا بأن تكون مطلعة بشكل كامل عما يدور في حياة أطفالها وذلك من خلال معرفة أخبارهم وأخبار أصدقائهم، متابعة نشاطاتهم، تطوير مهاراتهم، حيث تسعى الأم إلى تكوين علاقة صداقة مع أطفالها والحرص على الانخراط في حياتهم لتشاركهم همومهم، بعكس الرجل الّذي يكون مشغولاً عنهم بحكم عمله.
المرأة لإدارة المنزل والرجل للعمل وتأمين المصاريف
في مجتمعاتنا، يغلب طابع “المرأة للمنزل، والرجل للعمل”، وبالتالي ينحصر دوره مع أطفاله بتناول وجبة عشاء، ورحلة في أيام العطل، وبالغالب تبقى العلاقة بينهم سطحية، ولا تصل إلى العمق الذي يتمنّاه الأطفال من أبيهم ويجدونه في أمهم.
لا يمكننا بالطبع إغفال الدور الكبير والمهم للأب في حياة أطفاله، ولكن انشغال الأب بهموم الحياة وضغوطاتها، وضغط العمل وبعض العوامل الخارجية التي يتعرّض لها يوميًا قد تدفعه أحيانًا إلى أن يكون عصبياً حاد الطباع تجاه أطفاله، الأمر الّذي يؤثر على الأطفال ويجعلهم ينفرون منه ويلجأون إلى نبع الحنان ومصدر الأمان لهم “الأم”، مما يؤدي إلى زيادة المسؤولية عليها، حيث ستؤدّي دوري الأم والأب معًا.
الأم المطلقة
وللمرأة المطلقة رحلة عذاب مع مشوار الحضانة، فالأم المطلقة، تختبئ عادة من المواجهة؛ وتقف عاجزة أمام أطفالها فالعادات والتقاليد والدين يعتبروا من الأسباب الرئيسية في حرمانها منهم ومن بعدها قوانين التمييز ضد المرأة نأخذ لبنان مثالاً على ذلك:
-(معادلة غير متساوية: حضانة الأم وولاية الأب
تقييد حضانة الأم مقابل ولاية الأب شبه المطلقة
تجاوز القضاة السن القانوني لحضانة الأم
إسقاط حق الأم في الحضانة
بسبب “عدم الأهلية” في غياب معايير موضوعية خالية من التمييز
بسبب زواج الأم من رجل غير الأب
بسبب إهمال التنشئة الدينية للطفل
بسبب النشوز)
– (هشاشة المرأة الاقتصادي وعدم ملاءمة آليات الحماية من العنف الأسري
تبعية المرأة الاقتصادية في الزواج
أحكام نفقة الزوجة غير الكافية والمنحازة والمتعسفة
سقوط الحق في النفقة بسبب النشوز
سقوط النفقة في قضايا التفريق والهجر التي ترفعها الزوجة
هشاشة وضع المرأة الاقتصادي بعد انتهاء الزواج
غياب التعويض وتخفيض أوانعدام الحقوق المهرية لدى الطائفتين السنية والشيعية
سلطة القضاة التقديرية في الحكم بالتعويض
الإخفاق في تعويض المرأة عن المساهمات الزوجية
أوجه قصور الحماية من العنف الأسري
آليات غير ملائمة لحماية المرأة من العنف الأسري
صعوبة الحصول على أحكام مستعجلة خلال إجراءات إنهاء الزواج)
تصطدم النساء المنتميات إلى مختلف الطوائف عقبات قانونية وغير قانونية لدى مبادرتها على إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة، كما تواجه قيوداً على حقوقهن المالية، فضلاً عن هاجس فقدان أطفالهن في حال تزوجن مجدداً أو انقضت ما يعرف بفترة حضانة الأم (التي يحدّدها عمر الطفل). كما تم حرمان السيدات على نحو ممنهج من النفقة الكافية أثناء الزواج أو بعده ـ حيث يجوز للمحاكم الطائفية على خلاف ما تقتضيه العدالة رفض الحكم بها أو تخفيضها أو من حجبها عنها بسبب “نشوزها” -أي مغادرة منزل الزوجية ورفض مساكنة زوجها- أو إذا طلبت التفريق.
كما يواجه الأطفال انتهاكات لحقوقهم، ومن أهمها الحق في إيلاء الاعتبار الأول لمصالحهم الفضلى في جميع القرارات القضائية المتعلقة بمصيرهم، بما فيها الأحكام الخاصة بتحديد من سيرعاهم؛ مع الإشارة غلى أنّ هذه الانتهاكات تخرج عن نطاق التقرير الحاضر. (HRW)
تضحيات الأم
الأم هي الوحيدة في هذا العالم التي تقدم التضحيات بكامل إرادتها من دون كلل أو ملل، تضحيات الأم لا تعد ولا تحصى فهي تضحي بجسدها، ووقتها، ومستقبلها، وحريتها.
في كل مرة تنظر فيها الأم إلى جسدها في المرآة ترى الجلد المترهل وعلامات التمدد والوزن الزائد، تتذكر الروح التي حملتها بداخلها وترتسم ابتسامة لطيفة على وجهها، وتشعر بالفخر بكل خط منحوت على جسدها.
تُحرم الأم من قضاء وقت ممتع مع أصدقائها، وحتى الاهتمام بنفسها، تحرم من النوم من أجل أن ترعى أطفالها وتسهر على راحتهم، وبالأخص الأم العاملة التي تعتبر من أكثر الأشخاص انشغالاً بسبب تعدد مسؤولياتها والتزاماتها، في عملها، وبيتها، ومسؤولية أسرتها ولكن من حقها الاهتمام بنفسها وتخصيص بعض الوقت لأخذ استراحة.
سعادة الأم وألم الفراق
الأم تُحب أن ترى أطفالها سعداء أقوياء، ولكن عليها ألا تنسى سعادتها، عليها أن تتعلم الاحتفاظ ببعض الحب لنفسها كي لا تتألم عندما يبتعد عنها أطفالها للبدء في شق طريقهم وبناء حياتهم، صحيح أن خدمة الأطفال وتلبية كل حاجاتهم ضمن مسؤوليات الأم الأساسية، ولكن الأهم هو زرع القيم والمبادىء فيهم، تعليمهم الاعتماد على أنفسهم، إعطاءهم الثقة ليتمكنوا من تحقيق استقلاليتهم، والأخذ في الحسبان اليوم الذي سيأتي الطفل ليقول لأمه، أريد تأسيس حياة لي، أريد أن أستقل، بعد قضاء سنوات طويلة في تربيته، واحتضانه في منزل الأسرة، أن يفارقهم وقت زواجه، وبحثه عن الاستقلالية، يشعر الوالدين وليس الأم وحدها بحرقة الفقد وابتعاد الطفل عنهما، وانتقاله إلى حياته الجديدة، لاسيمّا بعد الفترة الطويلة التي كانوا يملأ فيها أركان المنزل.
من دار الفناء إلى دار البقاء
يعتبر الفراق من أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان، ولكن هذه حال الدنيا، يومًا ما جميعنا سننتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، عند رحيل أحد الوالدين، يبقى في القلب ندبات لا يزول أثرها حتى مع مرور الزمن، ولكن رحيل الأم بشكل خاص يجعلك تشعر وكأنك فارقت جزءًا من روحك، هذه التجربة القاسية، تعرّض الأبناء لمشاعر حزن لم يختبروها يومًا، ولكن تبقى الذكريات الملاذ الوحيد، وكأنها رسالة منها أن نذكرها دائمًا، ربما في صلاتنا، دعائنا، خيالنا، نذكرها ونواسي أنفسنا، فلا يبقى لنا سوى الذكريات لنعيش عليها، على أمل اللقاء في الحياة ما بعد الموت.
قلب الأم يرافق أطفالها دائمًا، الأم قوة أطفالها وقت ضعفهم، الأم هي الكتف الذي يستند عليه الأطفال عند تعبهم، الأم هي التي تضحي من أجل سعادة أطفالها وراحة بالهم، الأم هي التي تحرم نفسها لتمنح أطفالها، الأم هي التي تحارب العالم من أجل أحلام أطفالها… الأم بركة الحياة.