اجتماعالاحدث

تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي: التجارب الدولية والتطبيق في لبنان | بقلم الباحث زهير عساف

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام وغيرها دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام ونقل المعلومات. وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد منصات للتواصل الاجتماعي، بل أصبحت صناعة ضخمة ذات تأثير اقتصادي كبير. تقدر قيمة السوق العالمية لوسائل التواصل الاجتماعي بمئات مليارات الدولارات، وتلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد الرقمي من خلال الإعلانات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، وتسويق المحتوى. الشركات تعتمد على هذه المنصات للوصول إلى جمهور واسع، وتعزيز العلامات التجارية، وزيادة المبيعات. هذا التأثير الاقتصادي يضيف بُعدًا جديدًا للتحديات التي تواجه الحكومات في تنظيم هذه المنصات، حيث يتعين عليها موازنة بين حماية المستخدمين وتحفيز الابتكار والنمو الاقتصادي.ومع تزايد تأثيرها، أصبحت الحكومات تسعى إلى فرض قيود لتنظيم هذه المنصات بهدف حماية الأفراد والمجتمع من المخاطر المحتملة. تتنوع هذه القيود بحسب سياسات الدول وقوانينها. وفيما يلي نعرض أبرز القيود التي يمكن للدول فرضها لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، مع أمثلة من الاتحاد الأوروبي، وتطبيق محتمل في لبنان الذي تصل نسبة وصول الإعلانات فيه الى المستخدمين الى اكثر من 90% والميزانية السنوية للاعلان الرقمي الى حوالي 300مليون دولار لسنة 2024، بالإضافة إلى الإطار القانوني المتبع حاليًا في لبنان.

1. قيود على المحتوىمكافحة الأخبار الزائفة: تفرض العديد من الدول قوانين صارمة لمكافحة الأخبار الكاذبة والمضللة. في لبنان، يمكن تطوير قوانين لمحاربة انتشار الأخبار الكاذبة التي قد تؤثر على السلم الأهلي والاستقرار السياسي.

2. . حماية الأطفال والمراهقين: يتم فرض قيود على المحتوى العنيف أو الجنسي لضمان بيئة رقمية آمنة للأطفال والمراهقين. لبنان يمكنه فرض قيود مماثلة.

3. مكافحة خطاب الكراهية: تضع بعض الدول قوانين لمعاقبة نشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف. في سياق التوترات الطائفية والسياسية في لبنان، يمكن تطبيق قوانين صارمة لمنع نشر خطاب الكراهية والتحريض.

4. القيود على الخصوصية والبيانات الشخصيةقوانين حماية البيانات: مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي، تفرض الدول قيودًا على كيفية جمع واستخدام البيانات الشخصية من قبل منصات التواصل الاجتماعي. يمكن للبنان استحداث قوانين مشابهة.

5. الشفافية في جمع البيانات: تفرض بعض القوانين ضرورة الإفصاح الكامل للمستخدمين عن كيفية جمع واستخدام بياناتهم. لبنان يمكنه فرض متطلبات مماثلة.

6. القيود الاقتصاديةوالضرائب على الإعلانات الرقمية: تفرض بعض الدول ضرائب على العائدات التي تجنيها منصات التواصل الاجتماعي من الإعلانات المحلية. يمكن للبنان فرض ضرائب على الإيرادات من الإعلانات الموجهة للمستخدمين في لبنان.

7. القيود على الاستثمارات الأجنبية : تفرض بعض الدول قيودًا على الاستثمارات الأجنبية في شركات التواصل الاجتماعي للحفاظ على الأمن القومي والسيادة الرقمية. يمكن للبنان تبني قيود مماثلة.

8. الرقابة والحجب الرقابة على المحتوى : تقوم بعض الدول بفرض رقابة شاملة على المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن للبنان تطبيق رقابة على المحتوى الذي يعتبر مضرًا أو مهددًا للأمن القومي.

9. حجب المنصات : قد تقوم الحكومات بحجب منصات التواصل الاجتماعي في حالات الأزمات السياسية أو الاحتجاجات لضبط الأمن العام. لبنان قد يلجأ لهذه الإجراءات في حالات معينة، لكن يجب أن يكون ذلك وفقًا لإجراءات قانونية محددة.

10. المساءلة القانونيةإجراءات قانونية ضد الانتهاكات : تفرض بعض الدول إجراءات قانونية صارمة على الأفراد أو الجهات التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتويات غير قانونية. يجب على لبنان تطوير إطار قانوني يتيح معاقبة الانتهاكات.

11. متطلبات الترخيص: تفرض بعض الحكومات على منصات التواصل الاجتماعي الحصول على تراخيص عمل رسمية داخل البلاد. يمكن للبنان فرض متطلبات ترخيص مماثلة.

12. القيود على النشاطات السياسيةالحد من الحملات الانتخابية : تضع بعض الدول قيودًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية لمنع التدخلات الأجنبية والتلاعب بالرأي العام. يمكن تطبيق قيود مماثلة في لبنان.

13. مراقبة النشاطات السياسية: تفرض بعض الدول قيودًا على المنشورات والصفحات التي تروج لنشاطات سياسية معينة لضمان احترام قوانين البلاد. يمكن للبنان تبني قيود لضمان النزاهة والشفافية.

14. التعاون الدولي اتفاقيات التعاون: تتعاون بعض الدول مع المنصات الدولية لضمان الامتثال للقوانين المحلية. يمكن للبنان الدخول في اتفاقيات تعاون مع منصات التواصل الاجتماعي العالمية.

15. الشراكة مع منظمات التحقق: يشجع الاتحاد الأوروبي التعاون بين المنصات ومنظمات التحقق من الحقائق لمكافحة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة. يمكن للبنان تبني هذه السياسات.

16. التربية الرقمية عبر برامج التوعية: تفرض بعض القوانين على المنصات المشاركة في برامج توعية لتعزيز الفهم الصحيح لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن للبنان دعم برامج توعية مشابهة.

17. التعاون مع المدارس: تشجع القوانين التعاون بين المنصات والمؤسسات التعليمية لتقديم برامج تربوية حول الأمان الرقمي والمسؤولية الاجتماعية. يمكن للبنان تعزيز التعاون بين المدارس ومنصات التواصل الاجتماعي.

يعد الاتحاد الأوروبي من الرواد في وضع إطار قانوني متكامل لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتمد على مجموعة من اللوائح والقوانين التي تهدف إلى حماية المستخدمين وتعزيز الشفافية والمساءلة. فيما يلي بعض الأمثلة البارزة:
اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR): تفرض قيودًا صارمة على كيفية جمع ومعالجة وتخزين البيانات الشخصية للمستخدمين داخل الاتحاد الأوروبي، وتمنح حقوقًا للمستخدمين مثل الحق في الوصول إلى بياناتهم وتصحيحها وحذفها.
قانون الخدمات الرقمية (DSA): يعزز الشفافية حول كيفية إزالة المحتوى والتعامل مع الشكاوى، ويفرض إجراءات صارمة لحماية المستخدمين من المحتويات غير القانونية.

قانون الأسواق الرقمية (DMA):

يحد من قوة الشركات الكبرى في السوق الرقمي ويضمن المنافسة العادلة، ويشمل فرض قيود على كيفية استخدام الشركات الكبرى لبيانات المستخدمين.
المرسوم الأوروبي لمكافحة المحتوى الإرهابي على الإنترنت: يفرض على المنصات إزالة المحتوى الإرهابي في غضون ساعة واحدة من تلقي طلب رسمي، ويتطلب التعاون مع السلطات الوطنية.
برنامج الأمان الرقمي للأطفال: يفرض قيودًا على المحتويات التي يمكن للأطفال والمراهقين الوصول إليها، ويدعم برامج التربية الرقمية لتوعية الأطفال وأولياء الأمور.

الإطار القانوني المتبع حاليًا في لبنان في الوقت الراهن، يتعامل لبنان مع وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مجموعة من القوانين واللوائح التي تهدف إلى تنظيم هذا القطاع:
١- قانون العقوبات: يتضمن بعض المواد التي تعاقب على نشر الأخبار الكاذبة أو المضللة، وخطاب الكراهية، والتحريض على العنف.

٢- قانون المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية: يهدف هذا القانون إلى تنظيم المعاملات الإلكترونية وضمان حماية البيانات الشخصية، لكنه يحتاج إلى تحديثات ليتماشى مع التطورات الحديثة في مجال التواصل الاجتماعي.

٣-قوانين الإعلام والمطبوعات : تنظم هذه القوانين كيفية نشر المعلومات والتعامل مع وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، وتفرض عقوبات على المخالفات.

تهدف قوانين حوكمة وسائل التواصل الاجتماعي إلى تحقيق توازن بين حرية التعبير وحماية المستخدمين وضمان بيئة رقمية آمنة وعادلة. تطبيق هذه القوانين يتطلب تعاونًا مستمرًا بين الجهات الحكومية والمنصات الرقمية لضمان الامتثال وتحقيق الأهداف المشتركة. يمكن للبنان الاستفادة من تجارب الاتحاد الأوروبي وتكييفها مع السياق المحلي لضمان تنظيم فعال لوسائل التواصل الاجتماعي في البلاد، مع الحفاظ على حرية التعبير والحقوق الشخصية للمواطنين.

زهير عساف، باحث في التنمية المستدامة الإستراتيجية

زهير عساف باحث في التنمية المستدامة الاستراتيجية جامعة بليكينغي للتكنولوجيا -السويد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى