اجتماعالاحدث

أسرار مواقع التواصل الاجتماعي والعالم المختلف الجديد | بقلم ناجي أمهز

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

عندما يأتي رجل يمتلك الحكمة والمعرفة، ويقول انتبهوا على أطفالكم وبناتكم وشبابكم من مواقع التواصل الاجتماعي يقولون عنه ” رجل دقة قديمة” وحتى الأب او الأم عندما يحاولان منع أولادهم من الإفراط باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي يواجهان من قبل الجميع بأنهما من العصر الحجري.

لا يا سادة هذا الجيل هو ذو قلب حجري وعقل صخري، انا اختصاصي في مواقع التواصل الاجتماعي وتصميم المواقع الالكترونية، وتقريبا اطلعت على أدق تفاصيل هذا العالم بحكم عملي الذي اعتاش منه، وايضا فهمت آلية عمله ونظام تطوره، وأسباب انتشاره، وأساليب الاستفادة منه، ان كان للحكومات أو الشركات، في السياسة والتجارة والتسويق وصناعة النظم والرأي العام.

فمواقع التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين، فالمسدس يمكن ان تدافع به عن نفسك، لكن إن تركته بيد طفل أو من لا يجيد استعماله، ربما يقتل نفسه أو يصيب به من حوله، ومواقع التواصل ان عرفنا استخدامها هي مفيدة بالعمل والتجارة والنشر وتطوير المجتمع، اما إذا استخدمناها في غير محلها حتما سندمر حياتنا وأيضًا المجتمع.

نحن لا نعلم مقدار الضرر الذي يصل إلى عقلنا الباطني من مواقع التواصل الاجتماعي، فعلم الأعصاب وعلم النفس يؤكدان، أنّ العقل الباطن مسؤول عن الأشياء المهمة كافة، نظرا لكونه اذكى من العقل الواعي وهو بالختام الذي يأخذك حيث يريد حتى دون ان تشعر انه يسيطر عليك، ومواقع التواصل الاجتماعي عملها السيطرة على العقل الباطن، ولو فهمنا ما زرع بعقلنا الباطن لأدركنا ان الغالبية في العالم العربي تحولت الى قنابل اجتماعية موقوتة، لا نعرف اي ساعة تنهار وتخرج شرورها الى المجتمع، فالأمر خطيرًا للغاية، وبخاصة في البلدان التي تعيش انهيار اقتصادي وانحلال وتفكك اسري، وغيابا للتنمية البشرية.

والأهم نحن في دول العالم الثالث لا نمتلك تقنيات تفكيك هذه الرسائل المشفرة التي تبث بنمط معين من الالوان، وسرعة في الحركة، فالعين التي لا تلتقط الا 24 حركة في الثانية وصلنا اليوم الى 60 حركة صورية في الثانية، الله اعلم ماذا يوجد من صور لا ندركها، او نجد تفسير لها.

لذلك لا تستغربوا انتشار الجريمة واتساع بقعة الانحراف، والانقلاب على القيم والابتعاد عن الاخلاق، وتدمير المجتمعات.

اولا كل فرد يستخدم المواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا المجانية، هو يكلف هذه الشركات في اليوم الواحد، ما لا يقل عن ثلاثة دولارات أمريكية، مثلا شركة “فيسبوك” ، التي تقدم لنا انشاء الحساب مجاني وبكل بساطة، هي تتكلف ثمن هذا الحساب في السنة ما لا يقل عن خمسمائة دولار امريكي، يعني شركة “فيسبوك” قبل ان تنتج وتربح من الاعلانات، وبيع معلومات الافراد للشركات التجارية العمالقة وللدول، كانت الحكومة الأميركية تدعم وتمول هذه الشركة بمئات مليارات الدولارات، كاستثمار طويل الامد.

هل تعلمون ان أميركا يتفدق إليها ما يقارب الــ900 مليار ميغا من المعلومات يوميا، تضمن هذه المعلومات، كل تفاصيل حياتنا من سلوكيات، وما نخفيه بأعماق أنفسنا من رغبات ومشاعر، وماذا نحب ونكره، وماذا نريد ان نشتري، وكيف نتصرف ونعمل، وكم نجني وكم نصرف، وحتى كم سنعيش من العمر.

هل تعلمون ان معالجة مثل هذه المعلومات وتخزينها يحتاج الى مساحة تعادل لبنان وفريق عمل لا يقل عن مليون متخصص في هذا المجال، اضافة الى تقنيات متقدمة ومتطورة للغاية، نحن المختصين لا نعرف عنها شيئا الا بمقدار ضئيل للغاية لا يتجاوز الواحد بالمائة.

فـ “فيسبوك” تستفيد منه أولا الحكومة الاميركية، لفهم شعبها، ومراقبته، ومعرفة احتياجاته، وآلية تفكيره، وتفكير شعوب الدول الصديقة والمعادية لها.

الاستخبارات الاميركية المركزية استطاعت ان تحصل على ادق التفاصيل، عن عدد خلايا وجوهنا، ولون عيوننا، وبصمات صوتنا، وهي قادرة ان تغتال اي شخص بأي مكان متواجد بالعالم من خلال ربوتات صغيرة الحجم، قد تكون حتى على شكل حشرة متقنة الصنع والشكل للغاية.

الحكومة الأميركية قادرة ان تختار الاشخاص وان تنصب الحكام او تسقط الحكومات، فقط من خلال ما تحصل عليه من رسائل متبادلة بين المتحدثين وبناء على هذا الاستنتاج ترسم سياستها العالمية، لكل دولة في العالم.

الشركات العمالقة، هي تصنع منتوجاتها الغذائية والتقنية والصناعية وتسعرها وتحدد مدة استخدامها، بناء على احصاءات تجمعها من المشتركين المتواجدين على وسائل التواصل الاجتماعي.

هل تصدقون ان المنظمات الاجرامية والتي تعمل بأوامر مباشرة من الإدارات المختصة الحكومية، هي تتلقى هذه المعلومات والارشيف من الجهات المختصة عن كامل الاشخاص المستهدفين، بخاصة ان كان هؤلاء الاشخاص بمواقع سلطوية رسمية او غير رسمية، مما يسهل عملية ابتزازهم والتحكم بهم كي ينفذوا الاوامر التي تطلب منهم.

هل تصدقون ان هناك عملية مسح كامل لعقولنا، وهم قادرون على وضع رسائل صوتية او صور مشفرة، تغير من نمط تفكيرنا وسلوكنا، وتسمح لهم التحكم بكافة ردات فعلنا وما سنقوم به من افعال.

هل تصدقون ان كمية المعلومات المحددة التي يستيطع ان يتلقاها الانسان منذ استخدامه الانترنت حتى وفاته، هي وضعت بطريقة محددة كمًّا وزمانًا، تصل الى كمية 12 مليار ميغا بايت، وبعدها يحصل الانفجار او ما يعرف بالستكة الدماغية، لذلك ينتشر مرض الزهايمر او الخرف بكثافة وبأعمار اقل مما هو معتاد، اضافة لانتشار واسع لما يعرف بالسكتة الدماغية.

هل تصدقون انه لو هناك بلد ما امتنع عن شراء اجهزة الهواتف الخليوية واللوحية، ان الحكومة الأميركية فرضت قوانين بتقديم هذه المنتوجات مجانًا وتامين الإنترنت، على نفقة الحكومة الأميركية، وهذا الامر يتم بأساليب مختلفة ومبررات مختلفة، منها مثلاً الانترنت حقًا للجميع، التطور والتكنولوجيا حقًا للجميع، هناك جمعيات مهمتها تحت ذرائع مختلفة منح وايصال هذه التكنولوجيا.

هل تصدقون ان اكثر من خمسة ملايين حالة طلاق كل عام في العالم العربي، وتفكك اسري سببها وسائل التواصل الاجتماعي، واعداد لا يمكن احصائها، ادت الى انفصال بين احباب ومرتبطين.

هل تصدقون ان سبب ارتفاع الجريمة المنظمة في العالم هو مواقع التواصل الاجتماعي، وان تسعون بالمائة من الذين انتسبوا الى “داعش” والمنظمات الارهابية الاجرامية هو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ولمن لا يصدق يمكن مراجعة عشرات الدراسات في الكونغرس الاميركي نفسه وجمعيات اميركية مختصة بشأن خطورة المواقع التواصل الاجتماعي.

ويمكن مطالعة الردود على هذه الدراسات التي أكدت أن الحكومة الأميركية لم تسمح بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي الا بعد ان تـأكدت بأن الشعب الأميركي لا يتأثر الا بنسبة 7% فقط.

في أميركا لن تجد على وسائل التواصل الاجتماعي، صورًا خاصة للفتيات او الشباب، كما هو شائع في العالم العربي، او ان هناك من يصور طعامه ومنزله، ومناسباته الخاصة.

في أميركا قوانين صارمة للغاية تتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، تحمي الشعب الأميركي من انتهاك الخصوصية، وهذه الخصوصية ليست التي نعرفها بأنهم لا يسربون المعلومات، بل من نوع مختلف كليًا يتعلق بطلب إضافة صديق أو إرسال رسالة، الى ما هنالك من أمور تتعلق بالشروط التي تفرضها منصات مواقع التواصل الاجتماعي بناء على القانون الاميركي، وبالرغم أنها تطبق حرفيًا بـأميركا إلا أنه للاسف لا شيء منها يطبق في غالبية الدول وتحديدًا في دول الشرق الاوسط المستهدفة أساسًا.

لذلك عليكم ان تتوقعوا الكثير، ليس نحن بغالبيتنا من نربي أولادنا أو نشرف على تطويرهم ورسم سلوكياتهم، بل هناك مختصين في العالم هم الذين يعرفون أبنائنا أكثر من معرفتنا بهم.

علينا ان نعلم أولادنا بألا يسمحوا لمواقع التواصل الاجتماعي بأن تسيطر عليهم وتنتهك خصوصياتهم التي تعرذض حياتهم للخطر وأمراض نفسية لا تعد ولا تحصى.

من يخاف على اولاده وعائلته، ليوزع هذا المقال، ولا يخشى ان يقال عنه انه متخلف او من العصر الحجري.

انا اعلم ان الامر صعب لكن علينا ان نحاول، فاولادنا وعوائلنا يستحقون المحاولة تلو المحاولة، لذلك يجب ان نفهم ونتعلم آلية التعامل معها وكيف نستخدمها، وهذه مسؤولية رسمية على الاهل، ويجب على الدولة والمجتمع ان يوفر مؤسسات وجمعيات مختصة تساهم بالتوعية، بشأن وسائل التواصل الاجتماعي.

فنحن في عالم جديد ومختلف كليا عما عرفناه وعشناه.

ناجي أمهز، كاتب وباحث سياسي لبناني

كاتب وباحث سياسي لبناني، له عشرات المقالات التي حققت شهرة عالمية تنشر أعماله بأكثر من ٥٠ موقع ومنها عرب تايمز التي تصدر بأمريكا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى