اجتماع

حوادث إطلاق النار الجماعية في أمريكا… ابحث عن الثقافة الموروثة

عن Geopolitical Futures

حوادث إطلاق النار الجماعية في أمريكا.. تساؤلات وآراء متعددة
في أسبوع مأساوي يمكن وصفه بـ أسبوع الدماء في أمريكا، شهدت القوة العظمى الأولى في العالم سلسلة من حوادث إطلاق النار الجماعية التي استهدفت مواطنين أبرياء في بعض المناطق العامة، حيث وقع الحادث الأول في إلباسو بولاية تكساس الحدودية، حيث اعترف منفذ الحادث وهو شاب أبيض متعصب بكراهيته للمهاجرين والوافدين إلى أمريكا من الحدود الجنوبية مع المكسيك، بينما وقع الحادث الثاني في دايتون بولاية أوهايو على يد شخص موالي للجناح الأيسر من الحزب الديمقراطي والمعروف بمعارضته لسياسات ترامب، ويبقى السؤال هنا ما هي حقيقة الدوافع التي تجعل أولئك الأشخاص يتجهون نحو العنف والجرائم الدموية!
ومنذ وقوع حادث إطلاق النار الشهير بمدرسة كولومبين الثانوية عام 1999 شهدت الولايات المتحدة نحو 88 عملية إطلاق نار جماعي في حوادث متفرقة، فعلى مدار عقدين من الزمن فقط لقى 738 شخص مصرعهم قتلا على يد بعض الأشخاص المتعصبين والذين بلغت بهم ذروة الغضب إلى حد الرغبة في إراقة الدماء، ومن أشهر حوادث إطلاق النار خلال الـ 25 عام الأخيرة، واقعة إطلاق النار على كنيسة بولاية ساوث كارولينا وأخرى بولاية تكساس، ومقتل البعض داخل ملهى ليلي للشواذ في أورلاندو، وإطلاق النار بمدرسة ابتدائية في كونيكتيكت وغيرها من الأحداث الدموية التي هزت الرأي العالم العالمي، ورغم اختلاف دوافع القتل لدى منفذي تلك الهجمات أحيانا، إلا أن القاسم المشترك بينهم جميعا هو الشر.
وبعيدا عن محاولة فهم دوافع القتل لدى منفذي الهجوم، فلابد من التركيز على القيمة التي يحققها الأمريكيون من امتلاك السلاح نفسه، فمن المؤكد أن الكثيرون يؤيدون فرض المزيد من القيود على بيع وشراء الأسلحة خوفا على مستقبل أطفالهم، ولكن من الناحية العملية فلابد من الاعتراف بأن سن القوانين التي تحظر امتلاك السلاح بين المواطنين سوف يؤدي إلى تكثيف وجود تلك المحظورات بين أيدي الخارجين عن القانون، شأنها في ذلك شأن المخدرات.
وقد كشف المسح الذي أجري في جنييف عن معدل انتشار الأسلحة الفردية عن وجود 393 مليون قطعة سلاح في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد هذا الرقم استثنائيا بالنظر إلى عدد الأسلحة التي يمتلكها الأفراد في الدول الأخرى، وعليه فإنه كي نتمكن من التوصل إلى حلول جذرية لمشكلة حوادث إطلاق النار في أمريكا لابد من التعرف أولا عن أسباب وجود هذا الكم الهائل من السلاح والدور الذي يلعبه في حياة المواطنين الأمريكيين.
وبالعودة إلى الماضي وتحديدا خلال القرن الثامن عشر كانت حيازة السلاح حكرا على نبلاء أوروبا وبريطانيا حيث كانوا يستخدمونها في الصيد البري باعتباره أحد أهم أنشطة الطبقة الارستقراطية آنذاك. وكانت معظم الأراضي الخاصة بالصيد محظورة على الآخرين، وكانت عقوبة الصيد الجائر في تلك الأراضي هي الموت، هذا في الوقت الذي كان يحيا فيه الفلاحون حياة قاسية وكانوا يجدون صعوبة بالغة في توفير الغذاء لعائلاتهم، مما كان يدفعهم أحيانا نحو المخاطرة بحياتهم في سبيل الحصول على اللحم من خلال محاولة سرقة قطعة سلاح من أجل الصيد خلسة في أراضي النبلاء.
أما في أمريكا الشمالية، فمنذ اكتشاف تلك القارة فإن لعبة امتلاك الأسلحة وممارسة القتل لم تخضع للقيود أبدا، ورغم كون الأسلحة باهظة الثمن آنذاك، إلا أن الجميع كان بإمكانه شراء سلاح، فقد كان الحصول على بندقية مثلا يجعل المواطن الأمريكي يشعر بالاكتفاء الذاتي، كما كان ذلك في نظره أيضا بمثابة مخرج للتحرر من الظلم الذي مارسته الأنظمة الحاكمة سابقا في أوروبا حيث كانت الأسلحة حكرا على النبلاء فقط، وبالتالي فإذا حصل الرجل في أمريكا على قطعة سلاح أصبح على قدم المساواة مع أصحاب الطبقة الأرستقراطية.
ويمكن القول بأن الثورة الأمريكية قامت في الأساس من أجل تحقيق المساواة بين النبلاء ورجل الشارع العادي، وقد حال امتلاك السلاح دون تمكن النبلاء من التحكم في مقدرات الأمور في أمريكا، فقد كانت البندقية رمزا للحكم الذاتي وأداة اقتصادية حقيقية أكثر مما هي عليه الآن، فقد انتهى خوف الصيادين من النبلاء وأصبح امتلاك البندقية وسيلة للحصول على الحرية، ولازالت تلك الفكرة قائمة في أمريكا حتى يومنا هذا، ورغم صعوبة البرهنة على ذلك، إلا أن البندقية حاليا تساوي الحرية في أمريكا بصورة أو بأخرى.
ومنذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، والدستور الأمريكي ينص على مشروعية حمل الأفراد للسلاح، فقد شعر المؤسسون الأوائل بأنه يجب إدراج هذا الحق في دستور البلاد ليس فقط من أجل ضمان وجود ميلشيا جيدة التسلح، ولكن إيمانا أيضا بالمعنى الرمزي لتلك الكلمة، فقد كان ومازال امتلاك البندقية وكونها رمزا للحرية حقيقة متجذرة في العقيدة الأمريكية ، وعليه فقد سارع الكثيرون إلى حمل السلاح بكفالة من الدستور وضمانا للحصول على الحرية.
من الطبيعي أن ينقسم الشعب حول تلك الحقيقة الراسخة في الكيان الأمريكي، لنجد أن الأقلية منهم يؤيدون بشكل كلي مبدأ ارتباط الحرية بامتلاك السلاح، ولا يقتصر الأمر على العاملين في مجال صناعة السلاح فقط بل إن الرابط الأقوى نراه نابعا من العلاقة التاريخية بين السلاح والحرية في أمريكا ، ولعل أولئك الذين يرفضون الاعتراف بتلك الحقيقة من الأساس فهم بذلك يعمدون بذلك إلى إقصاء بعدا هاما من أبعاد التاريخ الأمريكي والذي دفع المشرعون على منح المواطنين حق امتلاك السلاح.
ولعلك إذا سألت أحد من المواطنين عن سبب امتلاكه لسلاح ما، فقد يأتي الرد كالآتي:” أنا أعيش في منطقة نائية، وإذا ما وقع لي أي مكروه فإن الشرطة قد تستغرق وقتا طويلا من أجل القدوم إلى هنا ، وبالتالي فإن وجود السلاح سوف يجعلني أدافع عن نفسي ومنزلي وأولادي.
ولكن تبقى التساؤلات الأكبر والأهم، لماذا انتشرت حوادث القتل الجماعي بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة تحديدا؟ ومن المسئول عن ذلك؟ ولماذا تعددت أسباب ودوافع القتل لدى المجرمين؟ وما الحل إذن للتخلص من كميات السلاح المهولة في أمريكا في الوقت الذي يؤكد فيه الكثيرون على أن حظر بيع الأسلحة ليس حلا شافيا لإنهاء الأزمة.

رابط المقال
اضغط هنا

I

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى