استعِدوا للحرب لأنها واقِعَةٌ لا مَحالَة | بقلم العميد د. عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تَتَسارَعُ الأحداثُ والمُستَجِدَّاتُ السِّياسيَّةُ والعسكريَّةُ على كافَّةِ المُستوياتِ الدَّوليَّةِ والاقليميَّة والوطنيَّة، وكُلُّ المؤشِّراتِ توحي بأن الأمور سائرةٌ إلى مزيدٍ من الاحتِقانِ والتَّأزُّم، كما أن مآلاتُها غير مَعروفَةٍ بل يَصعُبُ التَّكهُّنُ بها. وإن كانت حالَةُ التَّأزُّمِ والاحتِقانِ السِّياسِي على المُستَوى الدَّولي قد انفَجَرَت باندِلاعِ حَربِ أوكرانيا، يبدو أننا على المُستوى الإقليمي سنَكونُ في مَعرَضِ حَربٍ ما بين الكِيانِ الاسرائيلي كَعدو تاريخي للعَرَبِ من جِهَةٍ وما يُسمَّى بقِوى المُمانَعَةِ من جِهَةٍ أُخرى، ولكن ما هو أخطَرُ بالنِّسبة إلينا كلُبنانيين هو احتِمالُ اندِلاعِ الحرب ما بين لبنانَ وإسرائيل كتَنفيسَةٍ للاحتِقانِ الإقليمي، أما السَّببُ المُباشِرُ والظَّاهِرِي هو الخِلافُ على الثَّروةِ النَّفطيَّةِ البَحريَّةِ المُتنازَعِ عليها على الحُدودِ الفاصِلَةِ ما بين لبنانَ وفلسطين المُحتلَّة من جهةِ أخرى.
فوجئ لبنان مؤخراً بإعلانِ العدو الإسرائيلي عن استِقدامِهِ لباخِرَةِ الحَفرِ اليونانِيَّة، كما اهتَمَّ المُحلِّلونَ والصُّحُفيونَ في مُتابَعَةِ مَسارِها ومَسيرِها إلى أن وَصَلت إلى حَقلِ كاريش، ولم يُبدِ المَسؤولونَ اللبنانيون أي موقفٍ صَريحٍ ومُعلن، وامتنعوا عن اتِّخاذِ أيِّ مَوقِفٍ يُذكَرُ، والتزموا الصَّمتَ إلى أن وصَلَت الباخِرَةُ إلى حَقلِ كاريشَ المُتنازَعِ عليه. لقد أوحوا بصَمتِهِم وامتِناعِهِم عن تَقديمِ أي مُستَنَدٍ للمراجِعِ الدَّوليَّةِ لتَعزيزِ موقِعِ لبنان التَّفاوضي في كل ما يُسهِمُ في إثباتِ حُقوقهِ في هذا الحَقلِ ولو من قَبيلِ المُناوَرَةِ التَّفاوضيَّة، وبدوا وكأنَّهُم راضينَ أو مُستَسلَمين صَاغِرينَ مُنصاعينَ للمَشيئةِ الاسرائيلِيَّة، وما يدعونا لقَولِ ذلك قُبولُهُم منذ البدءِ بوَساطَةِ دولةٍ مَعروفَةٍ بانحيازِها للعَدو الإسرائيلي في كُلِّ مُنازَلاتِها، فَكيفَ إذا تبيَّنَ لنا لاحِقناً أن الشَّخصَ الذي كلَّفتهُ بهذِهِ المُهِمَّةِ أي “المُفاوِضُ” هو إسرائيلي الهَويَّةِ والهَوى ومُخابراتِيُّ المَنشَأ، ومن البَديهي أن يَضَعَ نَصبَ عَينيهِ تَحقيقَ مَصالِحِ الكِيانِ الذي نَشأ فيه وخَدَمَ في جَيشِهِ، وأن يَعمَلَ على فَرْضِ الإملاءاتِ الإسرائيليَّةِ على سُلطاتِنا المُتخاذِلَةِ عن القِيامِ بأدنى مَسؤوليَّاتِها منذ اليومِ الأولِ لبدءِ عَمَلِيَّةِ التَّفاوض، إذ كان يَنبغي أخذُ تلك الاعتِباراتِ بعَينِ الاعتِبارِ والتَّحضيرِ مُسبَقاً لعَمليَّةِ التَّفاوض.
لقد سادَ في لُبنان اعتِقادٌ أن ثَمَّةَ اتِّفاقٌ مُتَّفَقٌ عليه من تحت الطَّاوِلَةِ ما بينَ المَسؤولينَ اللُّبنانيينَ والرَّاعي الأميركي لعَمَلِيَّةِ التَّفاوضِ، يَقومُ على اعتِمادِ الخَط البَحري المُسمى بخَط 23 بدلاً من الخَط 29، وبدأنا نَشهَدُ سَيلاً من الاتِّهاماتِ لكِبَارِ المَسؤولين بالخِيانَةِ والتَّفريطِ بثَروَةِ لبنان البَحرِيَّةِ والتَّنازُلِ عن مَساحَةٍ كبيرَةٍ من البَحرِ ما بين مياهِ إقليميَّةٍ وجِرفٍ بَحري ومِنطَقَةٍ اقتِصادِيَّةٍ لِصالِحِ الكِيانِ الإسرائيلي، ولكن ماذا لو تَبيَّنَ أن مِثلَ هذا الاتِّفاقِ المَزعومِ غير موجود، وأنَّنا نَبني كلُبنانيين مواقِفَنا على أوهام وافتراءات؟ وماذا لو كُنَّا فِعلاً في مًعْرَضِ نِزاعٍ على الحُدودِ البَحرِيَّةِ مع العَدوِّ، والذي يَبدو أنه مُستَعجِلٌ على استِخراجِ الغازِ مُستَغِلَّاً أزمَةِ الطَّاقَةِ على المُستَوى العالَمي التي تَسبَّبَت بها الحَربُ الأوكرانِيَّة؟ وقد حَدَّدَ العدوُّ خياراتَهُ ودَعَّمَها بإبرامِ اتِّفاقاتٍ مع بعضِ الدُّولِ الأوروبيَّةِ المُتلهِّفةِ على استِجرارِ الغازِ من مَصادِرَ أُخرى بَديلَةٍ عن الغازِ الروسي؟ وماذا لو سَعَت روسيا إلى إفشالِ ايَّةِ مُحاولاتٍ لتَهميشِ دَورِها ومُحاولاتِ الاستِغناءِ عن غازِها بشَتَّى الأساليبِ المُباشِرَةِ وغيرِ المُباشرة وبشَتَّى الوسائلِ المُتاحَة؟ كُلُّ ذلك يوحي بأننا سنكونُ في مواجَهَةِ أزمَةٍ حَقيقِيَّةٍ تعامَلنا مَعَها باستِخفافٍ كالعادَةِ. أزمةُ ثلاثيَّةُ الأبعادِ: سياسيَّة ـ عَسكريَّة ـ اقتِصادِيَّة، قد تودي بنا إلى آتونِ حَربٍ بين لبنان وإسرائيلي لم نتَحَسَّبَ لها، وليس لدَينا الحَدُّ الأدنى من الصَّمودِ في حالِ نُشوبِها، وإن كُنَّا لَسنا نحن فَقَط المَعنِيينَ بها، إذ سَيكونُ لِكُلِّ طَرَفٍ مَعنيٍّ بها بصورَةٍ مُباشِرَةٍ أو غيرِ مُباشِرَةٍ أسبابُهُ وحِساباتُهُ الخَاصَّةِ بِه.
الإسرائيليونَ على خلاف اللبنانيين، هم يَستعدُّونَ مُسبقاً ويتَحسَّبونَ لكلِّ كبيرةٍ وصَغيرَة، بل يُخَطِّطونَ كي يكونوا سبَّاقِينَ على الأحداثِ سَواءَ كانت من صَنيعَتِهِم أم خارِجةً عن إرادَتِهِم، ولكِنَّهُم مُقتَنِصو فُرَصٍ بامتياز. ومن هذا المِنظارِ تراهُم يَعتمِدون مَنهَجَ التَّخطيطِ المُسبَقِ ويأخذونَ بعَين الاعتِبارِ مُختلِفِ الفَرَضِيَّاتِ ويُعِدُّونَ سيناريوهاتٍ جاهِزَةٍ مُسبَقاً للتَّعامُلِ مع المُستَجِدَّاتِ ويَضعونَ الخُطَطَ التَّنفيذيَّةِ ويُجرونَ التَدريباتِ عليها. وليس بخافٍ على أحدٍ كم هو عَددُ المُناوراتِ الحَربِيَّةِ التي أجرونها داخِلَ الكِيانِ الإسرائيلي أو خارِجَهُ بتَدريباتٍ عَسكرِيَّةٍ على حُروبٍ شامِلَةٍ وأُخرى جَبهَوِيَّةٍ موضِعِيَّة، منها فرضِيَّةُ الحَربِ على الجَبهتين اللبنانيَّةِ والسُّورِيَّة، وإن كانت إسرائيلُ لِغايَةِ الآن قد نَجَحت بشَنِّ حُروبٍ استِفرادِيَّة، بانقِضاضِها على أعدائها الواحِدِ تِلوَ الآخَر، من دونِ دَفعِهِم للقِتالِ سَويَّةٍ في أيَّةِ مُنازَلَة حاسِمَة، وهذا ما شَهِدناهُ في حُروبِها مع الدُّولِ العربيَّة، كما في حربها مع لبنان وغزَّة، وكذلك ضَرباتها في سوريا، تارةً باستِهدافِ القُواتِ الإيرانيَّة، وتارَةٌ أُخرى باستِهدافِ قُوَّاتِ النِّظامِ، وطَوراً بضَربِ تَجمُّعاتِ أو مواقِعِ حِزبِ الله في سوريا، وطَوراً آخَرَ بإعلانِها عن ضَربِ شُحُناتِ أسلِحَةٍ مُوَجَّهةٍ لِحزبِ اللهِ في لبنان، في الوَقتِ الذي يَقتَصِرُ التَّضامُنُ ما بين قِوى المُمانَعَةِ على التَّصريحاتِ والتَّوَعُّدِ بالرَّدِّ المُناسبِ في الزَّمانِ والمكانِ المُناسِبَين، وكُلُّ ذلك هُراءُ بهُراء.
كُلُّ المُؤشِّراتِ تُوحي اليَومَ بأنَّ الحَربَ ما بينَ لبنان والعدوِّ الاسرائيلي لواقِعَة، وبأقلِّ تَقديرِ إن احتِمالاتِ وقوعِها لمُرتَفِعَة، ويبدو أن لبنان الرَّسمي غَيرُ مُهتَمٍّ بها، أو غيرُ مُكتَرِسٍ لحُصولِها، والسَّبَبُ غير مَعروفٍ أهو تَسليمٌ بِقَدَرٍ مَحتومٍ أم استِناداً لتَهيُّؤاتِ ميشالِ حايك وليلى عبد اللَّطيفِ وغيرِهِما من المُنجِّمين الخُزَعبَلائيين الزَّائعي الصِّيتِ فَقَط في مُجتَمعاتِنا العَرَبِيَّة. هل أزاحَ المَسؤولونَ في الدَّولَةِ عِبءَ الدِّفاعِ عن الوَطَنِ عنهم ورَموهُ على كاهِلِ المُاوَمَةِ التي نصَّبت نفسَها حامِيَةً للُبنان؟ وهل المُقاوَمَةُ في مَعرَضِ صَراعِها مع العَدوِّ الإسرائيلي هي المَسؤولَةُ أيضاً عن تَوفيرِ الدَّعمِ اللوجستي وكُلِّ الإحتياجاتِ المَعيشيَّةِ للشَّعبِ اللبناني في مَعرَضِ الحَرب مع العدو؟ الاَّ يعي المسؤولونَ اللبنانيون أن العَدوَّ الإسرائيلي مُتابِعٌ لأدَقِّ التَّفاصيلِ عَمَّا حصَلَ ويَحصَلُ في لبنان؟ وأن الضَّائقَةَ المَعِيشِيَّةَ أضحَت شامِلَةً لمُعظَمِ الشَّعبِ اللبناني؟ وأن مَخزونَ لبنان الاحتياطي من المَحروقاتِ والموادِّ الغذائيَّةِ لا يَتعدَّى تلبيةَ الاحتياجاتِ لأيَّامٍ مَعدودات؟ وأن مِثلَ هذه الأٌمورِ تُعتَبَرُ من الأسرارِ القَومِيَّةِ التي يَنبغي عَدَمُ الإفصاحِ عنها ويمنعُ التَّداولُ بها صَباحاً ومَساء؟
إن من هم في موقِعِ المَسؤوليَّةِ لا يَتصرَّفونَ بالقدرِ الأدنى من المسؤوليَّة، وغيرُ مأهلينَ لتبوء مناصِبَهم، أليسَ من أقل واجباتِهم في ظٌلِّ كُلِّ المُعطياتِ الرَّاهِنَةِ الانكبابُ للإستِعدادِ للحَربِ على الأقَلِّ في شِقِّها اللُّوجِستي والمَعيشي والانساني؟ أليس من واجِبِهِم السَّعيُّ إلى تَعزيزِ الجَيشِ اللُّبناني بما يَلزَمُ من احتِياجاتِ الحَرب؟ أليس من واجِبِهم وضع الدُّولِ العَربِيَّةِ والمُجتمَع الدَّولي بصورةِ الاستِفزازاتِ الإسرائيلِيَّةِ سَواءَ تَمَثَّلت باستِقدامِ باخِرَةِ حَفرٍ وبعد أيامٍ استَقدَمَت باخِرَةً أُخرى مُتخَصِّصَةٍ في استِخراجِ الغازِ من قَعرِ البَحر؟ وكذلكَ الحالُ بالنِّسبةِ للغاراتِ الوَهمِيَّةِ التي تقومُ بها طائراتُ العَدوِّ فوقَ الأراضي اللبنانيَّة يوميَّاً صباحاً ومَساء؟ أليسَ كُلُّ تلك التَّصرُّفاتِ من قبيلِ التَّصرُّفاتِ الاستِفزازِيَّة لجرِّ لبنان إلى مَعرَكَةٍ غيرِ مهيَّءٍ لخَوضِ غِمارها؟
يبدو أن إسرائيل مُتعطِّشةٌ للحَربِ وهي مُتحضِّرةٌ لها، وهي تَضغَطُ على صُنَّاعِ القرارِ في الولاياتِ المُتَّحِدَةِ الأميركيَّةِ لتغطيتِها والإنخِراطِ بها، لأنَّها ترى نفسَهَا غَيرَ قادِرَةٍ على خَوضِ غمارِها مُنفرِدَة. إسرائيلُ تَستَعجِلُّ وتُلِحُّ على أميركا بضرورةِ ضَربَ المُفاعِلاتِ والمُختَبَراتِ ومَراكِزِ الأبحاثِ النَّوويَّةِ الإيرانيَّة، ويبدو أنَّها مُتابِعَةٌ لمُجرَياتِ العَمَلِ بها، والمَراحِلِ التي وَصلت إليها، وهي في الوَقتِ ذاتِهِ غيرَ مُرتاحَةٍ لما وَصلت إليه الصِّناعاتُ العَسكريَّةُ الإيرانِيَّةُ في حَقلي الصَّواريخِ الذَّكِيَّةِ والطَّائراتِ المُسَيَّرة، والتي تَخشى من مخاطِرِها عليها، من هنا عَمَدَت إلى زَرعِ شَبكاتٍ تَجَسُّسِيَّةٍ داخِلَ إيرانَ كما في مُختلِفِ دُوَلِ ومَحاوِرِ المُمانَعَة، ومن ثُمَّ لَجأت إلى تَنفيذِ أعمالٍ إرهابِيَّةٍ داخِلَ إيرانَ، بدءاً بالعَبَثِ ببرامِجِ المَعلوماتِيَّةِ التي تَتحكَّمُ في عددٍ من المُنشآتِ وقَرصَنَةِ ما فيها من مَعلوماتٍ حَسَّاسَة، مُروراً بتَفجيرٍ بَعضِ المُختَبَراتِ العَسكرِيَّةٍ المُتَخَصِّصَة النَّووِيَّةِ والبالِستِيَّة، وصولاً إلى اغتِيالِ كِبارِ المَسؤولينَ عن إدارتِها وتَشغيلها كما الخُبراءِ العامِلينَ فيها.
لقد عَمَدَت إسرائيلُ مؤخَّراً إلى تَسريعِ وَتيرَةِ اعتِداءاتِها خارِجَ إيرانَ كما في داخِلِها، ويَبدو أنَّها أضحَت واثِقَةً من تَفَوُّقِها العَسكريِّ ومن يدورُ في فلكِها وقِلَّةِ حِيلَةِ أعدائها على مواجَهَتِها، وما كانت لِتُقدِم على اغتِيالِ قاسِم سُلَيماني وأبو مَهدي المُهندِس، وتوجيهِ ضَرَباتٍ قاسِيَةٍ للمُعَسكراتِ الإيرانيَّةِ في سوريا، كما لِمُعظَمِ مَخازِنِ الأسلِحَةِ المُوجَّهَةِ لِحزبِ اللهِ، ومؤخراً قَصفُها التَّدميريُّ لمَطارِ دِمشقِ الدَّولي، لو لم تَكُن على يقينٍ من أن أعداءَها أضحوا غير قادِرينَ على الرَّدِّ بالمِثلِ، وربَّما أوهن من أن يًحافظوا على ما تبقى من ماءَ الوَجَه، وخَيرُ مُؤشِّرٍ على ذلك اكتِفاؤهُم بتصاريحِ التَّهديدِ والوَعيدِ برُدودٍ مُدمِّرَة.
هذا الصَّلفُ الاسرائيلي، يوحي بأن إسرائيلَ سائرَةٌ في خياراتِها العَسكرِيَّة، ورُبَّما ترى أن الظُّروفَ الدَّولِيَّةَ والإقليمِيَّةَ الحالِيَّةَ مُلائمَةً للتَّخلُّصِ من مَخاطِرِ أعدائها أو بالحدِّ الأدنى القَضاءُ على قُدراتِهِم القِتالِيَّة وتقليمِ أظافِرِهم، وإن كان هذفها الأوَّلُ ضَربَ مَفاعِلِ إيرانَ النَّووي، إنَّما قد تَسعى في الوَقتِ المُستقطعِ إلى ضَربِ أذرُعِ إيرانَ في كُلٍّ من لبنانَ وفلِسطين، لتَتَفرَّغَ بعدَ ذلك لعَملِيَّةِ تَصفِيَةِ حِسابِها مع إيرانَ بغَطاءٍ من الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ الأميركِيَّة. ولكن السُّؤالُ الذي يَطرَحُ نَفسَهُ هل ستَقتَصِرُ هذه الحَربُ على الجَبْهَةِ اللُّبنانِيَّة، وبالتالي سيُتاحُ لإسرائيل الاستِفرادَ بالمُقاوَمَة في لبنان، أو أنَّهُ ولأوَّلِّ مَرَّةٍ قد نَشهَدُ فَتحَ جَبَهاتٍ أُخرى في سوريا وغزَّة كما يلمِّحُ الإيرانيونَ ومن ينطقُ باسمِهِم؟ أم أن الحَربَ في لبنان ستكونُ بمَثابَةِ بالونِ اختبار كي يَختَبِرُ كُلٌّ من العَدوين الأصيلينِ: إسرائيلُ وإيرانُ عناصِرَ قِوَّةِ الطَّرَفِ الآخَرِ، وكَشفِ مواضِعَ ضَعفِهِ تَمهيداً للمُنازَلَةِ الكُبرى والتي ستكون شرارتُها الأولى بضربِ مفاعِلِ إيرانِ النَّووي؟ أم أن الإيرانيونَ يَلجؤونَ إلى تَنفيسِ الاحتِقانِ الإقليمي والدَّوليِّ بمُناوَشاتٍ مَحدودَةٍ على الجَبهَةِ اللُّبنانيَّةِ كمُحاوَلَةٍ لإبعادِ الحربِ عن أرضِهم، واستِطراداً هذه المَرَّةِ للنَّفاذِ بمَشروعِهِم النَّووي، وإرضاءً لروسيا بإفشالِ عَملِيَّةِ تَزويدٍ أوروبا بالغازِ الإسرائيلي عِوَضَاً عن الغازِ الرُّوسي؟ كُلُّ ذلك ستَكشِفُهُ الأسابيعُ والأشهُرُ المُقبِلَة.