الإنتخابات النيابية والخيارات الإستراتيجية ؟؟ | كتب د. ناجي صفا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
اخذت الإنتخابات النيابية الى الخيارات الإستراتيجية بما لم يشهده لبنان من قبل.
لا شك ان الطبقة السياسية الحاكمة استطاعت بذكائها المعهود من حرف الإنتخابات عن اهدافها الوطنية الداخلية بعدم طرح برامج انقاذية، للهروب من مسؤولية ما انتجته من مآس اجتماعية واقتصادية ومعيشية ومالية، دفع المواطن اثمانها ولا يزال، ولا يبدو ان شيئا سيتغير استنادا الى نتائج الإنتخابات التي ستجري بعد أيام.
لا شك ان ثمة اختلالات بنيوية منذ الأصل في تكوين هذا النظام، منذ تأسيسه كانت الاشكاليات العميقة التي يعود تاريخها الى لحظة تأسيس هذا الكيان منذ سايكس بيكو والجنرال غورو ولغاية الآن، عندما تم تشكيل الوطن على اسس طائفية ومذهبية اعطيت السلطة بموجبها الى عائلات روحية يطمئن اليها الغرب في تأمين مصالحه.
هذه العائلات التي تسلمت الحكم منذ ذلك التاريخ تملك الثروة ورأس المال بشكل مباشر واحيانا غير مباشر وبالواسطة، ما زالت تتوارث السلطة هي وابناءها واحفادها وتمارس السياسات التي تعبر عن ارتباطها بالغرب، وتامين مصالحه السياسية والإقتصادية، وفي ذات الوقت يوفر الغرب مضلة لمصالح هذه الشبكة.
لم تغير الاحداث ولا سيما الحرب الأهلية اللبنانية عام ٧٥ ولفاية عام ٩٠ وما نتج عنها من تسويات، لم تغير الكثير في بنية النظام وانما لامست القشرة وابقت على اللب وابقت على الإختلالات البنيوية التي اوصلتنا الى ما وصلنا اليه.
مجيء رفيق الحريري الى الحكم فاقم هذا الوضع، فقد وجد افواه جائعة، لا سيما تلك التي خلعت ثياب الميليشيات ودخلت السلطة، شكل ذلك ثمنا رخيصا للحريري في اشباع تلك الافواه، لتمرير مشروعه المتصل بالسلام مع العدو الصهيوني، والمجاز اقليميا ودوليا، فالسعر بالنسبة له كان رخيصا في مواجهة الدفق المالي الخليجي، ساهم جوع عبد الحليم خدام وغازي كنعان ورستم غزالة للمال في تذليل العقبات امامه وهم الممسكون بالقرار السياسي ومفاصل الدولة.
تم تدمير الدولة اقتصادا وصناعة وزراعة وتكريس الإقتصاد الريعي والإستدانة ورهن لبنان للخارج، وجرى تعميم الفساد ليصبح القاعدة، والشفافية هي الإستثناء.
قضي على مدخرات الناس كما قضي على لقمة عيشهم، وعلى ضماناتهم وحقوقهم الإجتماعية في الطبابة والتعليم وفرص العمل، والطبقة السياسية تهرب من هذا الواقع نحو الخيارات الإستراتيجية فلم يجدوا غير حزب الله لتحميله المسؤولية عن الإنهيار الذي تسببوا به.
جاء حزب الله من خارج الصندوقة ليعبث بالإلتزامات، وخربطة المعادلات، لا سيما عندما حرر الارض، وامتلك القوة الردعية التي تخربط المعادلات الإقليمية وتفشل المشاريع في المنطقة، وهذا ما يغضب الاميركي والإسرائيلي الذي يلجأ الى الإحتياط الإستراتيجي الذي رعاه منذ عقود.
اسرف اصحاب الإرتباطات الخارجية ( غالبية الطبقة السياسية ) في فسادهم من جهة، وفي تعميق ارتباطاتهم بالخارج من جهة اخرى، لتناقض المستجدات الطارئة التي احدثها حزب الله مع مصالحهم.
افلسوا البلد واغرقوه بالديون، دمروا البنية المجتمعية ومستقبل الاجيال القادمة، وبات الحل بنظرهم الهروب من الواقع الى الخيارات الإستراتيجية التي تحدث فرزا عاموديا عميقا طائفيا ومذهبيا.
الإنتخابات النيابية الآن باتت حربا عبثية بين الداخل والخارج، لم تعد انتخابات بل خيارات على رأسها السلاح، الأمر الذي دفع حزب الله للآستنفار دفاعا عن سلاحه.
تحولت الإنتخابات الى صراع مرير حول من مع السلاح ومن ضده على حساب مشاريع الإصلاح والإنقاذ المغيبين.
وضع المواطن امام احد خيارين اما التصويت ضد المقاومة والسلاح، واما لطبقة سياسية مرتبطة بمشاريع اجنبية دون الإلتفات الى معاناة المواطن الحقيقية، ما يعني تفريغ الإنتخابات من مضمونها الحقيقي المفترض ان يتوجه به المرشح للمواطن.
سيكون الأحد يوما تاريخيا سيكرس الفرز العامودي القائم بما يقطع الطريق امام اي تغيير او انقاذ بصرف النظر عن النتائج.