ازمة لبنانالاحدث

الاتفاق مع الصندوق لا يمنع التوجه شرقًا… | بقلم أحمد بهجة

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

لم يأتِ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي من خارج السياق المتوقّع، لأنّ التفاوض قائم وعلني بين الحكومة اللبنانية الحالية وبين وفود من إدارة الصندوق زارت لبنان تباعًا في الأشهر الستة الماضية. لكن توقيت الإعلان عن هذا الاتفاق لم يكن في حسبان الكثيرين، حيث لم تكن التوقعات تشير إلى أنّ المفاوضات وصلت إلى هذه المرحلة المتقدّمة، بل كان الاعتقاد السائد بأنّ الاتفاق مؤجّل إلى ما بعد الانتخابات النيابية.

هذا في الشكل، أما المهمّ الآن فهو مضمون الاتفاق من حيث الشروط ومواعيد التنفيذ وغير ذلك من التفاصيل التي من شأنها أن تحدّد مصير الاتفاق وقدرته على تحقيق ما يحتاجه اللبنانيون في المرحلة المقبلة، وهو كثير وكثير جدًا…

ربما من المبكّر الحكم على الاتفاق سلبًا أو إيجابًا، ولكن يُقال في مناسبات كهذه إنّ العبرة في التنفيذ، وفي حالة لبنان لا بدّ من قول أكثر من ذلك، حيث أنّ الاتفاق هو على خطة مساعدة يحصل لبنان بموجبها على ثلاثة مليارات دولار فقط في 46 شهرًا، وذلك في “إطار دعم خطة السلطات الإصلاحية لإعادة النمو والاستقرار المالي”، كما قال راميريز ريغو الذي ترأس وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان، والذي أضاف قائلًا “إنّ الموافقة رهن بتنفيذ جميع الإجراءات المسبقة وتأكيد الدعم المالي للشركاء الدوليين”.

ويعرف كلّ اللبنانيين أنّ مبلغ ثلاثة مليارات دولار يمثل نقطة في بحر حاجات لبنان، وهذا ما يعرفه طبعًا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي قال من قصر بعبدا “إنّ الاتفاق تأشيرة للدول المانحة أن تبدأ بالتعاون مع لبنان، وإعادة لبنان إلى الخارطة الطبيعية المالية العالمية”.

إذن… بات اللبنانيون أمام انتظارَين، الأول هو انتظار تنفيذ الاتفاق بحدّ ذاته، والثاني هو انتظار انعكاس مفاعيل هذا التنفيذ على الدول المانحة حتى “تبدأ بالتعاون مع لبنان لإعادته إلى الخارطة الطبيعية المالية العالمية”.

هذا جيد ولا بأس من الانتظار لرؤية النتائج، لكن بالتأكيد يستطيع اللبنانيون خلال فترة الانتظار هذه، أن ينجزوا أشياء مهمة جدًا لمساعدة أنفسهم في أكثر من مجال في حياتهم اليومية المأزومة على أكثر من صعيد.

وطالما أنّ أحد أبرز أهداف الاتفاق هو “إعطاء تأشيرة للدول المانحة لكي تبدأ بالتعاون مع لبنان”، فإنّ الصين وروسيا وإيران هي أيضًا دول مانحة للبنان، وقدّمت لحكومته عروضًا سخية جدًا تصل قيمتها إلى نحو أربعين مليار دولار.

وتشمل هذه العروض مجالات حيوية جدًا وتعالج معظم ما يعانيه اللبنانيون من مشكلات وأزمات في حياتهم اليومية، إذ تتعلق هذه العروض بتأمين القمح والكهرباء والمحروقات ومصافي النفط والسكك الحديد والأنفاق ومعالجة النفايات وغير ذلك من مشاريع حيوية لا يحتاج إنجازها لأكثر من ثلاث سنوات على أنّ بعضها يمكن إنجازه أو بدء تشغيله في مراحل أولى خلال ستة أشهر كمصفاة النفط التي يعرض الروس بناءها والتي من الممكن أن تبدأ بالإنتاج خلال ستة أشهر، أو معامل الكهرباء التي عرضت إيران إنجازها بين ستة أشهر وسنة على الأكثر.

ومن البديهي القول إنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا يمنع التوجه شرقًا، أم أنّ هذا الأمر بحاجة إلى تدقيق أيضًا على اعتبار أنّ ما يمكن أن نراه نحن بديهيًا قد لا يراه الآخرون كذلك… وهذا ربما يدخل اللبنانيين في انتظار ثالث لا يريدونه ولا يمكن احتماله على الإطلاق…

أحمد بهجة، خبير اقتصادي ومالي

أحمد بهجة، استاذ جامعي وخبير محاسبة محلف، عضو نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، كاتب وباحث اقتصادي ومستشار مالي للعديد من الشركات. حائز على بكالوريوس محاسبة ودبلوم دراسات عليا بالضرائب وقطاع الاعمال من كلية التجارة في جامعة بيروت العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى