ازمة لبنانالاحدث

الجامعة اللبنانية وضرورة إنصافها قبل فوات الأوان | بقلم د. رنا منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

تتعرّض الجامعة اللبنانية بشكل مباشر أو غير مباشر لتدمير مُمنهج وبطريقة النفس الطويل لصالح القضاء على التعليم العاليّ وخصوصًا لأبناء الطبقة الوسطى وما دون أو بالأحرى لعدم السماح لأبناء الطبقة الفقيرة من نَيْل الإجازة أو الماجيستر أو الدكتوراه.

لذلك يُلاحظ أنّ المؤامرة على لبنان تشمل تفكيكه وتقسيمه وتدمير شعبه ثقافيًّا، فالجامعة اللبنانية التي شُيّدت على ظهر عشرات الشهداء من الطلاب منذ تأسيسها حتى اليوم أصبحت تُشكّل ضررًا على فئة كبيرة من الإقطاع السياسيّ والإستعمار الحديث الذين قرّروا تدمير لبنان ثقافيًا بعد تدميره إقتصاديًّا وسياسيًّا عبر القضاء على الجامعة اللبنانية ضمن مُخطّط تقسيم الوطن إلى كانتونات تحكمها طوائف ومذاهب متقاتلة، وذلك لفرض ثقافة الجهل لأنّ تدمير الشعب لا يكون بالقضاء عليه إقتصاديًّا وماليًّا فقط لا بل ثقافيًّا أيضًا. وهنا تبدو بوضوح المؤامرة على الجامعة اللبنانية للقضاء عليها تحت شعارات مدروسة من قِبل جهات خارجيّة مرفوضة من أكثريّة طلابها. ومن أجل إنقاذ جامعة الوطن ينبغي على القوى الحيّة وكافة العاملين في الشأنَيْن العام والوطنيّ وخصوصًا المرشحين في الإنتخابات النيابيّة، التي ستجري (إذا حصلت) في الخامس عشر من شهر أيار المقبل، أن تُحاول دائمًا في خطاباتها التشديد على مسألة أنّ إنصاف الجامعة اللبنانية هو أمر ضروريّ وأخلاقيّ وموضوعيّ في آنٍ معًا.

في تربيتي اللبنانيّة وتجربتي لدعم الجامعة الوطنية كوني كنت طالبة فيها وتخرّجت منها لاحظت أنّ هناك العديد من الإنتهازيّين وتجّار السياسة الذين يريدون تدمير الجامعة أو تحجيمها. لذلك أُطالب مرشحي الإنتخابات النيابيّة بكافة اللوائح أن يضعوا أمام نصب أعينهم وفي مشاريعهم وذلك ليس حبرًا على الورق وإنما في التطبيق والممارسة، مسألة ضرورة تحسين وضع الجامعة اللبنانية ودعمها بالكامل، وإلّا طلابها الذين تخرّجوا منها سيضعون النقاط على الحروف في أقرب وقت وسيُسمّون مباشرة من يريد تدميرها وسيقفون إلى جانب كل من يريد النهوض بها. فالجامعة الوطنيّة أي الجامعة اللبنانية تتعرّض للتهميش ولتجاذبات سياسيّة تأتيها من بعض من هم في السلطة ومن بعض من هم خارجها لارتباطات متعلّقة بالإستعمار الحديث، ممّا ضاعف من تراكم أزماتها على المستوى الإداريّ والأكاديميّ والماليّ.

من هنا فإنّ الإنصاف والموضوعيّة في تقويم تجربة الجامعة اللبنانية منذ تأسيسها حتى الحاضر يقوم وفق الأسس التالية:

1- الإضاءة على كل الثغرات الموجودة داخل هذه الجامعة بدءًا من طلابها وأساتذتها ومدربيها وإداريّيها وكل هيكليّتها للتخلّص من الطائفيّة والمذهبيّة وهيمنة بعض السياسيّين عليها، والإضاءة على كل ما هو مظلم فيها للتخلّص من الزبائنيّة داخل الجامعة وخصوصًا على الصعيد الأكاديميّ، حتى نرى أنّ الأستاذ الصالح هو من يقيّمه طلابه بعد الهيئة الأكاديميّة المحترمة والموثوقة.

2- التدقيق والمراجعة في ملف الشهادات التي يحملها البعض. فمن يحمل شهادة مُعترف بها ويستطيع تقديم أفضل ما لديه من معلومات لطلابه للإستنارة الأكاديميّة هو من سيُرفّع إلى أعلى الدرجات والمراكز، ومن هو دون المستوى الأكاديميّ المطلوب ودخل إلى الجامعة بطريقة غير مباشرة يجب إحالته على التقاعد وبذلك يكون الإنتهاء من الزبائنيّة دون المس بباب رزق أي كان فيها. المراجعة اليوم هي الخطوة الأولى في سبيل استنهاض قوى الأمّة الحيّة من كل التيارات والأحزاب لكي تقوم بواجبها على الصعيدَيْن السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والأكاديميّ لأنّ لبنان اليوم أصبح شبه منهار بكافة مؤسّساته.

3- تشكيل هيئة رقابية من قبل الدولة على الجامعة اللبنانية.
كل هذه الأسس يجب على مرشحي الإنتخابات النيابيّة وضعها من ضمن برنامجهم الإنتخابيّ.

من هذا المنطلق أدعو إلى دعم الجامعة اللبنانية بشكل كامل وبعيدًا عن الطائفيّة والمذهبيّة وإعطاء كل ذي حق حقه، وإلّا ستتراكم الأمور وستنهار هذه الجامعة وسيكون الطلاب، الذين هم أبناء الفقراء والطبقة الوسطى، من سيدفع الثمن من أجل فئة من المنتفعين والمستفيدين الذين لن يقدّموا شيئًا حتى الآن سوى الولاء لهذا الزعيم أو ذاك.

وفي الوقت الذي يتعرض فيه قطاع التعليم العالي في الوطن العزيز لبنان لأبشع ظاهرة تسبّبت بها فئة من السياسيّين لإنشاء بعض الجامعات الخاصة وإعطائهم التراخيص دون التدقيق في المستوى الأكاديميّ لها وبشكل عشوائي وتحاصصيّ، نرى التدمير الكبير والمتفاقم للجامعة اللبنانيّة. أنا لا أريد إقفال أي جامعة، بالعكس تمامًا أنا أريد المزيد من الجامعات لكي يتعلّم جميع أبناء الوطن، لكن ذلك بعد التدقيق السليم في الهيئة التعليميّة والإداريّة لهذه الجامعات للحصول على مستوى خريجين يُضاهي المستوى العالميّ. لا أريد رمي الإتهامات جزافًا هنا أوهناك تحت شعار الطائفيّة والمذهبيّة، لا بل أريد التعليم الرسميّ والخاص لكل أبناء الوطن ولكن بشكل مدروس ومتّقن بفضل أساتذة على مستوى كلمة أستاذ جامعي وإداريّين على مستوى كلمة إدارة جامعة.

أجيال متتاليّة كثيرة ناضلت من أجل تأسيس الجامعة اللبنانية وتطويرها، بعد أن رأى فيها الكثيرون معيار لوطنيّة المسؤولين ولحرصهم على مستقبل لبنان. لذلك يتوجّب على كل لبنانيّ الدفاع المستمّر عن بقاء الجامعة واحترام حقوق طلابها وأساتذتها ومدرّبيها وإداريّيها وإدانة أي عنف ماديّ أو قمعيّ بحق أي طالب أو أستاذ أو مدرّب أو إداريّ فيها لأنّ معيار الوطنيّة لأي لبنانيّ وحرصه على مستقبل وطنه يكون عبر دعمه ودفاعه عن جامعة الوطن.

فإذا أساء بعض أرباب السلطة لماضي اللبنانيّين بالفساد ولحاضرهم بتغذية العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة المريضة، لا يجوز قتل مستقبل أبناء الوطن في التعليم العاليّ لأنّ التعليم هو مستقبل شباب الوطن. من هنا ليكن على رأس هؤلاء المرشحين من جميع الطوائف والمذاهب الذين أحترمهم بأكملهم وأتمنى التوفيق لمن يريده الشعب منهم أن يكون من أولى أولوياته دعم الجامعة اللبنانية، وهذا معيار لوحدة لبنان وعروبته وتقدّمه وثقافة أبنائه. فالشعب المثقّف هو الشعب الذي يبني وطن ولا يُدمّره.

د. رنا هاني منصور

د. رنا هاني منصور دكتوراه في العلوم الاقتصادية- بنوك وتمويل أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال- الفرع الأول أمينة سر جمعية الخبراء الماليين عضو في اللجنة العلمية للجمعية اللبنانية لتقدم العلوم عضو في اللجنة الإستشارية لمجلة جويدي للإبتكار والتنمية والإستثمار لها أكثر من 150 مقال في العديد من المواضيع المالية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى