إقتصادازمة لبنانالاحدث

الشراكة مع الصين حاجة لبنانية | بقلم د. محمود حمصي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

في ظل هشاشة الوضع السياسي اللبناني وغياب المساعي الدولية للحل على وقع تفاقم الازمات المعيشية تحت وطاءة الخلاف الاقليمي والدولي المعقد الذي يؤثر بطيفه على طبيعة الوضع اللبناني، ينتظر اللبنانيون نتائج الانتخابات النيابية وغيرها من الاستحقاقات لعلها تكون بداية التغيير السياسي اللبناني بعد فشل دام ربع قرن ونيف، ليكون هذا التغيير مفتاحا لبناء دولة قوية ذات سيادة وقادرة على رفض الاملاءات الخارجية والقيام بالتحالفات والشراكات الدولية المناسبة في ظل استمرار الصراعات الدولية وتقاسم النفوذ وسيطرة القوى الدولية على قرارات الدول ومصير شعوبها.

ان الشراكة الاستراتيجية مع الصين قد تشكل عنوانا مستقبليا للاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان، وقد سعت الصين للقيام بالعديد من المبادرات الانقاذية لم تستفد منها الدولة اللبنانية انصياعا للتهديدات الغربية التي بدأت الحشد وبناء الخطط الاستراتيجية وتشكيل التحالفات للتصدي للصعود والتقدم الصيني الامر الذي وضع لبنان والعديد من الدول بين الاختيار بين البقاء تحت الهيمنة الغربية او التحرر منها وتعزيز العلاقات والتعاون وصولا الى تحالف استراتيجي مع جمهورية الصين الشعبية.

فرصة التغيير السياسي تقترب في لبنان، فهل يستفيد منها؟

الوقت ينفذ امام اللبنانيين وفرصة التغيير لا تعوض، فالتعويل على هذه الطبقة السياسية هو تكرار لفشل عمره ثلاثون عاما. انتهت حرب لبنان الاهلية ولم تنتهي معاناة اللبنانيين الصحية والامنية والاقتصادية، لم تنجح هذه الطبقة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي بل على العكس ساهمت من خلال التسويات والصفقات في زيادة معاناة اللبنانيين من اجل مصالح شخصية او دولية، بالإضافة الى عدم قدرة هذه المنظومة باتخاذ القرارات الجريئة المتعلقة برفض الاملاءات الخارجية والقيام بالتحالفات والشراكات الدولية المناسبة.

ان قرار المشاركة السياسية في لبنان قد يبني مستقبل لابناء هذا الوطن الذين فقدوا الامل في مستقبل سعوا الى الوصول اليه سوءا من خلال الدراسة او العمل. لقد عملت هذه المنظومة على اقتصاد غير منتج، ولم تتطلع الى تطوير القدرات الذاتية للموارد البشرية اللبنانية، لم تنظر الى حل مشكلات اللبنانيين الاجتماعية، لم تستفد من عروضات الدول الاستثمارية منعا لاستفزاز دول اخرى، لم تحصد هذه الطبقة سوى ما وصل اليه حال اللبنانيين. ان التغيير السياسي في لبنان قد يساعد في وصول نخبة من السياسيين القادرين على تحقيق اهداف الشعب اللبناني الذي لا يقل كفاءة ولا امكانية عن غيره من شعوب المنطقة .

ان انتاجية الشعب اللبناني اثبتت نجاحها في العديد من الدول، كما ان التصنيفات العالمية وصفت الشعب اللبناني باكثر قدرة على التكيف وفق المتغيرات ولديه امكانيه عالية في بناء العلاقات اضافة الى ديناميكية عالية في التطوير والادارة والانضباط. يستحق الشعب اللبناني دولة قوية تحفظ مصالحه وتؤمن حاجاته الاساسية وتبني معه الثقة الذي قد يزيد من ولاء اللبنانيين اتجاه الدولة ومؤسساتها.

الصعود الصيني يهدد للهيمنة الغربية

عبرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها باقي دول حلف الأطلسي عن القلق المتزايد من التقدم الصيني الاقتصادي والتكنولوجي اضافة الى التقدم العسكري والدبلوماسية الصينية الواثقة في العديد من الدول. لقد مثلت جمهورية الصين الشعبية وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجيه والدولية الاميركي طيفا كاملا من التحديات بالنسبة لدول حلف الاطلسي، هذه التحديات تعدت العسكرية منها وشملت الاستثمارات الصينية في منشات الموانئ وشبكات الاتصالات والبنى التحتية الاوروبية. من ناحية اخرى، اعتبر الامين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتتنبرغ مؤخراً ان الصين تمثل تهديداً حقيقياً لدول حلف الأطلسي واكد ضرورة وضع سياسة مشتركة بين دول الحلف لمواجهة التهديد الصيني المتمثل بإمتلاك الصين ثاني اكبر ميزانية دفاعية في العالم واكبر بحرية.

اضافة الى ما سلف، لقد اقر حلف شمال الأطلسي وثيقة بعنوان “صعود الصين وتداعياته” التي تجسد الخطر الحقيقي من الصعود الصيني الذي يمثل تحولا مفاهيميا في الشؤون الدولية ويمكن مقارنته في الضخامة بانهيار الاتحاد السوفيتي بالنسبة للوثيقة نفسها، كما اضافت الوثيقة ايضا بضرورة تعديل مفاهيم الحلف الاستراتيجية والاستعداد لمواجهة المخاطر الصينية المتزايدة.

الشراكة مع الصين هي حاجة لبنانية

لطالما عودتنا جمهورية الصين الشعبية على احترام سيادة الدول. لم تتدخل يوما في تقرير مصير شعب ولم تقف الى جانب محتل ولم تكن يوما سوى مع القانون الدولي، لقد عملت دائما من اجل حرية الشعوب، ولم تشارك في عملية تقسيم او احتلال دول بل كانت تساهم في وضع حد للنزاعات الدولية. ان الشراكة مع الصين هي حاجة لبنانية وتعزيز التعاون معها هو الحل المتبقي بسبب ربط مساعدات لبنان بمطالب سياسية قد يعجز لبنان عن تنفيذها نظرا للوضع اللبناني المعقد والمرتبط بقضايا اقليمية. لقد اقرت الصين مبادرة الحزام والطريق التي تربط جمهورية الصين الشعبية بدول العالم وفيها مصلحة اقتصادية للدولة اللبنانية وقد عملت الصين لبناء شراكة مع العديد من دول المنطقة اثبتت نجاحها على الصعيد الاقتصادي. ان الشراكة مع الصين قد تجعل من لبنان قوة اقتصادية حقيقية وقد تلجم تدخلات القوى الدولية في الشؤون اللبنانية الداخلية، اضافة الى تعزيز الدور السياسي الذي سوف يلعبه لبنان في المنطقة خاصة مع وجود تحالف ثابت مع عضو دائم في مجلس الامن. في هذا السياق، قد تساهم الشراكة مع الصين في تطور القوى العسكرية اللبنانية نتيجة لتبادل المعلومات ذات الشان والمساعدات العسكرية الصينية التي قد تؤثر ايجابا في تطور المهارات العسكرية اللبنانية. من ناحية اخرى، ان زيادة الاستثمارات الصينية في لبنان سوف يزيد من فرص العمل وقد يحسن الأوضاع المعيشية والخدماتية خاصة مع نية الشركات الصينية لتطوير البنى والموانئ وحل مشكلة الكهرباء بشكل نهائي.

استنادا الى ما سلف، ان على اي حكومة لبنانية مستقبلية تحكيم العقل والضمير والمنطق وعدم الانصياع للضغوطات الخارجية التي جعلت من لبنان دولة مترنحة مع اي ازمة اقليمية، والعمل على بناء شراكة استراتيجية مع الصين مع المحافظة على العلاقات مع باقي القوى الدولية طالما لا تتدخل في شؤون لبنان الداخلية.

محمود أحمد الحمصي

الدكتور محمود الحمصي، باحث ومحلل سياسي، مولود في بيروت حاصل على دكتوراه الفلسفه في الادارة العامة ومحاضر في جامعة بيروت العربية، شارك في العديد من المقالات العلمية والبحثية المتعلقة بالشؤون الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى