عرف العرب بشكل خاص وحُكام وشعوب منطقة الشرق الأوسط بشكل عام أنّ بيروت هي بيروت الحريّات ومنبر الشرائع والنضال وعلى رأسه النضال من أجل قضيّة فلسطين وتحرير الشعوب من الظلم والإستعباد.
عُرفت بيروت بمُنتدياتها للمطالبة بحقوق الإنسان واستقلال الشعوب المظلومة والمُستعبدة في كلّ أنحاء الأرض. وكانت مرجعًا لكل مُعارض ومظلوم ملتزم بالقانون يريد التعبير سلميًّا عن حقوقه الإنسانيّة ويرفض الإستعمار لأنّها كانت منبرًا له للتعبير، كونها المدينة العريقة العربيّة الوطنيّة التي تتمتّع بمساحة واسعة من الحريّات غير الموجودة في أكثريّة مناطق الشرق الأوسط والبلدان العربيّة.
وقد قيل من بعض الكُتّاب والمفكرين والمؤمنين بحريّة الإنسان وحقوقه ونضاله ورفضه للإستعمار: “من يقتل بيروت كمن يقتل العروبة، ومن يقتل بيروت كمن يقتل منطقه الشرق الأوسط”. لكن بيروت، عاصمة العروبيّين والوطنيّين إسلاميّين ومسيحيّين من كلّ الطوائف والمذاهب وبسبب بعض حُكّامها وزبانيّتهم ممن نهبوا الشعب نتيجة الإلتزامات المُبهمة والسرقة المدروسة تحت شعار السياسة والنضال، أصبحت دولة عالقة بين الموت والحياة ومهدّدة بالمجاعة وبفقدان التغذية الصحيّة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل مُخيف قد يتخطى 30000 ليرة لبنانيّة أواخر هذا الأسبوع.
فلا ماء ولا كهرباء ولا مازوت ولا بنزين للفقراء لأنّهم أصبحوا فقط للأغنياء. الشباب في البلد هاجروا والباقون يفتّشون عن تأشيرة خروج لعلّهم يستطيعون العيش والعمل خارج وطنهم، ولم يبقى في هذا الوطن سوى الكهول وغير القادرين على تأمين الفيزا أو تأشيرة السفر. لذلك راحوا يرمون أنفسهم بطرق غير شرعيّة عبر البحر كشباب وعائلات الشمال في لبنان خصوصًا في طرابلس وعكار، والبعض منهم يواجه الموت مع أطفاله والباقي على الله.
البلد على كف عفريت كما يُقال في العاميّة، وخصوصًا إذا تعثّرت مفاوضات فيّينا وضربت الأعاصير المنطقة. هل من أحد يتصوّر ماذا سيحدث في لبنان لا قدّر الله؟
إنّ بعض السياسيّين اللبنانيّين الذين سرقوا البلد يملكون هويّة ثانية غير هويّة الوطن، وكلّ البلاد أوطانهم لأنّهم يملكون الثروات عن طريق سطو ونهب المال، والوطن عندهم بمثابة فندق. فالمال في جيوبهم وفي المصارف الأجنبيّة والبيوت الفاخرة ملكهم ولا يهمّهم سوى عائلاتهم والبعض من الزبائنيّة لخدمتهم.
هل يتصوّر الشعب اللبنانيّ أنّ أزمة أكبر قد تقع عليه حيث قد يصل إلى وضع يكون فيه لا إنتخابات نيابيّة ولا إنتخابات رئاسيّة ولا رئيس جمهوريّة؟ وماذا سيحل برئيس وزراء لبنان دون اجتماع مجلس الوزراء؟ بالتأكيد، ستعمّ الفوضى وستتدخّل الدول تحت شعار إنقاذ لبنان. لكن في الواقع سيعيش الشعب اللبنانيّ تحت انتدابها وسيطرتها وسيُسيطرون على موارد الغاز والنفط التي وُجدت في البحر اللبنانيّ تحت شعار تسديد الدين العام، ولا أحد يدري أي بؤس سيلحق بهذا الشعب.
بيروت الحريّة ممنوع عليها أن تتكلّم، والشعب اللبنانيّ سيموت جوعًا أكثر من الآن.
بيروت التي قاتلت العدو الإسرائيليّ، بيروت التي دعمت الثورة الناصريّة، بيروت التي دعمت السودان وكل الأقطار العربيّة وبيروت التي اصطاف بها كلّ أمراء وحكام الخليج وزعماء العرب ممنوع عليها حتى التعبير.
بيروت التي قاتلت والتزمت بمقاطعة إسرائيل، للأسف يدّعي البعض ويُحرم التعامل معها. لماذا؟ لأنّ الشعب اللبنانيّ شعب يعشق الحريّة والتعبير ويؤيّد الحق ويقف ضد الظلم. للأسف ماذا يبقى بعد أكثر من تجويعه؟
على المسؤولين اللبنانيّين أن يتذكروا بنود اتّفاق 17 آيار وما تضمّن على الصعيد الإعلاميّ. على هؤلاء المسؤولين أن يعرفوا تاريخ بيروت ونضالها وإذا أرادوا معاقبتها، عليهم معاقبة من سرق ونهب وهرّب ماله الحرام إلى الخارج بدل من معاقبة الشعب الفقير الكادح الذي أصبح لا حول ولا قوة له. وهنا أقول لهؤلاء: لم تعد تنفع سياسة فرّق تسد، ولم تعد تنفع سياسة الصراع المذهبيّ والطائفيّ.
وأخيرًا، وفّق الله الشعب اللبنانيّ وستبقى بيروت عاصمة الحريّة، شاء من شاء وأبى من أبى.