حاويات تتعرض للتلف والسرقة… ما الذي يجري في مرفأ بيروت؟ | كتب أدهم جابر
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
غيّر انفجار 4 آب/أغسطس 2020 حال مرفأ بيروت. تدمرت معدات وأجهزة. خسر المرفأ الكثير من إمكاناته التقنية، حدث صعّب مهمة الأجهزة الرسمية والأمنية العاملة فيه، إلا أنها استمرت في أداء مهامها بما تيسر لتأمين المرفأ من ناحية، ولتسهيل حركة البضائع الواردة والصادرة، من ناحية أخرى. لكن في ظل هذه الظروف ثمة تجاوزات قديمة متجددة لا تزال تجري في المرفأ لجهة “تخليص” السلع الواردة، لا تتعلق بالانفجار وإنما بالطريقة التي تدار فيها عملية دخول وخروج البضائع من مرفأ بيروت وإليه.
يروي أحد أصحاب شركات الشحن جانباً من تجاوزات تجري على المرفأ، مرتبطة بعمليات تحطيم وسرقة للبضائع التي يقوم بشحنها من أحد البلدان الأوروبية إلى لبنان، وقدّم لـ “أوّلاً- الاقتصاد والأعمال” مستندات عبارة عن صور فوتوغرافية وفيديوهات للبضائع المتضررة، كما قدّم لائحة بسلع تمت سرقتها بحسب قوله، على المرفأ من دون أن يتهم جهة محددة بالقيام بهذه الأفعال، مشيراً إلى خسائر كبيرة يتكبّدها في كل مرة ذلك أنه بموجب اتفاقه مع عملائه فإنه يتعهد بالتعويض عليهم إذا ما تم تلف أو فقدان سلع من الطرود التي يقومون بإرسالها إلى لبنان. ويؤكد صاحب الشركة الذي رفض أن يذكر اسمه حالياً، أن حاوياته تتعرض دائماً للتوقيف والتفتيش الدقيق، علماً أنها لا تضم ممنوعات، وأن عمليات التفتيش لا تتم وفق الأصول الواجب اتباعها، فالجهات المخولة بالقيام بمثل هذه الإجراءات لا تراعي الأصول الواجب اتباعها لدى قيامها بعملها ما يعرّض بعض السلع إلى التلف، والبعض الآخر إما إلى الضياع أو السرقة. فما الذي يجري على مرفأ بيروت في هذا الخصوص؟
ليس ما يعرف بـ “التخليص” مسألة سهلة كما إنها ليست معقدة إلى حد كبير، فالمخلصون الجمركيون كثر في مرفأ بيروت لكن لكل منهم طريقة عمله، وهنا فإن الطرق التي يمارسها هؤلاء تتضمن الكثير من الاختلاف والكثير من “الزواريب” وهذا أمر متروك إلى مقال آخر.
مرفأ بيروت جزيرة معزولة!
يكاد يكون مرفأ بيروت جزيرة معزولة عن محيطها، فالأمر هناك لجهات أمنية ورسمية عدة، لكل جهاز اختصاصه، كما للمخلصين اختصاص يمارسونه بما تيسر لهم من سبل تبدأ بالوعود في غالب الأحيان وتنتهي في أخرى إلى عمليات “ابتزاز” للعملاء خصوصاً إذا ما تعرضت الشحنة للتوقيف، او إذا كانت الشحنة تمت باستخدام اسم شركة تابعة يملكها “مخلّص”. لكن في ظل هذه “المعمعة”، وبحسب معلومات حصل عليها “أولاً- الاقتصاد والأعمال” من مصادر معنية متابعة لما يجري على المرفأ، فإن المهمة التي تقوم بها بعض الوحدات الأمنية وعمليات التفتيش التي تجريها تتم وفق الأصول وبالطرق التي تضمن الحق العام، وحق أصحاب السلع المستوردة. وخلال التأكد مما تضمه الحاويات، وفي حال العثور على أي ممنوعات، يتم ختم الحاوية وإعادتها إلى المرفأ لتصبح من مهمة عناصر الجمارك الذين يقومون بإعادة تفتيش الحاوية للتأكد من محتواها، وهناك فإن الأمور تصبح في عهدتهم (عناصر الجمارك). كذلك، فإن هذه العملية تجري بوجود المخلص الجمركي المعني وتحت أنظاره، ويسمح له في بعض الأحيان بتصوير جانب من الإجراءات المعتمدة، والتأكد من عودة الحاوية كاملة من دون نقصان إلى الباحة الجمركية في المرفأ. وتشير المعلومات إلى أن الحديث عن تلف أو سرقة بعض السلع من الحاويات لا يعني أن هذه التجاوزات تحصل من قبل عناصر جهة رسمية محددة، خصوصاً أن المعنيين بأمن المرفأ عمدوا منذ أن تولوا مسؤولياتهم على هذا الصعيد إلى التشدد في مكافحة التجاوزات على اختلافها سواء لجهة محاولات إدخال أو إخراج الممنوعات، أو على صعيد مكافحة التهريب والتهرب الضريبي. وفي هذا السياق، تم توقيف عدد من المتجاوزين أحيلوا إلى القضاء المختص، وقد أدى هذا الأمر إلى الحدّ من التجاوزات بنسبة 70 في المئة على اقل تقدير.
لكن على الرغم من ذلك، فإن التجاوزات لا تزال تجري، لأن مكافحتها والقضاء عليها بشكل كامل هي عملية لا يمكن أن تجري بجرة قلم، فهذه التجاوزات عمرها عشرات السنين وتحتاج إلى إمكانات تقنية ولوجيستية كبيرة وهي ليست متوفرة خصوصاً بعد الانفجار الذي تعرّض له مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020.
تفتيش عشوائي
وبالعودة إلى تلف البضائع وسرقة بعضها، يكشف شريط مصور حصل عليه “أوّلاً- الاقتصاد والأعمال” كيف يقوم العمال ببعثرة محتوى إحدى الحاويات بحيث يتعرض بعضها للكسر أو التلف كما يظهر الشريط كيف يتم إفراغ محتوى “الصناديق” بطريقة عشوائية وعدم إعادتها كما كانت، وفي هذا السياق، يؤكد صاحب شركة الشحن التي أرسلت الحاوية أن هذا الأمر يدفع إلى الاستغراب، فمن حق الجهات المعنية أن تقوم بعمليات التفتيش كيفما تريد، لكن من حقنا عدم كسر السلع وإتلافها، ومن حقنا إعادتها إلى صناديقها، خصوصاً أن ما نقوم بشحنه ليس بضائع موحدة وإنما عبارة عن “ستوك” أي بضائع وسلع متنوعة، وهي تشحن لمصلحة مواطنين لبنانيين عاديين وليس شركات. ورداً على هذا توضح المصادر المعنية نفسها في حديثها إلى “أوّلاً- الاقتصاد والأعمال”، أن هذا النوع من البضائع الـ “ستوك” هو الأصعب خلال عمليات التفتيش لأسباب عدة أبرزها أن الحاوية لا تكون تضم نوعاً واحداً من البضائع، وثانياً لأنها تضم عدداً كبيراً من الصناديق وبالتالي فإن عملية التفتيش تصبح معقدة وتتطلب وقتاً لأن بعض الصناديق قد تحتوي على سلع غير مصرّح عنها، وأخرى قد يكون ممنوع دخولها إلى لبنان أو تتطلب موافقات خاصة من جهات رسمية أخرى. وتعقيباً على الطرق التي تقوم بها بعض الوحدات الرسمية والتي تؤدي إلى بعثرة محتويات بعض صناديق الحاويات، تشدد المصادر على حق الأجهزة الرسمية والأمنية المعنية أن تمارس عمليات التفتيش حماية للمصلحة العامة. لكن لدى سؤال المصادر: هل المصلحة العامة تقتضي بعثرة محتويات الحاوية بطريقة عشوائية وإتلافها؟ تجيب بالطبع إن ذلك غير مسموح، إذ إن الأجهزة المعنية تمارس أقصى درجات الحرص خلال ممارسة عملها حتى لا يتم إيقاع الخسائر على شركات الشحن، مشيرة إلى أنه إذا حدثت تجاوزات أدت إلى تلف سلع وفقدان أخرى، فإن الأجهزة المعنية تحقق بالأمر من اجل إعادة الحق إلى أصحابه.
من المسؤول؟
من جهة أخرى، يتحدّث صاحب شركة شحن آخر عن حرب تدور بين المخلصين الجمركيين على المرفأ، وهؤلاء يعتمدون على أبشع أنواع الأساليب لربح “المعركة” من أجل الحصول على عملاء أكثر، ومن هذه الأساليب “الإخباريات” أي أنهم يقومون بإيصال إخبارية إلى واحد من الأجهزة الأمنية العاملة على المرفأ فيتم إحالة حاوية ما إلى التفتيش ثم توقيفها وإعادتها إلى المرفأ، ويشتكي صاحب الشركة من أن عملية التوقيف تجري في بعض الأحيان من أجل محتوى صندوق واحد من أصل 100 او اكثر، متسائلاً: لماذا لا تتم مصادرة الصندوق وإخراج الحاوية؟ ولماذا تتعمد الدولة تكبيدنا خسائر كبيرة ما يؤثر على أعمالنا؟ ويضيف أن ما نقوم به يدعم الاقتصاد اللبناني المنهار فلماذا يتم التعامل معنا بهذه الطريقة؟
لا شك أن هذه الممارسات التي تجري على مرفأ بيروت تؤثر على أعمال الشركات اللبنانية وتضيق الخناق عليها، ولا شك أيضاً أن هناك العديد من التجاوزات التي تجري من دون حسيب أو رقيب، ما قد يضطر بعض أصحاب الشركات إلى متابعة بضائعهم على المرفأ بشكل شخصي ليضمنوا عدم تلفها أو فقدان بعضها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن مسؤولية تأمين دخول وخروج البضائع من مرفأ بيروت وإليه تقع على عدد من الأجهزة الرسمية، لذا، فإن الأمر يقتضي، كما يقول أحد أصحاب الشركات، وضع النقاط على الحروف في هذه المسألة حتى لا يضيع الحق. وإلى ذلك الوقت يطرح صاحب الشركة سؤالاً ويتركه برسم المعنيين: من الذي يعوّض بعض شركات الشحن عن السلع التي يتم اتلافها أو سرقتها وهل يمكن استعادتها؟