رماديتان مؤجّلتان، الأولى للبنان، والثانية لمجموعة العمل المالي “فاتف” | بقلم البروفسور فضل ضاهر
أولاً: في مشهدية الدلائل الوقائعية والموضوعية حول السلوك المتكرر واسع النطاق والمنتظم والممنهج لاضطهاد الشعب اللبناني، مع العلم المسبق بالنتائج (أركان الجريمة ضد الإنسانية)
إن الحدود المفاهيمية والمنهجية العلمية لمبررات إختياري هذا العنوان، الصادم والمستفز، عديدة وذات أبعاد إنسانية متلائمة مع منطلقاتها العامة المكرّسة في الشرائع والمواثيق والصكوك الدولية الناظمة، وجوباً، لجميع الآليات Mecanismes الدولية والإقليمية والوطنية الهادفة الى تعزيز حقوق الإنسان وصيانة حكم القانون وإرساء مبادئ ومعايير العدالة والإنتصاف والشفافية والنزاهة.
ففي ضوء ما استقر عليه الإجماع العالمي (منذ نهاية التسعينيات) حول تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، على نحو ما تُرجم بكل دقة سواء في نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، أم في كل من الإتفاقية الدولية لمنع الجريمة المنظمة عبر الوطنية( باليرمو لعام ٢٠٠٠،النفاذ في أيلول ٢٠٠٣وانضمام لبنان في العقد الاستثنائي الثاني سنة٢٠٠٥)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي دخلت حيّز النفاذ في ٢٠٠٥/١١/١٤، وانضم إليها لبنان بالقانون رقم ٢٠٠٨/٣٣الذي تزامن مع إقرار “القانون ٢٠٠٨/٣٢ الخاص بتوسيع صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة وبحصرية رفع السرية المصرفية بها”.
ومنعاً لأي اعتقاد برغبتي في ربط نزاع مع إداريي وخبراء مجموعة العمل المالي وقد جمعتني ببعضهم منتديات دولية أثروها بواسع علمهم وخبراتهم، فإني رغم ذلك لأراه من الواجب دعوتهم الى عدم التماهي مع جميع المتآمرين على لبنان وشعبه، المعتلمين بالأسماء وبالمواقع والموصوفة ارتكاباتهم اللاإنسانية ” لتدمير الوطن و”افقار الشعب” من خلال افتعالهم “لأزمات مالية كارثية مصطنعة وقابلة للمعالجة”، استنادا إلى تقرير المقرر الأممي الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان في لبنان السيد أوليفيه دي شوتر، المستعرض بنداً ثالثاً على جدول أعمال الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف من ٦/١٣الى/٢٠٢٢/٧/٨( الوثيقة الأممية رقمA/HRC/50/38/Add.1)
فانطلاقاً من خبرات راكمتها بمعرض تنكبي لمسؤولياتي الأكاديمية والمهنية السابقة والراهنة، أميناً عاماً سابقاً للمنظمة العربية للمسؤولية الإجتماعية، ومستشاراً دولياً رئيساً لشؤون الأمن البشري وحكم القانون، وأميناً عاماً مساعداً أسبقاً لمجلس وزراء الداخلية العرب الذي تشرفت بتمثيله في معظم الفعاليات الدولية والأقاليمية والأقليمية، مشاركاً بجميع اجتماعات لجان صياغة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، وعضواً ،و/أو رئيساً، بمعظم اجتماعات لجان الخبراء ممثلي وزارات الداخلية والعدل العرب المتناسبة مع تلك الدولية المعنية بمكافحة الحريمة المنظمة عبر الوطنية ومكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى مساهماتي المندرجة بذات السياق خلال مشاركتي لست سنوات متتالية بعضوية المجلس الأعلى لإدارة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، وهي الجناح العلمي ، الرائد والمتميز، للمجلس الوزاري العربي المذكور.
واحتراماً لقبس أنوار فضائل الشرف والتضحية والوفاء، قرينة عمري قبل تطوعي وأثناء وبعد حياة الجندية والأمن الداخلي، أراني مدفوعاً إلى واجبي تجاه وطني وإنسانه، حيثما كان وكائناً من يكون، مخاطباً ومنبهاً من مخاطر كيانية ووجودية قد تترتب على قرار مجموعة العمل المالي FATFمؤجل التنفيذ كما أعلن ، وذلك باسمي ونيابة عن “ملايين اللبنانيين” عموماً، سيما منهم المودعين، المقيمين والأجانب، المختلسة أموالهم نهاراً جهاراً من قبل المصارف، والذين يعجز اللسان عن وصف ما يعانونه يومياً وعلى مدار الساعة، من عوارض متلازمة كاليميرو Syndrome de Calimero الناتجة عن شعورهم بالمظلومية وبالعجز أمام مربع حيتان المال الفاسدين والقاسطين الظالمين دون رادع أو حسيب Sentiments D’injustice et D’impuissance، هؤلاء اليوضاسيين الذين أخشى ما نخشاه أن يزيدهم قرار الفاتف تنمرا وتعنيفا بمعرض إخضاعهم الملايين من أصحاب الحقوق، داخل لبنان وخارجه، إلى المزيد من شروطهم التدليسية الاحتيالية المتمادية Clauses d impostorisation التي أوصلت وطننا إلى ما هو عليه من مآزم كارثية على جميع المستويات وفي كل الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية…الخ، ناهيكم بالطبع عن محاذير وأخطار تحول الممارسات الاحتيالية الظرفية الراهنة، المجرّمة جميعها في دستورنا اللبناني وقوانيننا الوضعية، إلى تكريس لنهج براغماتي تنفعي دائم وموسوم بمظاهر متلازمة التدليس والاحتيال Symptôme de l’imposteur عنوانه “الانموذج اللبناني ” وأركانه مفاقمة ميغالومانيا المبالغة في تقدير نتائج الاحتيال المتفلّت من العقاب، من حيث هو تجربة نفسية للاحتيال الذهني والسلوكي المعروض للتقليد وللانتشار في صورة باتولوجيا اجتماعية مكتملة العناصرPafhologie Socialeعلى النحو الذي أبدع في توصيفه عالم النفس الكندي الشهير Otto KLINEBERG.
أخذاً بالاعتبار لكل ما تقدم، فإني لعلى يقين بأن اختيار “الفاتف” البقاء في الحافة أو البقعة الرمادية إزاء كل ما أشيع واستعرض من حقائق علمية ودلائل وقائعية وموضوعية دامغة، لسوف يضعها أمام امتحان إثبات كونها “معياراً عالمياً لمكافحة غسل الأموال، ومرجعاً مستقلاً لوضع وتعزيز سياسات حماية النظام المالي العالمي من غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل”!؟
(ملاحظة:سوف يتبع جزء ثان بعنوان “ماذا لو ارادت “الفاتف” مغادرة الدائرة الرمادية لانقاذ لبنان وحماية شعبه)