الاحدثالملف العربي الصيني

خمسون لبنان والصين : البروفسور فضل ضاهر يختتم السلسلة في الحلقة الخمسين: استشراف المستقبل الواعد والمأمول للعلاقات اللبنانية الصينية

دائمًا ما شرفني العميد البروفسور فضل ضاهر بكلماته التي اختتم بها ملفات متشعبة في السياسة والحوكمة والعلاقات الدولية تعرضنا لها في الملف الاستراتيجي. ليس فضل ضاهر بحاجة لاشادة إضافية مني لكني اعتبر أن كلمة الشكر الصادقة هي اقل ما أتوجه به إليه. عاش العميد ضاهر حياة مهنية وعلمية وثقافية شديدة التكثيف استطاع معها الاطلالة الواثقة على جوانب متشعبة من القضايا الشائكة التي تطبع عصرنا. اطال الله عمر هذا الرجل المعطاء. (د. بيار الخوري)

أولاً: خلفية تعريفية وتوثيقية

لطالما سعدت وتشرفت برغبات الصديق البروفسور بيار الخوري اليّ باختتام ملفاته الاستراتيجية القيّمة شكلا واهدافا ومضمونا، اما وقد تعززت هذه الرغبة، راهنا، بطلب من “الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية” بشخص رئيسها الصديق الدكتور قاسم الطفيلي، فان سعادتي مضاعفة ولا توصف، ليس من قبيل المجاملة او التودد وانما اعتزازا بما لهذه الجمعية من تقدير مستحق بكل جدارة، واحتراما لجميع القيمين عليها  لما يكنزونه من علم نافع ومن خبرات واسعة في شتى ميادين الحوكمة والادارة الرشيدة لأغراض تنفيذ اهداف وبرامج  التنمية المستدامة وبعث آليات الحوار  والتعاون الثنائي ومتعدد الاطراف  من جهة، ومناهضة خطاب الكراهية والعنصرية وعدم قبول الآخر المختلف عن طريق ترميم وبناء جسور المحبة والتسامح والتكافل من جهة ثانية، .

ولعمري، فان في اختيار الجمعية لموضوع هذا الملف، بابعاده الاستراتيجية ووظائفه الوطنية البنيوية والقطاعية الواضحة والهادفة والطموحة، خير دليل على درجة المسؤولية المجتمعية  المنتظمة ضمن اطر منهجية علمية محددة ودقيقة، ليس  من قبل  معدي الملف وحدهم  وانما  كذلك من قبل جميع محرريه ال ٤٩، كل في ميدان اختصاصه وخبرته، وقد  اثروه بزاخر معلوماتهم القيمة والمقرونة باقتراحاتهم الموضوعية السديدة التي  جعلت منه “وثيقة تاريخية بالغة الاهمية موسومة برؤية استراتيجية شاملة وجديرة باهتمام صنّاع القرار المعنيين بتنمية وبتطوير مستوى العلاقات اللبنانية الصينية استهلالا لخمسينية اليوبيل الذهبي القادم”، ناهيكم عن امكانية اعتباره ،من وجهة نظري الأكاديمية المتواضعة،”وثيقة تصلح مقررا تعليميا للدراسات العليا الجامعية نظراً لغنى ودقة وشمول وتكامل محاورها المتصلة برسم  وبتخطيط وتفعيل اطر واليات التعاون والتبادل الثقافي والأكاديمي لاغراض اطلاق وتفعيل خطط العمل الجاهزة و/أو المتوافق بشأنها، سواء المنفذة منها او التي  قيد التنفيذ، لاسيما منها مشروعي الكونسرفاتوار الوطني  ومعهد كونفوشيوس في الجامعة اليسوعية،  المذكورين في التقديم الشامل والوافي لهذا الملف من قبل سعادة سفير جمهورية الصين الشعبية في لبنان، الذي نبادله التهاني والتبريكات منوهين باستحضاره للتاريخ الحضاري البعيد والعريق بين الصين ولبنان إن في إطار طريق الحرير القديم قبل اكثر من الفي سنة، ام في صورته المتجددة وقد  تمأسست في التاسع من نوفمبر/ كانون الأول سنة ١٩٧١ مع إقامة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والصين على مستوى السفراء، ام من خلال الاعلان المشترك الصريح عن التوجه الرسمي لتبادل الدعم وترسيخ الثقة السياسية مع احترام ودعم السيادة والاستقلال…، بما في ذلك التنسيق الايجابي على مستوى الشؤون الدولية والاقليمية انطلاقا من مداميك ثابتة تقوم على الشراكة الايجابية التي تم  تكريسها سنة ٢٠١٧ بانضمام لبنان الى مبادرة الحزام والطريق وما اسفرت عنه من عروض متدنية التكاليف وغير مشروطة قدمت الى لبنان عبر القنوات الثنائية و/أو متعددة الأطراف، ،سيما في ضوء الامكانيات المتاحة والمتيسرة من خلال الانضمام سنة ٢٠٢١ الى البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية…(بتصرف ،من تقديم سعادة سفير الصين لهذا الملف).

وتأسيسا على حقيقة وصدقية ما استُهِلّ به تقديم الملف من تذكير بمراحل التواصل الحضاري العريق والمتجذر عميقا منذ آلاف السنين، وعلى سبيل الاستكمال والتوسع المتوجبين لتدعيم مبادرات تقييم وتعزيز مقومات التعاون المستعرضة على امتداد هذا  الملف، فإنه لابد من تسليط الضوء على المنطلقات الانسانية التأسيسية التي تجبّ برأيي سائر المنطلقات الأخرى على تنوعها ورغم اهميتها، وما ذلك الا لاعتباري بأن الانسان، كائنا من يكون ولأي زمان او مكان انتمى، يظل جوهر الحقيقة التي عبثا نبحث عنها إن نحن أهملناه او فقدناه سواء على مستوى ديناميات تفاعل الافراد ام على مستوى موجبات الإحترام المتبادل داخل المجتمعات  وبين الأقاليم والدول.

في ضوء ذلك، وعلى الرغم من اهمية ما كان يقتضيه الأمر, في هذا السياق, من استفاضة في مقاربات انتروبولوجية ونفس- اجتماعية تساهم في ارساء مداميك علاقات التعاون اللبناني الصيني الواعد والمأمول، فإن موجب الالتزام بالقواعد المنهجية لإعداد مقالة اختتماية في صيغة” بيان توثيقي لمندرجات ملف استراتيجي بهذا الحجم وبهذه الأهمية ” ،حتّم عليّ  الاكتفاء بتسليط الضوء على المنطلقات الحضارية الصينية الخاصة، بمعاييرها القيمية الراسخة وبمقوماتها الابتكارية والابداعية المبهرة، والتي شكلت جميعها فرادة وتميز التوجهات الصينية التشاركية والتنموية في جميع علاقاتها الخارجية الموسومة بطابعها الإنساني المتجذر منذ أقدم العصور. كيف لا والحضارة الصينية المعمّرة لأطول فترات في التاريخ هي المنهل الثقافي الأساسي لحضارة شرق آسيا في جميع ميادين الفلسفة والأدب والموسيقى والفنون على تنوعها وبما فيها المهارات الحرفية والبصرية وحتى القتالية ، وهي التي قال فيها فيلسوف التنوير والشاعر والمؤرخ فولتير Voltaire انها  ” الامبراطورية التي دامت اربعة آلاف عام دون أن يطرأ عليها تغيير يذكر في القوانين او العادات او اللغة او في ازياء اهلها، وقد كان نظامها في حقيقة الأمر خير ما شهده العالم من نظم”،وكذلك الامر بالنسبة الى شعبها الذي ما من احد ينكر حقيقة كونه ” اكمل صورة من صور الانسانية واعلاها ثقافة “باجماع معظم البحاثة والمؤرخين الذين ذهبوا الى اعتباره  “شعباً من طراز سامٍ بين البشر دماثة وخلقاً وتودداً وتفوقاً في شتى شؤون الحياة وسائر نظمها الاجتماعية المرتكزة الى الاخلاق والإتزان والفلسفة العميقة بأصولها المثالية وتجلياتها الواقعية”.

 ولعل في  استحضار ما دُوِّنَ  تعظيما لهذه الحضارة من قبل مؤرخين غربيين ومتعددي الانتماءات، ما يبرر إدلائي  بدلوي في هذا السياق متقدما بشهادات حيّة عن فضائل ورقي هذه الأمة وعن عزم وانضباط وشجاعة شعبها المتخلق بقيم كونفوشيوس الذي دعا كل فرد فيه الى “ادخال نبيه  معه الى غرفة نومه” ،والمسكون ، كذلك، بحكمته المحفزّة الى “دخول البحر وركوب الامواج التي يعجز المرء عن ادراك ما تخبئه لمجرد التأمل من على الشاطئ.”.

 فللأمانة وللتاريخ اشهد كم من المرات خبرت وعاينت حقيقة ما قيل ودُوِّن  بدءا  بزيارتي الاولى الى الصين( بين ٢٩ اب و١١ ايلول لسنة ١٩٩٧)منتدبا من وزارة الداخلية اللبنانية لترؤس الوفد اللبناني الى فعاليات ” الدورة التاسعة عشرة للمؤتمر الدولي للتخصص العالي لقوى الشرطة حول ” ادارة الأمن الداخلي والسياسات الأمنية الوقائية على المستويات الدولية والمحلية “حيث لفتتني سلوكيات  ومدارك جميع من قابلتهم بمختلف مواقعهم ودرجات مسؤولياتهم، من كبار مسؤولي وزارة الأمن الداخلي وقيادة الشرطة الصينية، الى محافظ العاصمة BEIJING، الى المرافقين الأمنيين، الى مديري وعمال الفنادق  والمتاجر حيثما توجهت طوال فترة اقامتي الحافلة بالاجتماعات واللقاءات دون انقطاع، ان من حيث ترفعهم جميعهم عن أي تمييز قائم على أساس النوع الاجتماعي أم لجهة تحليهم بأعلى درجات المسؤولية الموسومة بمنطلقاتها الوطنية  والانسانيةٍ  المقرونةٍ بسلام داخلي معزز للثقة بالنفس وبعزتها  لدى جميع فئات هذاالشعب المحصّن في مواجهة كل ما قد ينال من أمن وطنه وحفظ نظامه .

شكر وتهنئة ووداع بنهاية المؤتمر

ولان الشئ بالشئ يذكر، فانه لا يفوتني هنا ان اذكر، اقله على سبيل  التنويه بما وفرته لي السفارة اللبنانية من مساعدة لوجستية ومعنوية ساهمت  بانجاح مهمتي، وبما  حظيت به من قبل   كبار المسؤولين الصينيين من دعم اثمر  اجماع  ممثلي ٧٣ دولة (اضافة الى مندوبي جميع المنظمات والهيئات الدولية والاقاليمية والاقليمية)على تأييد مضمون كلمتي الملقاة امام المؤتمرين بإسم الوفود العربية  بتاريخ ٥/٩/٩٧ ، سيما لجهة المطالبة المحقة والمعللة باعتماد اللغة العربية  في  جميع المؤتمرات الدورية السنوية التي تنظمها الدول  بالتعاون مع مركز   Intercenter ، وذلك تماثلا مع الاعتماد المقرّ من الأمم المتحدة بهذا الشأن منذ سنة ١٩٧٣(يمكن العودة الى النص الاصلي الفرنسي لهذه الكلمة بالوثيقة الرسمية المرفقة، نظرا لأهمية الحدث اولا، ولمناسبة حلول اليوم العالمي للغة العربية في ١٨/١٢/٢٠٢١ تزامنا مع فترة إعداد هذا الملف الاستراتيجي ،ثانيا).

في حفل العشاء بدعوة من سعادة السفير السعودي تكريماً للوفود العربية وتثميناً لمطلب اعتماد اللغة العربية، بمعيّته مع كل من نائب وزير الأمن الداخلي الصيني السيّد LI JIZHOU والفريق الركن احمد محمد بلال مدير الأمن العام ورئيس الوفد السعودي.

ولقد كان في تعاقب المناسبات اللاحقة ما رسّخ لدي القناعة بفرادة وتميز الشعب الصيني وذلك من خلال عدة محطات مهنية وأكاديمية وإجتماعية لسوف اكتفي بإيجاز أبرز عناوينها على سبيل التدليل والمثال لا الحصر:

١_ اختبار درجات انفتاح الدبلوماسية الصينية  على بناء صداقات تمجّد كل ما هو حق وخير وجمال، ودونما اي انتقاص من اخلاقيات وقواعد التمثيل الدبلوماسي والمهني، وذلك خلال فترة ترؤسي للاستقصاء المركزي في المراحل الأولى لإنشاء وحدة أمن السفارات والادارات والمؤسسات الدستورية.

٢_ إختبار مقدار أهمية إقران مفهوم الدبلوماسية الناعمة والمتصفة بفضيلة الجهوزية الدائمة  لأي حوار حتى مع الخصوم المعلومين ، مع براغماتية واثقة وسعة اطلاع موسوعية في كل ما يتصل بالعلاقات الدولية عموما والجيوسياسية تحديدا، وذلك من خلال ترؤسي اللقاء الحواري مع سعادة سفير جمهورية الصين الشعبية ،بدعوة من مركز الدراسات والتدريب الاستراتيجي، حول موضوع “الصين وسياستها الخارجية” بالقاعة الكبرى لقصر الاونيسكو في بيروت بتاريخ ٢٩/١/٢٠١٠.

٣_  تشرفي وسعادتي بإمعان النظر عميقا وتيقنا من مقومات الحلم الصيني الواعد، رغم كل المؤثرات الخارجية، لاستناده الواعي والمتنور الى أعلى درجات التخطيط الحداثي الرؤيوي المقرون بالحزم وبالإرادة  الصلبة الثابتة ، وذلك بمعرض مساهمتي في مساعي رسم إطار إعلان نوايا  وخطة تعاون مع الجهات المسؤولة لدى CICIR معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة. لاسيما في معرض المناقشات المعمّقة مع القامات العلمية والتنفيذية المتميزة المتمثلة بكل من نائب رئيس CICIR  والباحث في شؤون غرب آسيا وإفريقيا السيد لي شاوشيان، ورئيس معهد البحث لشؤون الشرق الأوسط والباحث في شؤون غرب آسيا لياو باي تشي ، والباحثتان المساعدتان في معهد البحث لشؤون الشرق كل من السيدة سون ران و وانغ جين، بمشاركة وحضور رئيس المكتب السياسي في سفارة جمهورية الصين الشعبية في لبنان السيد Jin Yifeng .

٤_ اختبار مدى نقاء سرائر ودماتة خلق الاصدقاء الصينيين الكثر من خلال ما كانت تسمح به ظروف عملي للمشاركة في بعض الأنشطة الثقافية والمناسبات الاجتماعية سيما منها ما كانت تنظمه ” الرابطة اللبنانية الصينية للصداقة والتعاون” التي شرفني مواكبة مراحل استصدارها للعلم والخبر من وزارة الداخلية اوائل سنة ٢٠٠٣ من موقعي آنذاك مستشاراً لوزير الداخلية في الشؤون العربية والدولية، والتي لطالما أسعدني تلبية دعواتها لمشاركة انشطتها وفعالياتها الثقافية والاجتماعية لاسيما انجازها المشهود في احتفالية اقامة نصب تذكاري لأحد رموز الصداقة اللبنانية الصينية النطاسي العالمي المشهور البروفسور جورج شفيق حاتم او الـ ” ماهايدي”(الحصان رمز الفضيلة)  كما يصفه الصينيون.

٥_  اختباري لطبيعة وخصوصية الفلسفة المشرقية الصينية بأبعادها المثالية المتأصلة وتطبيقاتها الواقعية في شتى ميادين الحياة التي منها، على سبيل المثال، الطب التقليدي الصيني القائم على أساليب موازنة تدفق الطاقة أو قوة الحياة (تشي او QI)،لاسيما بالنسبة إلى المعالجات عن طريق الوخز بالإبر التي تابعت بكل انتباه الشروحات بشانها من قبل استاذ الطب الصيني التقليدي والوخز بالإبر في كلية العلاج الفيزيائي بالجامعة اليسوعية البروفسورZhong Qiang Wei ،وقد أسعدني اللقاء به بصحبة الطبيب الشرعي والخبير المحلف لدى المحاكم الصديق الدكتور ايلي سعادة.وإذ أقر بعجزي عن متابعة أدق تفاصيلها على لسان محدثي لعلة خروجها عن اختصاصي ولاقتصار معلوماتي الطبية حول بحوث الطب الشرعي المتعلقة تحديدا بالعلوم الجنائية والعقابية criminology and sentencing،فإنني مع ذلك، حرصت على التعبير عن اقتناعي بسلامة ما استعرضه من تقارير لمؤسسات طبية غربية متخصصة، لنتائج تجاربها العملية والإحصائية المثبتة لصحة وسلامة هذه الطرق العلاجية التقليدية، سيما في أبعادها النفسية المرتكزة الى ثوابت المعتقد الصيني بتكامل  ثنائية الروح والجسد بدليل ثبوت تحقيق أفضل نتائج الوخز بالإبر مع المرضى المؤمنين بطريقة العلاج هذه. لا بل أني عمدت لاحقا إلى ترجمة هذا الاقتناع لدي من خلال إدراجه ضمن محاضراتي الجامعية حول الأمراض النفس-جسدية “pshycosomatic” , وحول معالجة السلوكيات الانحرافية النفس-اجتماعية، ناهيكم عن إعدادي لعدة توصيات بهذا الشأن بمعرض استشاراتي لجمعيات ناشطة في مكافحة هذه السلوكيات الإنحرافية، لا سيما منها جمعية جاد ” شبيبة ضد المخدرات” الرائدة في ميادين مكافحة المخدرات ومعالجة المدمنين على المستويات الوطنية والإقليمية.


ثانيًا: استشراف المستقبل وحيثيات التطوير المتوجب للعلاقات اللبنانية الصينية.

تكاملا مع مقاربتي التعريفية والتوثيقية أعلاه، وفي سياق عام بأسلوب تقريري   Normatif  مستند الى جميع  مقاربات هذا الملف العابقة  بفيض مشاعر المحبة والصداقة وجميل الانطباعات الذاتية من جهة،  والزاخرة من جهة ثانية، موضوعية،  بواسع خبرات وسديد اقتراحات كل من ساهموا باثرائه على تنوع اختصاصاتهم وتجاربهم القيّمة والموثقة.

واذ انصح ،على سبيل الدلالة والتأكد من المراجع المستندية لهذه الخاتمة، بالعودة الى مضامين تلك المقاربات وفقا لفهرسة عناوينها وبيان اختصاصات محرريها،فانه لا يفوتني مع ذلك التركيز،بادئ ذي بدء، على ما توافقت عليه جميعها من بثٍ لروح  التفاؤل بنجاح التوجهات الجيوسياسية والاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية، إن من خلال تنمية وتطوير استثماراتها سيما في دول “الحزام والطريق” التي تشكّل مبادرات صداقة وتعاون ذات طابع انساني يخدم السلام العالمي في جميع ارجاء المعمورة عموما، أم من خلال تعزيز العلاقات التجارية التاريخية مع اكثر من ستين دولة شكلت محطات لطريق الحرير.

بناءاً على ذلك ، واخذا بالاعتبار لمسيرة انتصار الصين لقضايا الشعوب العادلة والمحقة بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي، ولانحيازها الدائم الى جانب الحق في جميع المحافل والهيئات الدولية سيما بالنسبة الى معظم ان لم نقل جميع القرارات المتعلقة بلبنان.

 وتقديرا  لما تترجمه تلك المواقف  من ثوابت عقائدية ومرتكزات سياسية لطالما تجاوزت الامتناع غير المبرر عن تلقف لبنان  فرص المساعدات المعروضة عليه مرارا وتكرارا والمتميزة  برؤية استراتيجية متطورة ومتكاملة ان من حيث شمولها   لقطاعات حيوية تَمسّ حاجاتنا اليها كسكك الحديد على امتداد رقعة الوطن ،ومعامل الكهرباء الحديثة والمتطورة، واحياء قطاعات الزراعة وتنمية الارياف ومعالجة النفايات، وبناء الانفاق والجسور  والموانئ انتهاءا الى آخر ما تحقق من تفوق صيني في ميادين النانو-تكنولوجيا وآخر تحديثات ما بعد الجيل الخامس من تكنولوجيا المعلومات …الخ، ام من حيث تأطير معظم هذه العروض ضمن نظام ال BOT وفي صيغة قروض ميسرة لآجال طويلة وبفوائد شبه منعدمة.

وحيث انه لا  مغالاة  باستنتاج حتمية تطوير العلاقات الصينية اللبنانية لثبوت انعدام أي تبرير لتجاهل العروض الصينية المتكررة في ضوء عجز الحكومات المتعاقبة في  لبنان عن اتخاذ القرارات الحكيمة والجريئة والمتوجبة، سيما وان تجربة سنوات التعاون الخمسين المنقضية أكدت بما لا يقبل الشك ثبات الشريك الصيني على مواقفه الداعمة لسيادة لبنان بكل تجرد وشفافية وموضوعية.

وحيث انه من المؤكد عدم توفر أسباب ” عصاب الفوبيا Nevrose phobique “ ، المتوهم والمزيف، المتذرع به من قبل السلطات الحاكمة العامة والخاصة في لبنان، بدواعي الخشية من تدابير انتقامية  للدول الأقطاب في التكتل الاقتصادي والجيوسياسي الغربي؛ وذلك بدليل ان كثيرا من هذه الدول الأقطاب الغربية او تلك الدائرة في فلكها، سعت وتسعى لاقتناص أية فرصة سانحة لتطوير علاقاتها بالمارد الصيني بمعرض الاستجابة لمبادراته.

 وحيث أنه من المؤكد كذلك، على الصعيد الوطني، ان مبررات التوجه الى الشرق ان لم نقل حتميته، وبخلاف ما يروج له تضليلا، ” تتجاوز الانفتاح على الاستثمارات الآسيوية فقط وانما هي قبل كل شيىئ آخر التشبيك مع دول الجوار العربي وفي مقدمتها سوريا فالعراق والأردن امتدادا الى المحيط الاقليمي وانتهاءا بالقارة الآسيوية من خلال الالتحاق بطريق الحرير ومنظومة منظمة شنغهاي”.وذلك على نحو ما فنّده تفصيلا الباحث الاقتصادي والسياسي د .زياد حافظ في مقالته المنشورة ” التوجه الى الشرق: المعاني والتداعيات”، وقد خلص فيها الى استنتاج أن هذا التوجه ” خيار استراتيجي بامتياز له حيثياته السياسية والاقتصادية والثقافية… وان المعوقات السياسية والثقافية والاقتصادية والنفعية ساهمت جميعها في تأطير النهوض الاقتصادي الى درجة محاصرته بمنع تطويره ليتلاءم مع مستلزمات مواكبة تحولات الألفية الجديدة تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة كما وردت في الإعلان الأممي لهذه الألفية.

وحيث أن مقارنة بسيطة بين ما تؤكده مستويات المعاينة الماكرو-بحثية من انهيار شامل موسوم بالموت السريري البطيئ للشعب وللوطن نتيجة فشل منظومة سياقاتنا المحكومة من الغرب لاسيما منها اقتصادنا الريعي عموما، وأدواته المالية والنقدية والمصرفية تحديدا، مع ما يقابلها من مستويات نجاح الكتلة الأوراسية في الترويج لأنموذجها القائم على الشراكة التامة وتقاسم المنافع والأرباح خارج أية معايير تقييدية على قاعدة ” التابع والمتبوع” المنافية لجميع الشرائع والمواثيق الدولية.

وحيث انه، في السياق ذاته وعلى مستوى المعاينة الميكرو-بحثية والتجزيئية، يلاحظ إغراق اسواقنا الوطنية بالمنتجات الصينية المتعلقة بمعظم ، ان لم نقل جميع، شؤوننا الحياتية واحتياجاتنا اليومية سواء منها المعيشية ام الترفيهية؛ بتسهيل ومشاركة من قبل نفس المنظومة الإحتكارية المرتبطة بامتيازات حصرية بالغرب والتي تبيح لنفسها الخروج عن التزاماتها الغربية وفقا لمصالحها الخاصة، مشكلةً كارتلات ضاغطة وحاكمة على سلطات تقرير وتخطيط سياساتنا الوطنية الانقاذية ، وبأساليب مفضوحة ترتقي الى حدود التواطؤ والاشتراك الجرمي المقونن تسهيلاً للإفلات من العقاب.

وحيث أن جماع ما تضمنته جميع صفحات هذا الملف الاستراتيجي من مخرجات ثاقبة وسديدة، يؤرف لسبل ومسارات  استشراف آفاق مأمولة لمستقبل واعد بتحصين وبتطوير العلاقات اللبنانية الصينية لاغراض تحقيق المصالح المشتركة في اطار قائمٍ على الإحترام المتبادل ومُسقطٍ لجميع المعوقات غير المبررة وغير الواقعية المفندة على امتداد هذا الملف الهام.

فإني اذ  اختم ،بإسم جميع من شارك بهذا الملف وباسمي، بتسطير أرق واعطر عبارات التهنئة باليوبيل الذهبي للعلاقات اللبنانية الصينية موضوع هذه الوثيقة، فانما على رجاء ازدهارها وتطويرها تحقيقا لاهم الاهداف الاستراتيجية لخطة الحزام والطريق من جهة، وتوفيرا من جهة ثانية لشروط قيامة لبنان وعودته للنهوض بدوره الرسالي في معارج الحضارة الانسانية عبر التاريخ.

 

وثيقة رسمية ملحقة بخاتمة الملف الاستراتيجي حول العلاقات اللبنانية الصينية.


لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا

العميد البروفسور فضل ضاهر، الامين العام المساعد الاسبق لمجلس وزراء الداخلية العرب

البروفسور فضل ضاهر، مفوض الرصد والدراسات والتربية والتطوير في الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب. الامين العام المساعد الأسبق لمجلس وزراء الداخلية العرب.عضو المجلس الأعلى لادارة جامعة نايف العربية للعلوم الامنية سابقا. الرئيس الأسبق للامانة الدائمه لمجلس الامن الداخلي المركزي. عميد سابق ومستشار وزير الداخلية اللبناني للشؤون العربية والدولية,استقال من ملاك قوى الامن واحيل للتقاعد بامتيازات رتبة لواء سئة 2008. المستشار الإقليمي للUNDP (برنامج تحديث النيابات العامة العربية POGAR). مستشار لشؤون الامن البشري وحكم القانون. خبير دولي لدى الاتحاد الأوروبي (برنامج SSP) ولدى المركز الدانمركي لحقوق الانسان (مراجعة قانون GDPR للبرلمان التونسي). حائز على دكتوراة دولة بالعلوم الجنائية والعقابية. محاضر زائر في عدة جامعات. استاذ الدراسات العليا والمشرف على دراسات الدكتوراه في الجامعة اللبنانية. انجز مؤلف باللغتين العربية والفرنسية بعنوان "الدفاع الاجتماعي ومكافحة الجريمة اعتمد كدراسة علمية متكاملة حول المخدرات في لبنان من قبل منظمة الإنتريول. خبير دولي شارك في صياغة العديد من الاتفاقيات الدولية والعربية,كما ساهم باعداد وتنظيم العديد من المؤتمرات العلمية الدولية والاقليمية. نشر العشرات من المساهمات العلمية. المتمحورة حول العدالة الاجتماعية وحكم القانون. الامين العام السابق لكل من المركز اللبناني لحكم القانون ,والمنظمة العربية للمسؤولية الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى