ازمة لبنانالاحدث

زيارة ميقاتي إلى فرنسا: الحضن الفرنسي لا يختصر الأحضان الدولية والعربية | كتب د.محي الدين الشحيمي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

يشكّل التعامل الرطب من قبل الجانب الفرنسي مع الحكومة دفعة تحفيزية لإيجابية الاحتضان، وعلى الحكومة استثمارها جيدًا وتحسن لكي تجبر الجانب المحلي اللبناني في أن يغير من نفسه يتهجن لطرق باب الخلاص في لبنان، إلا أن الإدارة الفرنسية لم تغيّر ولم تُبدل من نظرتها حيال الواقع اللبناني المقلق، وهي تعلم في قرارة نفسها أن درب لبنان صعب ومشواره محفوف ومليء بعقبات كثيرة وألغام مميتة، فهي إلى جانب كل الدعم والنية الحسنة مستمرة في موضوع العقوبات بل ستزيد وتيرته وبمستويات أعلى سواء على نطاق الدولة أو الاتحاد أو حتى المفوضية وهذا مرده للباطن الحقيقي لأصل الأمور.

زيارة مهمة وبأبعاد بينية متعددة سواء ان كانت زيارة عمل أو حتى ودية، هي في الدرجة الأولى لتقديم الشكر لفرنسا في جهودها المبذولة والتي بذلت وما يعول عليه منها في المستقبل، وهي دلالة صارخة على مرونة وبقاء المبادرة الفرنسية الثابتة الهدف بحلحلة الأزمة في لبنان والمتكيفة مع المشاكل والعراقيل إذ أنها كالإسفنجة تمتص وتتفهم ولكنها لا تتراجع وتعصر غير المرغوب فيه والمعرقل مباشرة والعقوبات الأوروبية والفرنسية إشارة واضحة على ذلك رغم كل العواطف والاستثناءات.

هي أيضًا زيارة فريدة من نوعها وبخاصة على مستوى الحياة السياسية اللبنانية لجهة تأليف الحكومات الجديدة وجولتها الأولى حيث فرضت العادة لان تكون أولى المحطات عربية وسعودية تحديدًا، ولكن هذه المرة ستكون فرنسية فهي تعبيد لطريق الحكومة الدولي الخانق الأنوار من المدخل الباريسي، فالطريق للسعودية لا يزال وإلى الآن غير معبّدة وغير سالكة وميقاتي يعتمد على فرنسا في هذا الموضوع لفتح الباب وتذليل العقبات.

بالإضافة للأحاسيس الودية والعاطفية وبشكل متوازن لطقوس الشكر اللبنانية، سيتخلل الزيارة سرد تقديمي لمسودة الاصلاح من دون تصورات، مع التذكير الفرنسي ومن بعده الأممي لأبرز نقاطه ومراحله، حيث تحل هذه الزيارة قبل فعاليات انعقاد الجلسة الأولى للحكومة، ومن أهم النقاط التي ستناقش ويعاد التذكير فيها ” الحيثيات الكيفية والتقنية والعملية لإطار وشكل الوفد اللبناني وأعضائه والذي سيتولى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع إبراز فرنسي مقصود وواضح لما يسمى ” الانطباع الساخن” والمناطق الحمراء وحدودها.

على صعيد التقييمات والانطباعات لا يوجد اي تقييم شخصي أو ” نتائج لحظية ” ولن يرشح شئ بمعزل عن العلاقات الشخصية ، حيث تعتمد كل التقييمات حصرًا على أداء الحكومة، لذا فلا دعم مباشر ولا منح جدية، إلا بالحد الأدنى فقط الاجتماعي والإنساني والصحي غير السلطوي حتى، بانتظار أن ترشح مفاعيل الحد الأدنى من الإصلاحات.

فالزيارة ليست كسر للجليد الخارجي فقط ، بل انها تأكيد بأن فرنسا موجودة وحاضرة وحاضنة وهي ستساعد لبنان والحكومة (اذا اثمرت وانتجت وأوفت بعهدها )، ففرنسا تعمل بشكل حثيث على فتح الأبواب الدولية أمام لبنان وليس ميقاتي فقط وتعمل بشكل نشط لترطيب وهلينة الجانب السعودي لكسر جليد المملكة وتليينه ولو بـ”قبة باط” سعودية وعربية مشروطة وحاسمة وتذليل عقبات العمق العربي من بوابة المملكة . فليس هنالك” شيك على بياض” فكل الأمور متوقفة على الإصلاحات وفق خريطة الطريق المتفق عليها في مؤتمر “سيدر” وانطلاقًا من التفاوض مع صندوق النقد الدولي والتدقيق الجنائي وتحصين القضاء ومكافحة الفساد واستعادة الأموال الموهوبة قبل المنهوبة ، وتأليف الهيئة الناظمة للطاقة والاتصالات ، مع التشدد والتركيز على أهمية وأولوية وأفضلية الحفاظ واحترام الاستحقاقات الدستورية وضمان حصولها بوقتها. لذا سيكون الموقف الفرنسي اليوم قاسيًا لجهة المدة الزمنية المتاحة وكل الهوامش المتفرعة عنها وسيتم وضع هذه الحكومة أمام تحمل مسؤولياتها فلا فرصة جدية للتعافي ولا للتحسن أو مجرد التفكير بالتحسن إلا انطلاقًا من تحمل الدولة مسؤولية الخسائر وليس بالتنصل منها ورميها على بنوك والمصارف، بالتزامن مع الأمر المهم والذي يتمثل بضمان فرنسا استمرارية الاستفادة من ثغرات قانون قيصر لناحية الحاجة السيادية المصيرية لجهة استجلاب الغاز.

على لبنان في النهاية وعوضًا من ان يتوه على المسرح الأممي الكبير وخير له في الأصل أن يستفيد من حالة الإنعاش الظرفية والتي قدمت له وموعد الزيارة لدولة رئيس الحكومة هي خير دليل، على أن ينغمس في وحل الأوهام النرجسية للانتصارات، قبل ان تدق الساعة حيث أننا تقترب أكثر فأكثر من فترة الحسم، لذا فان الحاضنة الدولية مهمة من البوابة الفرنسية ولكن الحاضنة الأساس للبنان هي العربية ولا بديل عنها وحتى باعتراف الإدارة الفرنسية والتي عملت بشكل شخصي ومباشر لتذليله بالفترات السابقة تعاقبًا، بيقين تام لحلحلة العقدة العربية اتجاه لبنان والتي من المفترض ان تجتهد بها حاليا هذه الحكومة إنما من بوابة الإصلاح والثقة وشروط المجتمع الدولي المعيارية الدقيقة، والمنادية بمكافحة الفساد والمحسوبيات لاستعادة الثقة المقرونة بالعمل، فأموال “سيدر” موجودة وهي متاحة لمن يستحق وتنتظر من يستحقها، فالدعم من فرنسا وغيرها من المجتمع الدولي والعربي هو فقط على قدر الإصلاحات والالتزامات والتعاون الصادق .

د. محي الدين الشحيمي، استاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا

الدكتور محي الدين محمود الشحيمي، دكتوراه في القانون جامعة باريس اساس في فرنسا. عضو لجنة التحكيم في مدرسة البوليتكنيك في باريس. محاضر في كلية باريس للاعمال والدراسات العليا واستاذ زائر في جامعات ( باريس 2 _ اسطنبول _ فيينا ). خبير دستوري في المنظمة العربية للقانون الدستوري مستشار قانوني واستراتيجي للعديد من الشركات الاستشارية الكبرى والمؤسسات الحكومية الفرنسية كاتب معتمد في مجلة اسواق العرب ومجلة البيان والاقتصاد والاعمال ومجلة الامن وموقع الكلمة اونلاين . رئيس الهيئة التحكيمية للدراسات في منصة الملف الاستراتيجي وخبير معتمد في القانون لدى فرانس 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى