ازمة لبنانالاحدث

في ذكرى انتفاضة الخريف: هل تسكت مغتصبة؟ | بقلم د. أحمد عياش

من الطبيعي جدا ان يختلف المثقفون حول ذكرى انتفاضة الخريف فلكل امرء رأيه وتجربته وتوقعاته وأمانيه وشكوكه الصحيحة و ظنونه المرضية الا ان الواضح ان انتفاضة الخريف كانت صرخة وجع وتعبير صادق لشعب اثخنوه جراحا وخيبات ولا يمكن اعتبار الناس،كل الناس التي لم توافق المنظومة الحاكمة والاحزاب الفاشلة رأيها ان تكون خائنة.

ان كانت الناس في الساحات خائنة فماذا تكون جماهير الاحزاب الفاشلة وقياداتها التي اوصلت البلاد الى البؤس؟

انها ايضا خائنة.

الجميع خانوا البلاد و حمّلوا البلد اكثر من طاقته سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

هذه هي الحقيقة.

خيّب الآمل من لم ينضم للناس ضد الدولة المالية العميقة بحجة خوفه من تآمر عليه وبيّنت النتائج ان احدا لم يقصده فلا دليل غير الشكوك المرضية.

خيّب آمال الناس المهزومة من وعدها انه بانسحابها من الساحات ستتحسن احوالها الوطنية.

خان الوطن من تسلل بين الناس المهزومة بكلابه المدربة لافتعال احداث شغب ليخيف الطلبة واهلهم كي لا يرسلوا اولادهم للاحتجاجات.

خان الوطن منظومة حاكمة باحزابها وبجماهيرها وبمصارفها وبرجال دينها ودنياها لاستمرارهم المفضوح ببيع وبشراء ما توفر من هيكل الوطن رغم خلو الساحات من المنتفضين واستبدالهم بالقمامة وبالعتمة وبالعطش وبالجوع وبانتصارات مرضية عن صمود كاذب.

صمد من لم تتوفر له تأشيرة هرب.

صمد من لا مال معه ثمن ركوب مركب مهاجر نحو الغرق.

حتى القوى الامنية نصّبت نفسها حاجزا لمنع الهجرات الى اوروبا ولم تنصب نفسها مانعا لتهريب الاموال المنهوبة الى الخارج.

خان الوطن قضاة لا يخجلون باعلان الاضراب عن العمل من اجل امتيازات اضافية لا يستحقونها و لا يقومون بواجبهم بالقاء القبض على فاسد واحد في الدولة.

خان الوطن شريحة الفقراء الذين لم ينضموا للانتفاضة لان الفقراء عادة لا يصنعون ثورة تقدمية انما تحضر معهم الفوضى .

خان الوطن اساتذة جامعات اخذوا تلامذه الفقراء رهائن ضد دولة مفلسة هم يروجون بالوطنية لقادتها.

خان الوطن اليسار الثوري الذي جَبُن من اعلان حكومة ثورية بالاتفاق مع القوى اللبنانية الصادقة الاخرى التي تقول ولا اثبات على كذبها انها تبرأت من ماض تعيس لها اثناء الحرب الاهلية.
للكل ماض تعيس.

خان الوطن من لم ينضم للمئة فارس ملثم وشجاع لاعلان حالة طوارىء لمنع تجوّل الانذال المعروفين بتسببهم بالفساد وبنهب الاموال.

خان الوطن من لم ينضم للالوية الحمراء اللبنانية.

خان الوطن من تحدث عن المجرمين و قال “هم”ولم يذكر اسماءهم.
من يتهمون الدولة وهم الدولة.

مَن هم المعارضة ساعة يشاؤون وهم الدولة ساعة يريدون.

من يدعون الله ان يتدخل للانقاذ وهم الرب نفسه.

اية انتفاضة لا تنتصر في ايامها الاولى ولا تتحول لثورة او لانقلاب عسكري تتحوّل تلقائيا لمسرح تعج فيه المخابرات ويتنزه فيها العسس والانتهازيون و صراصير السفارات وحثالة البشر فلا داع للانزعاج ان قسمت الانتفاضة بين الاسبوع الاول والمرحلة التالية.

لمن يسأل عن قائد للناس المنتفضة لا يصدق ان الناس تحركت من تلقاء نفسها كحركة انفعالية قصوى بعد احتقان عظيم لخيبات شديدة .

من يبحث عن قائد لها ومنظم لياتي لنا باثبات واحد عن وجوده.
عدم وحوده يعني انها انتفاضة شريفة.

ان الطبقة الوسطى المترنحة عبّرت عن وطنيتها الطبيعية بانتاج انتفاضة عبر طلابها وابنائها المتأملين خيرا في المستقبل.
انهم الطلبة .

انهم الطلبة يا سيدي ماركيوز.

اربع سنوات مضت ولم يثبت لاحد بالدليل الملموس ان انتفاضة الناس كانت ممارسة لخيانة انما تكهنات لانفس مريضة لا تؤمن ان الآخر يحب البلاد ويتمنى لها الخير ويفديها مجانا لانهم اعتادوا ان يعملوا بالأجر المالي.

لتوقف الاحزاب الحاكمة تمويلها لجماهيرها ولنرى من سينزل الى الساحات ضدها؟

انه تحد، نعم.

احزاب متضخمة ماليا ليس فقط.

احزاب فاشلة تحمي الدولة المالية العميقة وبعض رجال الدين الميسورة احوالهم وناهبي البلد وفاسديهم ،حكمت وتحكم واوصلت البلاد لما وصلت اليها ولا كلام لها غير تخوين الآخرين الذين قالوا:
كفى

قالوا:
لا…
الساحات فارغة من المنتفضين منذ اربع سنوات ولن ينتفضوا ابدا لانهم تركوا الساحات لجماهير الاحزاب نفسها ان تنفجر وستنفجر ان توقف عنها الاجر والاعاشات.

اي صمود هذا وبوتين نفسه انسحب من خيرسون.

اية مواجعة هي والصين عاجزة عن ضم تايوان.
قليلا من التواضع.

على الاقل احترموا حماقتنا.

الجماهير التي انسحبت بعد الاسبوع الاول للانتفاضة تركت الساحات لجماهير السلطة لتملأها بفجورها وبسلبطتها وباشتراكاتها الكهربائية وبغالوناتها عند المحطات وبالرشاوى في المؤسسات وبالفساد في الدولة وفي الاجرام المنظم.

خان الوطن ويخونه كل من تحالف مع انذال البلد المعروفين بثرواتهم الحرام.

لا خيار ثالث انما انت مع المال الحلال او انت الى جانب المال الحرام.

من ينهب مالا عاما بلا خجل مستعد دوما ليبيع الف مقاومة للاحتلال بفجور…

فات وقت الاختيار فسوء ادارة الصراع واضح و سوء التدبير اوضح وخائن من يصرّ على خيانة الاخر بلا اثبات او دليل ويستمر في تحالف مع اصحاب الرأسمال الحرام ولا يسأل جماعاته من اين لكم هذا؟

الحاكم بأمر المال يعرف كل الحقيقة فحرام ان يموت قبل ان يدلي بالارقام وبالاسماء من خان الوطن.

خانوه جميعا بما فيهم رجال دينهم وحفاري قبورهم.

هذا الكلام غير موجه لطرف محدد ولا هو دفاع عن طرف محدد ولو ان العتب على اليسار الثوري الذي سنحت له الفرصة ان يتكاثر لديع الشهيد علي شعيب وخاف .

انما هي صرخة اضافية يرددها الصدى لانتفاضة الخريف.
من انتصر ؟

خسر الوطن.

انها هزيمة جماعية شارك في جريمتها الجميع الا الشرفاء النظيفي الكف والقلب والنوايا وهم قلّة.

وما زلت تحت شجرة صنوبر قرب جبال الالب ،احمل عصا بيدي ،ارسم بها على التراب خطة الهرب.

الدكتور أحمد عياش، باحث في علم النفس السياسي والديني

الدكتور احمد عياش، طبيب نفسي وكاتب. صدر له كتاب الانتحار الصادر عن دار الفارابي (2003)، وكتاب الاعاقة الخامسة: الاعاقة النفسية الاجتماعية الصادر عن مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب (2008)، بالاضافة لكتاب الشر والجريمة عن دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع (2013)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى