هل خسرت القوات حروبها فعلاً: قراءة متأنية في خطاب السيد | بقلم ناجي امهز
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
هذا المقال لا أكتبه للعوام أو مثل كثيرين يكتبون للحصول على تصفيق من هنا أو مديح من هناك، هو مقال الغاية منه توضيح نقاط بغاية الأهمية جاءت بخطاب السيد بالأمس، لأن استخدامها بغير مكانها يشكل خطورة كبيرة.
فما ان قال السيد، إن الحزب لديه مائة الف مقاتل حتى ضج الإعلام وعنونت الصحف بالمانشيت العريض (الحزب يمتلك مائة الف مقاتل) وخرج من هو مع أو ضد الحزب مصرحًا بأن الحزب يمتلك مائة ألف مقاتل.
أصلاً من يظن ان الحزب يمتلك أقل من مائة ألف مقاتل وبالتأكيد هو يملك اكثر بكثير، هو لا يفهم شيئًا لا بالسياسة ولا بالعسكر ولا حتى بالاستنتاج البسيط، والدول الكبرى تعرف بأس وقوة الحزب وعديده بدقة متناهية وما يمتلك من عتاد، وهذه المعرفة بقوة الحزب وتفانيه وشجاعته وضخامة ترسانته العسكرية هي التي تمنع العدو الإسرائيلي وغيره من الدخول بحرب مباشرة مع الحزب، لذلك القوى المعادية للحزب تبحث عن نقاط ضعف بالحزب وهي أصبحت واضحة، أولها بالأعلام الذي لم يعرف حتى هذه اللحظة كيف يحول خطاب السيد او رؤية الحزب إلى رأي عام، مثلا كلمات الإمام موسى الصدر، أو أنطون سعادة والعميد ريمون اده وكمال جنبلاط ورشيد كرامة وغيرهم كثيرين، يتم التداول بكلماتهم أو يستند اليها من قبل النخب السياسية والفكرية حتى ان لم تكن من هذا الدين او تنتمي لذاك الحزب.
وأيضًا هناك نقطة ضعف تتعلق بالسياسة ويجب إبرازها، وهذا الضعف ليس سببه سياسة الحزب او قياداته، بل السياسيين والإعلاميين الذين يدورون بفلك المقاومة، فالحزب لديه ضوابط هائلة فيما يتعلق بالتصريحات الإعلامية، ووقت السيد الذي يأتي بأوقات متباعدة يضيء باختصار على الكثير من النقاط بسبب كثافة المواد وضيق الوقت، والناس بحاجة لمن يشرح لها، لذلك دور السياسيين والمحللين ان يشرحوا أبعاد هذا الخطاب والنقاط المهمة من أجل بيئة المقاومة نفسها، وأيضا من أجل صناع القرار في العالم والداخل، لكن للأسف هذه الفئة تقدم الخطاب السياسي منذ عقود بذات الأسلوب، مما خلق فراغًا سياسيًا لم يحقق تقدمًا واضحًا.
من هذه الأخطاء السياسية التي كانت مكلفة للغاية وضيعت عمق خطاب السيد، هو ما نشر حول مقولة السيد عندما تحدث عن خسائر حروب سمير جعجع، بطريقة غير التي كان يقصدها السيد، فالسيد ومن حوله من قيادات ومستشارين على الرغم من عدم دخولهم الحرب الأهلية أو المشاركة فيها أو حتى قبولها، إلا أنهم يعلمون بأن القوات لم تخسر حروبا عسكرية بالمعنى العسكري، وهذا الأمر يعلمه أيضًا الرئيس بري ووليد بيك جنبلاط وجميع القوى التي شاركت بهذه الحرب، وهو موثق بعشرات الكتب والدراسات، وحتى الفلسطينيين والقيادة السورية، والأميركيين والإسرائيليين يعلمون، بأنه لم يخسر أحد من زعامات مليشيات الحرب الاهلية، لان كل فريق التزم خطوط التماس والمخططات التي كانت مرسومة له، لذلك أسميت حرب لا غالب ولا مغلوب، وحروب الآخرين على أرضنا، والخاسر الوحيد من هذه الحرب هو الوطن والشعب اللبناني.
وأنا أشرح هذه النقطة تحديدًا لأنها بالغة الأهمية، فطريقة تناول الإعلام لمقولة السيد عندما قال “لا تُخطئوا الحساب “واقعدوا عاقلين” وتأدَّبوا، وخذوا العِبَر من حروبكم وحروبنا، بأن السيد يقول للقوات اللبنانية، أنكم ستخسرون أي حرب عسكرية قادمة كما خسرتم حروبكم السابقة، لأنه لدينا مائة ألف مقاتل، مما أوحى بان الحزب قد يدفع بمقاتليه المائة ألف لاجتياح معراب عسكريًا، وهذا التفسير الخاطئ شد العصب المسيحي أكثر.
مع العلم أن السيد أكد بدقة متناهية أنه يذكر بهذا الرقم “لأمنع الحرب لا لأهدد بحرب أهلية” وهي رسالة واضحة إلى العدو الإسرائيلي ولكل من يريد أن يدخل الحزب بحرب أهلية، بأنه المائة ألف مقاتل لن يدخلوا الزواريب الطائفية، بل سيجتاحون الجليل وربما الجولان، وكل رصاصة تنطلق بالحرب الأهلية سيدفع ثمنها الإحتلال الإسرائيلي بسقوط صاروخ على قواعده ومنشأته.
كما ان مقولة السيد “وخذوا العِبَر من حروبكم وحروبنا” لا تعني الانتصارات العسكرية، بل الانتصارات الوطنية، فانتصارات المقاومة هي انتصارات وطنية، طرد المحتل الصهيوني هو انتصار وطني طرد التكفيري هو انتصار وطني، أما الحروب الأهلية كان مخطط لها هو التهجير ليس الانتصار، مثلا حرب الجبل، لم تخسر القوات فيها ولم ينتصر التقدمي الاشتراكي، كما يظهر بعض من لا علم لهم لا بالسياسة ولا بالتاريخ ولا بالجغرافيا، فما حصل بالجبل كان معد له سابقًا، فالمطلوب هو تهجير المسيحيين من الجبل تمهيدًا لفدرلة لبنان، وبما أنه لا يعقل أن تقول للمسيحي الساكن الجبل خذ هذه أموال واترك أرضك وبيتك وتاريخك وارحل لأنه بالتأكيد سيرفض مهما دفعت، إذا أطلق قربه أو عليه كم رصاصة، وارتكب كم مجزرة وهو سيهاجر ويغادر المنطقة من تلقاء نفسه.
وهذا ما حصل بكل المناطق والمدن ومع كل الطوائف، لأن وصلنا اليوم إلى هذا المشهد الديمغرافي الخطير.
وفي الختام أكد السيد على العيش المشترك والانفتاح أكثر من أي وقت مضى هو تأكيد تكرر بخطابه عشرات المرات، وهو دليل أنه لم يكن يعلن بأي شكل من أشكال القتال العسكري، وهو أكد على دولة القانون والمؤسسات، وأنه سيحتكم مرة واثنين وثلاثة الى دولة القانون والمؤسسات.