قطاع الكهرباء بين عامل الذكاء وعامل الفساد ماذا تختار السلطة؟ | بقلم د. عماد عكوش
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
بدأت أزمة مؤسسة كهرباء لبنان تتمظهر بشكل واضح مع بداية الازمة الاقتصادية في تشرين أول من العام 2019، حيث ظهر بشكل واضح ان مشكلة مؤسسة كهرباء لبنان تتمحور حول ثلاثة عوامل أساسية :
- الفساد
- الهدر
- التمويل بسبب سوء الجباية وانخفاض التعرفة
أن مؤسسة كهرباء لبنان التي تبلغ سعتها التوليدية الإجمالية 3000 ميغاواط مسؤولة عن توصيل الكهرباء إلى جميع أنحاء البلاد، ألا أن هذه المؤسسة لم تقم بهذه الوظيفة بشكل كامل بسبب العوامل التي تحدثنا عنها سابقًا، وتمثّل الخسائر التقنية وغير التقنية معًا -على سبيل المثال: الاستهلاك غير المحسوب بموجب الفواتير أو التوصيلات غير القانونية- ما يصل إلى ثلث توليد الكهرباء السنوي لمؤسسة كهرباء لبنان.
هذا وقد غطت مؤسسة كهرباء لبنان 63% فقط من إجمالي الطلب على الكهرباء في البلاد في عام 2018، ولبّت 78% من الطلب قبل 10 سنوات، وتُعزى الفجوة المتزايدة إلى زيادة عدد السكان والاستهلاك في البلاد، فضلًا عن نقص الاستثمار في محطات توليد الكهرباء الجديدة.
في الفترة الماضية ونظرًا لأن المواطنين اللبنانيين لا يحصلون على كهرباء المؤسسة، فإنهم لجأو الى مولدات الكهرباء التي تعمل على المازوت والعالية الكلفة، ويقدّر البنك الدولي أن هناك أكثر من 32 ألف مولد كهرباء يعملون في لبنان، ويعتمد عليها 75% من المواطنين.
في مجال أخر، وافق مجلس الوزراء، على بناء معملَين لتوليد الكهرباء، في دير عمار والزهراني، وفق ما تنصّ عليه خطة الكهرباء التي جرى إقرارها أخيرًا. وكشف وزير الطاقة والمياه، وليد فياض، عن إمكان تلزيم بناء المعملَين قبل التوصل إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي. وأعلن فياض، عقب جلسة لمجلس الوزراء، الموافقة على «السير قدمًا بعقود إنشاء وتمويل وتشغيل محطات كهرباء جديدة لينعم الناس بكهرباء إضافية. وكان مجلس الوزراء قد وافق على خطة الكهرباء في جلسة سابقة، ويتضمن محطات توليد طاقة 825 ميغاوات لكلّ محطة تعمل على أساس try fuel بكلفة تتراوح بين 500 و600 مليون دولار أميركي لكلّ محطة.
من ناحية أخرى يسعى المواطنون اللبنانيون الى الإستغناء وبشكل كامل عن مولدات الكهرباء بعد ارتفاع كلفتها، وكان المواطنون في السابق استغنوا عن مؤسسة كهرباء لبنان نتيجة لتوقف هذه المؤسسة عن الإنتاج وبالتالي لجوء المواطنين الى الحل البديل وهو اشتراك مولدات الكهرباء، لذلك يسعى المواطنون اليوم وبعد ارتفاع أسعار اشتراك المولدات الى الاستغناء عن هذه المولدات باتجاه الطاقة الاقل كلفة وهي الطاقة المتجددة.
وقد شكّلت الطاقة المتجددة، في عام 2018، أقلّ من 2% من إجمالي توليد الكهرباء، مع إحراز تقدّم ضئيل منذ ذلك الحين، ويهدف لبنان لتحقيق 1000 ميغاواط من الطاقة المتجددة وبالتالي الوصول الى ما نسبته 30 بالمئة من الطاقة التي يحتاجها لبنان لغاية العام 2030.
بالعودة الى إنتاج هذه الطاقة فقد خلال عام 2018 56.37 ميغاواط فقط من الكهرباء من خلال تركيب الخلايا الشمسية الكهروضوئية، وإذا استخدم لبنان إمكاناته الكاملة من الطاقة الشمسية، فسيكون لديه 50 ضعفًا من الكهرباء التي يحتاجها. وكانت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية أعلنت عن موافقة الحكومة خلال اجتماعها في 12 مايو/أيار 2022، على 11 مشروعًا، من ضمن الخطط المأمولة لحلّ أزمة الكهرباء في البلاد.
وقال وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، إن الحكومة أصدرت تراخيص بـ 11 مشروعًا ينتج كل منها 15 ميغاواط من الطاقة الشمسية. وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء، أن الشركات سيتعين عليها توفير تمويل في غضون عام، مشيرًا إلى أن ذلك سيكون “مؤشرًا جيدًا” للمجتمع الدولي الذي يطالب لبنان بإصلاح قطاع الطاقة. تأتي الموافقة على مشروعات الطاقة الشمسية في لبنان، بعد أن تفاقمت أزمة الكهرباء خلال الأشهر الأخيرة، ووصل الأمر إلى انقطاع شامل للتيار عن جميع أنحاء البلاد.
لكن اللبنانيون لن ينتظروا قرار الدولة بالتحول نحو الطاقة المتجددة والرخيصة فقد سبقوها في هذا القرار ويشهد لبنان اليوم قفزة كبيرة في مجال التحول نحو الطاقة الشمسية لا سيما في قطاع السكن والمنازل. فقد زادت كمية إنتاج الطاقة الشمسية أكثر من مائة ميغاواط في العام 2021 وهو ما يوازي مجمل ما كان موجودا في البلاد منذ بداية إنتاج الطاقة الشمسية فيه قبل عشرة أعوام ومن المتوقع أن يزيد هذا الانتاج بمقدار ماية ميغاواط سنويا” خلال السنوات القادمة نظرا” للطلب الكبير من اللبنانيين على هذا المصدر المستدام، ونظرا” لكلفة المولدات المرتفعة، يضاف أليها طبعا” عامل رفع تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان والمتوقعة في القريب العاجل.
هذا التحول، وإن كان جزءا من خطة وطنية للانتقال التدريجي إلى الطاقة البديلة، إلا أن الانهيار المالي والاقتصادي هو الذي فرضه ولم يأت كخيار بيئي. يضاف الى هذا التطور الكبير في تركيب أجهزة الطاقة الشمسية الخاصة بالمنازل وبعض المصانع هناك أيضا” المشاريع والتي سوف تقوم بها الدولة اللبنانية.
يضاف الى الطاقة الشمسية الطاقة الكهرمائية حيث يبلغ مجموع الطاقة الكهرمائية التي ينتجها لبنان من خلال 12 معملًا 286 ميغاواط. ولكن، تم إنشاء جميع هذه المعامل قبل عام 1965 وتتطلب الصيانة. تعمل هذه المصانع حاليًا بكفاءة منخفضة، وتتسبب في خسائر تبلغ حوالي 30-40٪. تأتي إمكانات الطاقة الكهرمائية في لبنان من إصلاح محطات الطاقة الحالية وكذلك بناء محطات جديدة. وتشمل الطرق الأخرى، محطات توليد الطاقة من مجاري الأنهار أو المحطات المائية الصغيرة. ويعد توليد الكهرباء من مصادر غير نهرية أيضًا خيارًا آخر. ومع ذلك، فإن الوضع الجغرافي للبنان هو عامل مقيد رئيسي يؤثر على تطبيقه. ويقدر المركز اللبناني لحفظ الطاقة أن الطاقة الكهرمائية يمكن أن تنتج 382 إلى487 ميغاواط إضافية، ولكن هذه المعامل تحتاج الى صيانة واستبدال للتوربينات الحالية والغير فعالة بتوربينات جديدة أكثر فعالية وقدرة على الانتاج.
أن التحول التدريجي نحو الطاقة الشمسية يحتاج الى متابعة وقرارات وإجراءات على الحكومة اللبنانية أن تتخذها ولا سيما منها بموضوع الساعات الذكية وبيع المنتج الفائض عن حاجة المواطن لمؤسسة كهرباء لبنان حتى يتمكن المواطن من شراء ما يحتاجه منها عند الضرورة والحاجة وبالتالي عدم ضياع الفائض دون الأستفادة منه.
من هنا نرى ضرورة المقارنة بين كلفة الاستثمار في الساعات الذكية والتي يمكن ان تساعد المؤسسة على الاستفادة من أكثر من 500 ميغاواط خلال اربع سنوات وهي عبارة عن إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، يمكن أن يضاف لها حوالي 500 ميغاواط من الطاقة الكهرمائية فيما أذا تم تركيب توربينات من النوع الكفوءة وبالتالي الوصول الى أكثر من 1000 ميغاواط من الطاقة النظيفة والذي سيؤدي الى تأمين ما لا يقل عن ستة ساعات تقنين من الكهرباء النظيفة و12 ساعة من المعامل الحالية العاملة على الغاز والديزل أو الفيول مما يرفع ساعات التغذية الى حوالي 18 ساعة، وبين الاستثمار في معامل جديدة.
كلفة المعامل الجديدة حوالي مليار دولار.
كلفة الساعات Net Metering وصيانة المعامل الكهرمائية لا يتجاوز مئة مليون دولار.
ومع كل هذه الإيجابيات، لا يبدو أن وزارة الطاقة اللبنانية مهتمة في وضع دراسة علمية يمكن تنفيذها، تشجّع اعتماد اللبنانيين على الطاقة الشمسية وبيعها لمؤسسة الكهرباء. فعلى الأقل، يجب تجهيز البنية التحتية للشبكة الحالية، فضلًا عن تأمين نظام عدادات خاص، يتيح قراءة وتنظيم الطاقة الآتية من المنازل نحو الشبكة، وتلك الآتية من الشبكة نحو المنازل، وهذا ما يعرف بنظام التبادل الذي يوجب استخدام عدادات جديدة من نوع “نت ميترينغ” net-metering، وهي غير مستخدمة في لبنان.
في النهاية الجميع يعلم ان مشكلة الكهرباء في لبنان ليس عدم وجود معامل بل مشكلة سوء تمويل المؤسسة الناتج عن عدم التجصيل والجباية من بعض مستهلكي هذه المادة من ناحية، وانخفاض التعرفة بشكل يجعل عملية البيع شبه مجانية، لذلك لا بد من العمل في عدة اتجاهات لمعالجة هذه المشكلة :
- رفع التعرفة من ناحية.
- صيانة وتأهيل المعامل الكهرمائية وألغاء مجانية توزيع الكهرباء ولأي منطقة وبأي حجة.
- تركيب ساعات نت ميترينغ.
- إعطاء تراخيص لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة.
- إعطاء أمتيازات لإنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء وبيعها للزبائن ضمن الأقضية.
يبقى السؤال الاساس هل ستأخذ الحكومة اللبنانية هذا الخيار أم أن المصالح الخاصة ومصالح الكارتلات ستتغلب على مصلحة الوطن والمواطن ؟