“كورونا الوعي” وتأثير الخبراء المزعومين: أزمة فكرية تواجه المجتمع اللبناني | بقلم جان زغيب.
مع انتشار وباء كورونا الذي اجتاح العالم في السنوات الأخيرة، ظهر وباء آخر لا يقل خطورة، أطلق عليه البعض اسم “كورونا الوعي”. يعبر هذا المصطلح عن الانتشار السريع للأفكار والآراء المضللة التي يقدمها أشخاص يدعون الخبرة في مختلف المجالات دون أي خلفية علمية أو تخصصية، مما يؤثر سلبًا على الوعي الجماعي للمجتمع اللبناني.
يشبه هذا الوباء الفكري في آليته فيروس كورونا، حيث ينتقل بسرعة وينتشر عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مخلفًا آثارًا ضارة على المناعة الفكرية للأفراد، ومسببًا حالة من الارتباك والتشويش.
انتشار سريع ومكثف
كما ينتشر فيروس كورونا عبر العدوى بين الأفراد، تنتشر أفكار وآراء “الخبراء” المزعومين بسرعة غير مسبوقة. بفضل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يقدم هؤلاء أنفسهم كمصادر موثوقة في مجالات الاقتصاد، والسياسة، والصحة، وحتى في قضايا الحياة اليومية. يكفي أن يظهر أحدهم في برنامج تلفزيوني أو ينشر منشورًا على الإنترنت حتى يصبح حديث الساعة، مما يؤدي إلى تضخيم آرائهم وانتشارها كالنار في الهشيم.
التأثير على المناعة الفكرية
تشبه المعلومات المضللة التي ينشرها هؤلاء الخبراء تأثير الفيروس على الجهاز المناعي للجسد. فكما يضعف الفيروس المناعة، تضعف هذه المعلومات المناعة الفكرية لدى الأفراد، وتجعلهم أكثر عرضة لتقبل الأفكار الخاطئة دون تفكير نقدي أو تمحيص. هذا الضعف يخلق بيئة خصبة لانتشار المزيد من المفاهيم المغلوطة، مما يؤدي إلى تعميق الأزمة الفكرية في المجتمع.
الإفراط في الحضور الإعلامي
من السمات البارزة لـ”كورونا الوعي” الحضور المفرط لهؤلاء الأشخاص في مختلف المنصات الإعلامية. يظهرون في برامج الحوار السياسي، وفي مناقشات القضايا الصحية، وحتى في النصائح الحياتية اليومية، متجاوزين حدود تخصصاتهم المزعومة. هذا الحضور الكثيف يؤدي إلى تشويش الرأي العام، ويخلق حالة من الارتباك تجعل الجمهور غير قادر على التمييز بين ما هو صحيح وما هو مضلل.
خلق وعي زائف
كما يسبب فيروس كورونا أعراضًا خادعة قد توهم المريض بأنه بخير، يخلق هؤلاء الخبراء وعيًا زائفًا لدى الجمهور. يعتقد الناس أنهم يمتلكون الحقيقة بناءً على ما يسمعونه أو يشاهدونه، بينما هم في الواقع يتبنون رؤى سطحية أو مشوهة، مما يعمق الأزمة ويؤخر الوصول إلى حلول حقيقية للمشاكل التي تواجه المجتمع.
كيفية مواجهة “كورونا الوعي”
لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الفكر الجمعي، لا بد من اتخاذ خطوات فعالة على مستوى الفرد والمجتمع. من أبرز هذه الخطوات:
1. تعزيز التفكير النقدي: لا يمكن مواجهة المعلومات المضللة دون تعزيز القدرة على التفكير النقدي. يتطلب ذلك من الأفراد التمييز بين المصادر الموثوقة والمصادر الزائفة، ومراجعة المعلومات قبل تبنيها.
2. التخصصية والعمق: يجب أن يقتصر الحديث في القضايا المعقدة على الخبراء الحقيقيين المتخصصين في مجالاتهم. هذا يتطلب من الإعلام تحمل مسؤولية اختيار الضيوف بناءً على كفاءتهم وخبراتهم.
3. التوعية الإعلامية: نشر ثقافة التحقق من المعلومات أصبح ضرورة ملحة. يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات إعلامية توعوية تُركز على تعليم الجمهور كيفية التحقق من صحة الأخبار والمصادر.
4. تجنب الانجراف الجماعي: ظاهرة القطيع تجعل الناس يتبعون ما يردده الآخرون دون فحص. لذا، لا بد من تعزيز الاستقلالية الفكرية وتشجيع الأفراد على اتخاذ قراراتهم بناءً على الحقائق، وليس على ما هو شائع.
الوعي الجماعي بين الحقيقة والزيف
“كورونا الوعي” ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تحدٍ كبير يتطلب مواجهة جادة. كما يعمل الفيروس على استهداف الجسد، يعمل هذا الوباء الفكري على استهداف العقول، مما يجعل من الضروري أن تكون المعركة معركة فكرية بامتياز.
على كل فرد في المجتمع اللبناني أن يلعب دورًا في هذه المواجهة، من خلال التفكير النقدي والتفاعل بحذر مع المحتوى الإعلامي. فقط من خلال الوعي الحقيقي يمكننا حماية عقولنا من هذا الوباء الفكري، وضمان بناء مجتمع أكثر وعيًا وصلابة في مواجهة التحديات.