الاحدثصحة عامة

واقع الجراحات القلبية (21) : تأثير جائحة كورونا وانهيار المؤسسات في لبنان

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

إستكمالًا للمقالات السابقه حول واقع جراحة القلب والشرايين في لبنان والعالم في العام 2022، نعود اليوم إلى ارض الوطن العزيز “لبنان” لنستعرض واقع هذه الجراحة فيه حاليًا بعدما شهده لبنان من إنهيار إقتصادي-مالي ونقدي وتردّي خطير للأوضاع المعيشية على كل الصعد. ودون الدخول في تفاصيل التفاصيل فكلنا يعلم ان لبنان شهد في السنوات الثلاث السابقة اكبر انهيار اقتصادي مُدمّر منذ تاريخ إنشاء هذا الكيان. وهذا ما ادّى الى تدهور في الشأن الإقتصادي المالي والإجتماعي-المعيشي لكل افراد المجتمع اللبناني وإلى إنخفاض قيمة الليرة اللبنانية وإنعدام قيمة الأجور والمعاشات التي لم تعد تساوي سوى بضعة دولارات لا تكفي لمصاريف بضعة ايام في بداية الشهر، كما ادت إلى تردّي القدرة الشرائية للمواطن اللبناني وانتشار البطالة وازدياد ظاهرة الهجرة خاصة عند كل المهنيين ذوي الكفاءة العالية من كل الإختصاصات وخاصة لدى الأطقم الطبية والتمريضية المُميّزة مما اثّر بشكلٍ خطير على مكانة القطاع الطبي او الإستشفائي الذي كان لبنان يفتخر به على الدوام باعتبار ان لبنان كان مصرف ومركز سياحة ومستشفى الشرق؟! هذا بالإضافة الى وصول حوالي 70 % من المواطنين الى حالة الفقر الخطير وزوال ما كان يُعرف سابقًا بالطبقة المتوسطة التي قُضي عليها بالكامل. بسبب كل تلك العوامل مُجتمعة، خاصة وان من كان قد ادّخر مبلغًا من المال لأيامه السوداء وجد ان المصارف وحيتان المال وكبار التجّار الفجّار والساسة الفاسدون وازلامهم ورجالهم في كل المواقع الإدارية وفي المؤسسات الحسّاسة قد التهموا كل مدخّراته وودائعه واحلامه وتركوه لقدره المحتوم دون طبابة او دواء او ماء او كهرباء او عمل، ودون ادنى مقومات العيش الكريم. وقد جاءت “جائحة كورونا المشؤومة” التي لا نزال نعيش فصولها المدمرة والمأساوية ايضًا منذ ثلاثة سنوات تقريبًا وحتى تاريخ اليوم ولو بخطورة وفتك اقلّ، وبتأثيراتها الكارثية على الإقتصاد العالمي والوطني وعلى القطاع الصحي والإستشفائي في لبنان لتُكمل ما لم يقم به الساسة الفاسدون الفاشلون ولترمي على قارعة الطريق الآلاف من المواطنين الذين لم يعودا لكل تلك اسباب مجتمعة قادرين على الذهاب الى المستشفيات ولزيارة الأطباء من اجل الفحوصات الروتينية والوقائية (التي تِعتبر العامود الفقري في حماية الأفراد من الأمراض في الدول الراقية) سواء في الحالات الحرجة والمُتقدّمة جدًا او في الحالات الطارئة بعد السقوط المفاجئ او الوصول الى حافّة القبر. من هذا المنطلق وبعد حصول كل تلك التطورات التي يُضاف اليها كارثة إنفجار او تفجير “مرفأ بيروت” الذي حدث منذ سنتين تحديدًا وقضى ارواح العديد من الأبرياء وتسبب بجرح اكثر من خمسة آلاف مواطن، ودمّر مساحات واسعة من الأحياء السكنية والإدارات والمؤسسات والمتاجر، وتسبّب بأضرار فادحة في العديد من مستشفيات بيروت، وجدنا من الضروري ان نفتح ملف واقع جراحة القلب والشرايين في لبنان في العام 2022 مع احد اهم روّاد جراحة زراعة القلب والشرايين في بيروت وأحد اللاعبين الأساسيين في هذه الجراحة فيها وهو الدكتور جورج بطرس تادي، الذي طرحت عليه الأسئلة التالية:

١- تعريف موجز بشخصكم الكريم وعن مسيرتكم الدراسية، واهم إنجازاتكم العلمية والمهنية.

٢- ما هو واقع جراحة القلب والشرايين في لبنان حاليًا عمومًا وخاصة بعد حصول حراك 19 تشرين 2019 : عدد العمليات التقريبي وانواعها بالتفصيل اذا توفّرت لديكم هكذا ارقام وإحصاءات؟ وكيف أثّرت الحالة الإقتصادية والمعيشية والإنهيار الذي نشهده على واقع الجراحة القلبية في لبنان؟ وهل انخفض عدد العمليات وكيف وبأية نسبة؟! وهل هناك نقص في الادوية والمعدات والمسلتزمات؟ وكيف تجاوزتم هذه المشاكل كلها في ظل صعوبات الإستيراد وتعاميم حاكم المصرف المركزي الأستاذ رياض سلامة التي ادّت الى حصول عمليات إعاقة او تأخير كبير في إستيراد هذه المستلزمات ؟!

٣- ما هي التكلفة التقريبة لكل نوع من هذه العمليات؟ ومن يتحمّل في شهر آب ال 2022 تكلفة هذه العمليات؟ وماذا يفعل المرضى الذين كان لديهم ضمان إجتماعي، او يحصلون على تغطية من تعاونية موظفي الدولة او من المؤسسات العسكرية او اي ضمان آخر او الذين كانوا يحصلون على الطبابة من قبل وزارة الصحة اللبنانية؟!

٤-ما هو واقع عمليات “زراعة الجسور- الأبهرية التاجية” و”عمليات إستبدال او زراعة او ترميم الصمامات”؟ وكيف تتمّ هذه العمليات (بواسطة طرق كلاسيكية ام بطُرق اقل غزوًا (Minimally Invasive Surgey)؟

٥-ما هو واقع “عمليات استبدال الصمام الأبهر للقلب بواسطة القسطرة او التمييل” اي ال (Transcutaneous (Aortic Valve Implantation : TAVI بدل الإعتماد على “الجراجة الكلاسيكية”؟

٦- ما هو اقع إستعمال الاجهزة الميكانيكية لمساندة القلب الأيسر (Left Ventricular Assist Devices:LVAD) التي تُستعمل في حالات قصور القلب الحاد او المتقدّم جدًا ومستقبلها؟! وما هو واقع ومستقبل “عمليات زراعة القلب الطبيعي” في لبنان؟! وهل يُسمح في لبنان اخذ قلب من مريض متوفّي نتيجة توقف في القلب( جثة المريض؟!) وهل دخلت هذه العمليات إطار التنفيذ في لبنان ام لا؟!

٧-ماذا تخبرنا عن العمليات الأخيرة التي تمّ خلالها زراعة “قلب خنزير مُعدّل ورائيًا” عند ثلاثة مرضى يُعانون من قصور في عضلة القلب؟ وما هو مستقبل هكذا عمليات بحسب خبرتكم؟ وهل سيكون زرع قلب الخنزير المُعدّل وراثيًا هو الحلّ لمشكلة نقص المُتبرّعين والأعضاء في العالم؟! وهل من المُمكن ان نشاهد ذلك قريبًا في لبنان؟!

٨- ماذا تقول للأطباء الذين تركوا لبنان بسبب الأوضاع ؟! وهل انت مُتفائل بالحلّ القريب وعودة من هاجروا قسرًا وتشرّدوا في كل بقاع الأرض؟! ام كيف ترى مسار الأمور؟!

وقد جاءت إجابات الدكتور جورج تادي على الشكل التالي وهي إجابات اضفت اليها شخصيًا الكثير من الشروحات والمعلومات والإيضاحات والأرقام من اجل إيضاح الصورة بشكلٍ اشمل لضرورات الإطّلاع على الواقع المأساوي الذي وصل اليه قطاع طبّ وجراحة القلب في لبنان في ظل الأزمات المتتالية التي نعيش فصولها وعلى ضوء متابعتي الحثيثة واليومية لواقع القطاع الطبي والإستشفائي في لبنان عبر نشاطات وندوات ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقًنا. وقد كان ذلك خاصةً لاننا كنًا قد نظّمنا خلال السنوات الثلاثة الماضية عدة ندوات حول الوضع المعيشي في لبنان وازمة رفع الدعم عن السلع الأساسية فيه وعن واقع القطاع الطبي والإستشفائي في ظل في حالة الإنهيار الشامل الذي شهدناه، وذلك بالتعاون والتنسيق الكامل والمشكور مع نقابات اصحاب المستشفيات والأطباء والصيادلة ونقابة اصحاب الشركات المُستوردة للمستلزمات الطبية ومُمثلي الشركات المستوردة للأدوية ومُمثلي شركات صناعة الأدوية الوطنية ومُمثلين عن الضمان الإجتماعي ورئيس الإتحاد العمالي العام وخبراء اكفّاء مشهود لهم في مجال إصلاح السياسات الإقتصادية والمالية والنقدية.

١) تعريف بالدكتور جورج بطرس تادي:
ولد الدكتور جورج تادي العام 1963 في منطقة الأشرفية، وهو في الأصل من بلدة الكفور -النبطية. والده الرقيب المتقاعد في موسيقى الجيش السيد بطرس تادي، أما والدته فهي السيدة لوريس عون (ربّة منزل).

غادر إلى بلجيكا في العام 1980، وانتسب إلى جامعة بروكسيل الحرّة (ULB) وحاز إجازة في الطب (1987)، ثم غادر إلى باريس، لينتسب إلى أهم مركز لجراحة القلب في فرنسا (مستشفى LA PITIE SALPETRIERE) حيث تتلمذ على يد أحد مشاهير جراحة وزراعة القلب في العالم البروفسور “كريستيان كابرول”، وحاز هناك على 4 شهادات قبل أن يقوم بجولات تخصّص في كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.

لم يزاول مهنة الطب في الخارج بل عاد إلى لبنان العام 1995، ليقدّم ما اكتسبه من خبرة ونجاح في مجال جراحة القلب.

هو اذًا إختصاصي في جراحة وزراعة القلب في بيروت. وهو حاليًا رئيس الجمعيه الأوروبيه- الأسيويه لجراحة القلب وعضو الجمعيه الفرنسيه لجراحة القلب، وعضو الجمعيه الأميركيه لجراحة القلب ايضًا.

ترأّس في بداية مشواره المهني قسم جراحة الصدر والشرايين في مستشفى قلب يسوع. وجهّزه بالتعاون مع أستاذه البرفسور كابرول وترأّسه منذ العام 1999 لغاية العام 2006، حيث التحق بعدها بمستشفى المشرق وقام بتجهيز قسم خاص بجراحة وأمراض القلب والشرايين، الذي اصبح بعد فترة وجيزة القسم الأهمّ فيها، إذ انه كان يجري حوالي 400 عملية قلب مفتوح سنويًا.

وإثر عودته إلى لبنان طلب منه رئيس المستشفى العسكري العميد الطبيب جوزف خوري المساعدة لتطوير إختصاص القلب في الطبابة العسكرية، نظرًا الى النقص الموجود في مجال جراحة القلب والشرايين في المُؤسسة العسكرية. وإحساسًا منه بالإمتنان للمؤسـسة العسكرية التي ساندته وواكبته منذ الصغر واثناء تخصّصه، عمل الدكتور تادي في المستشفى العسكري المركزي من دون أي مقابل كطبيب مجاني، وساهم مع العميد خوري في إنشاء “لجنة القلب المفتوح” فيها، والتي لا تزال تعمل لغاية اليوم، ومهمّتها درس ملفات مرضى القلب من العسكريين وعائلاتهم، وإصدار القرارات الطبية الضرورية حولها. وهو يعمل حاليًا في مستشفى جبل لبنان.

٢-موجز عن واقع جراحة القلب في لبنان حاليًا: في لبنان حاليًا نحن نعاني الكثير من تداعيات الأزمات التي مرّ بها لبنان منذ حراك 17 تشرين اول 2019 ٢٠١٩ .وهي ازمات خطيرة لا تزال مُستمرّة لغايه يومنا هذا.وطبعا نتحدث عن الأزمات الإقتصاديه، المصرفيه ،السياسيه. كذلك هناك تداعيات جائجة كورونا وآثار انفجار المرفأ. وكل ذلك كان له آثار خطيرة على الطبابة والإستشفاء في لبنان. ونحتاج لوقت كبير لنحلّل كل التداعيات وتأثير جميع المشاكل التي حصلت على واقع العمل الطبي في لبنان بشكلٍ عام وعلى جراحة القلب بشكلٍ خاص وذلك على المدى المتوسط والبعيد.
لبعض المعلومات، لبنان لديه 24 مركزًا لجراحة القلب قبل العام 2019، 23 مركزًا موجودين في القطاع الخاص ومركزًا واحدًا موجود في مستشفى بيروت الحكومي مستشفى الشهيد الرئيس رفيق الحريري الحكومي الجامعي في منطقة الجناح) وهو تابع للقطاع العام.

وقد كان عدد العمليات الجراحية الكبيرة كعمليات الشرايين التاجية للقلب وعمليات تغيير الصمّامات التي كانت تُجرَى في لبنان لغاية العام 2019 حوالي 3200 عمليه “قلب مفتوح”، 120 عملية منها فقط كانت تجرى في المستشفى الحكومي والباقي كان يتمَ في المستشفيات التابعة للقطاع الخاص. وكان يجري في لبنان لغاية ذلك التاريج حوالي 100 عملية لجراحة الأطفال (لجراحة التشوّهات الخلقية عند الأطفال). وهي عمليات كانت تجري دائمًا في المستشفيات الخاصة.

في تشرين الثاني 2020 وبعد تفشّي “فيروس الكورونا” في لبنان اضطرت مراكز جراحة القلب تخفيف النشاط الجراحي لديها نظرًا لعدد حالات كوفيد-19 التي ازدادت بشكلٍ خطير في ذلك الوقت. ولذلك فقد اضطرّت المراكز الجراحية القلبية لوضع جميع اسره العنايه الفائقه لجراحة القلب تحت تصرّف المرضى الذين أصيبوا بكورونا. اذًا توقّف النشاط كليًا في جراحة القلب في لبنان خلال أربعه اشهر تقريبًا، اي خلال الشهرين الأخيرين من العام 2020 وبدايه العام 2021 نهائيا لإستعمال الأسرّة لمرضى الكورونا والذين كانوا بحاجة الى غُرف العناية المركّزة. وبعد انفجار المرفأ في بيروت، تعطلت عن العمل 3 مستشفيات كبيره في لبنان، وبهذا تمّ خسارة ما يقارب ال 500 سريرا تعطّلوا عن العمل بعد الإنفجار لفترات متفاوتة من اجل اعمال إعادة الترميم والتصليح والتجهيز واعمال الصيانة وغيرها. وبعد إنفجار المرفأ اضطر مركزين لجراحة القلب للتوقف عن العمل وهما مستشفى الروم الجامعي “سان جورج” ومستشفى الجعيتاوي، وذلك نظرًا لإصابة غرف العمليات والعنايه الفائقه فيهما بأضرار فادحه اخرجتهما من الخدمة مُؤقّتًا.

اذًا وبسبب إنتشار فيروس كورونا في لبنان بعد شهر ايار 2020، تموضعت عمليات جراحة القلب في لبنان كما في العالم أجمع. وقد انخفض عدد العمليات بشكلٍ كبير بسبب التزام الناس منازلهم لأجل الحدّ من إنتشار جائحة كورنا، والخوف الذي سيطر على الكثيرين ومنعهم من دخول المستشفى حتى لو كانوا في ذلك الوقت بحاجه لعمليه جراحيه في القلب. وذلك خوفًا من إلتقاط عدوى الفيروس من المستشفى. وبذلك انحصرت العمليات بالطارئ جدًا جدًا، وللمرضى الذين يعانون كانوا يعانون من آلام صدرية خطيرة، كما والذين كانت لديهم مشاكل متقدّمة في الصمامات غير قابلة لحلول اخرى ولا يمكن تأجيل مواعيد عملياتها ابدًا. وفي تلك الفترة لا يُمكن ان ابدًا ننسى ايضًا إصابات المُمرضين والمُمرضات والأطباء بالفيروس مما اضطر العديد من مراكز جراحة القلب لتخفيف العمليات بشكلٍ كثيف.

وشهد لبنان في تلك الفترة ايضًا إنخفاضا كبيرا في عدد العمليات التدخّلية للقلب اي في عدد عمليات توسيع الشرايين بالبالون مع زرع الروسورات او الدعامات التي كانت توضع. ويكمل الدكتور تادي : اذًا في العام 2019 كان لدينا 3200 عمليه قلب مفتوح تجرى في لبنان، لكن في سنه 2020 اصبحت 2200 عمليه، اي اننا شهدنا هبوطا بنسبة 30% تقريبًا في عدد عمليات القلب المفتوح. حتى ان عدد الروسورات قد هبط من 14 الف عملية توسبع شرايين مع زرع روسور في 2019 الى 11400 عملية في العام 2020، اي ان لبنان شهد هبوطًا بنسبه 20٪ تقريبًا بعدد عمليات التوسيع بالبالون والروسور في تلك الفترة.

٣) تغطية كلفة العمليات: من المعروف ان عمليات القلب المفتوح كانت تُغطّى بالكامل او بنسب كبيرة من كافه الهيئات الضامنة في لبنان، اي الضمان الاجتماعي، تعاونية موظفي الدولة، وزاره الصحة الوطنية، او المؤسسات العسكرية كالجيش والأمن الداخلي والأمن العام، بلدية بيروت وغيرها من صناديق التعاضد الخاصة ببعض المهن والإختصاصات وكذلك من قبل شركات التأمين الخاصة. وكانت وزارة الصحة تُغطّي لوحدها كلفة طبابة نصف المواطنين تقريبًا. وكانت هذه العمليات تُدفع بالليرة اللبنانية، على شكل تعرفة “مقطوعه” خاصة بكل جهاز او جهة ضامنة. حيث كان الضمان الاجتماعي يدفع حوالي 14 مليون ووزاره الصحه تدفع 9 مليون ليرة، اي كان يُعادل في العام 2019 بين 6000 و 9000 الاف دولار. في العام 2020 ومع تراجع سعر صرف الليره اللبنانيه بشكلٍ خطير، ،
اصبحت قيمة ما يدفع الضمان الاجتماعي تقريبًا فقط حوالي ال 1800 دولار اميركي، ووزاره الصحه 1200دولار اميركي. وحاليًا اي في العام 2022، وبعد الإرتفاع الكبير في سعر صرف الدولار اصبحت المبالغ التي تُدفع من قبل وزارة الصحة تُعادل حوالي 400 دولار اميركي والضمان الاجتماعي بحدود ال 500 دولار اميركي. لذلك لم يعد بإستطاعة المستشفيات الخاصه استقبال مرضى هذه المؤسسات الضامنة. وأصبحت هذه العمليه تجرى على عاتق المرضى بشكلٍ كامل تقريبًا ما عدا بعض الإستثناءات، حيث يتحمّل المريض جميع نفقات العمليات المُتعلّقه بجراحة القلب والشرايين. والدفع يكون حاليًا بالدولار “الفريش” او “الكاش”. وتبلغ مثلًا كلفة عملية تغيير الشرايين التاجية للقلب، وهي العملية الاكثر رواجًا في لبنان والعالم حوالي ال 6000 دولار اميركيًا تقريبًا كمعدّل وسطي بين مختلف المستشفيات لأن بعضها يتقاضى اكثر وبعضها يُراعي قليلًا الظروف الإقتصادية والإجتماعية للمرضى. اما عمليات تغيير او تبديل الصمامات ،فإن تكلفة الصمام الواحد تتراوح بين 1000 و 2000 دولار اميركي، بحسب نوع الصمام : “ميكانيكي او بيولوجي”. وهي تكلفة تُضاف الى الكلفة الإجمالية لجراحة الشرايين بشكلٍ عام مع بعض الإختلاف بين مستشفى واخرى. فحاليًا في لبنان فإنّ المستشفيات الخاصه هي التي تقوم بكامل العمليات المُتعلّقه بالقلب والشرايبن، خاصة بعد اعلان مستشفى رفيق الحريري الحكومي عن توقّف قسم جراحة القلب نظرًا لعدم إمكانيات الحصول على المعدّات والادويه اللازمه لإجراء هكذا عمليات. ويكمل الدكتور تادي انه من المؤسف ان نرى ما وصلنا اليه من أوضاع مأساوية بحيث انّ المريض يدفع من جيبه كامل التعرفه المطلوبة لهكذا عمليات دون اية مساعدة وازنة من طرف الجهات الضامنة وخاصةً وزارة الصحة والضمان الإجتماعي وغيرها من الجهات الضامنة التي انهارت.

٤- النقص في المستلزمات والمعدات والأدوية والتأثيرات الكارثية لتعاميم الحاكم بأمره: اما بالنسبه للنقص في المعدّات الطبيه، فكانت السنتين الأخيرتين صعبتين للغاية بخاصه في سنه 2020 و 2021. وقد كانت هناك بعض الإضطرابات التي لا بُدّ من الإشارة اليها وذلك لعدة اسباب منها : السبب الأول خارجي، وذلك بسبب أزمة جائحة كورونا التي شهدها العالم اجمع. حيث ان الشركات الكبرى قد خففت التصنيع واصبح هناك نقص في التجهيزات والمعدات والمستلزمات عالميًا وفي معظم الدول حتى المتقدّمة منها.

اما السبب الداخلي، فكانت المشكله الأكبر من تعاميم مصرف لبنان الذي وعد بدعم بعض المعدّات الطبيه ولا سيما تلك المُتعلقه بجراحة القلب كالصمامات والروسورات ومعدّات اخرى. ولكن حصلت حالة تخبّط وبلبلة كبيرة على مستوى اخذ القرارات وآليات تطبيقها ومتابعتها. وشهدنا مماطلة وتأخيرا كبيرا في الحصول على الإمضاء على الفواتير والمستحقات للجهة والمستلزمات المدعومة وفي فتح الإعتمادات للإستيراد. ولكل ذلك فقد اصيب هذا القطاع كما غيره من القطاعات الجراحية التي تتطلّب إستيراد مستلزمات من الخارج بضياع وبفوضى كبيرة. فحصل الدعم لبعض الامور وانعدم لغيرها، كما حصل تأخيرا مُتعمّدا احيانًا في فتح اعتمادات من المصرف المركزي. وبالنتيجه لم تستطع الشركات المُستوردة تأمين كميات كافيه من المُستلزمات والادويه ومن المعدات الطبيه. وفي العام 2022 بدأت الأمور تتحسن قليلًا نظرًا ان الشركات لم تعد تتكل على دعم مصرف لبنان. ولكننا لا نزال في الظرف الصعب ولا سيما بعد حرب اوكرانيا-روسيا حيث ان الكثير من المواد الأوليه التي تُستعمل في المعدات الطبيه ولا سيما في صمامات القلب الميكانيكيه التي تحوي ماده الكاربون او التيتانيوم، او بعض مشتقات غشاء قلب الخنزير المُخصّصه للصمامات البيولوجيه والتي هي مصدرها روسيا او اوكرانيا إرتفع ثمنها او فُقدت من السوق او انخفض إنتاجها بسبب الحرب. ولذلك اصبح هناك مشاكل في تصنيع بعض المعدّات المستعملة في جراحة القلب ونحن نعاني من ذلك حاليًا.

٥- واقع جراحة القلب حاليًا : ويُكمل الدكتور تادي، يمكننا القول ان جراحة القلب في لبنان لا تزال مُتماسكه رغم كل ما مرّ على لبنان من مآسي وازمات في السنوات الثلاثة الماضية. وقد انخفض عدد المراكز المخصصه لجراحة القلب في لبنان الى 12 مركزًا بعد ان كان هناك 23 مركزًا قبل بداية الأزمة. ولا تزال عمليات القلب نشطه، ونتائجها جيدة جدًا مقارنة مع نتائج الدول المُتقدّمة. وهنا يجدر الذكر ان كبار جراحي القلب لم يتركوا لبنان رغم ازماته المُتعدّده.

وللأسف ان المرضى يضطرون اليوم كما ذكرنا سابقًا لدفع الفاتورة كاملة. ونرى بسبب ذلك مضاعفات خطيرة لهذا الأمر.

اولًا، لأن المريض لا يملك كامل المبلغ المطلوب، ممّا يضطره لتأجيل العمليه الجراحية. وهذا لديه مُضاعفات خطيرة قد تؤدي الى الوفاة احيانًا، او الى الإصابة بقصور او ضعف كبير في عضله القلب بسبب التأجيل الطويل الأمد للعملية.

ثانيًا،عدم مساعدة المستشفيات لهؤلاء المرضى، سوى في بعض المستشفيات التي لديها إمكانيات مادية وصناديق تبرّعات كبيرة مُخصصة لهكذا امور.
ثالثًا، بسبب الازمه الاقتصاديه الخانقه، والمعاشات الضعيفه للممرضات اضطرت الطواقم التمريضية للهجرة او للعمل دون دافعية كما هو مفروض بسبب نقص الحوافز والقلق الدائم على الحاضر والمستقبل.

٦) مواكبة التطوّر العالمي ونوعية العمليات: في هذا السياق يقول الدكتور تادي ، بكل صراحه ورغم كل ما حصل في لبنان، فإنّ جراحة القلب في لبنان اليوم ليست في خطر، المرضى يتلقّون الطبابة والجراحة القلبية بطريقه صحيحه والنتائج لا تزال ممتازه مثلها مثل النتائج العالميه. وقد تمّ في بعض المرتكز تطوير جراحة الشرايين العصرية المعتمدة على الشرايبن فقط (Full arterial revascularisation) اي الجراحة التي يتمّ فيها فقط إستعمال شرايين فقط من من داخل الصدر او بإستعمال “الشريان الكعبري” المأخوذ من المعصم او بإستعمال احد شرايين المعدة والأمعاء، دون اخذ اوردة من الأرجل. تمامًا كما تحصل هذه العمليات في اوروبا واميركا، وقد طوّرنا جراحة القلب بالنسبه للصمامات بالطرق الأقل غزوًا وتغلغلًا (Minimally invasive surgery) اي بجرح لا يتعدى السنتمترات القليله مرورًا ما بين الأضلع من الجهة اليمنى ومع إستعمال فتحات اخرى صغيرة الحجم وكاميرات مُكبّرة لرؤية افضل اثناء العمليات . اذا فالتطور لا يزال موجودا والعمليات ناجحه والخطر الكبير غير موجود في الوقت الحاضر كما في الدول المتقدمة. الخطر الاساسي هو : هل جميع المرضى اللبنانين قادرين على تحمل اعباء صحيه بأموال كاش بدون اي دعم من الهيئات الضامنه؟ وهذا السؤال يُترك لإختصائيي القضايا الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه وفي عهدة الطبقة السياسية التي اوصلتنا الى هذه الأوضاع خاصة.

ويُكمل الدكتور تادي، من المُؤسف القول حاليًا ان جراحة القلب للأطفال قد تأثّرت كثيرًا. وهذا النوع من العمليات التي كانت تجرى في أربع مستشفيات في لبنان، وهي الجامعه الأميركيه اوتيل ديو، مستشفى حمود، ومستشفى رزق ولكن بشكل قليل جدًا قد توقًفت بشكلٍ شبه كامل بسبب هجرة الأطباء الذين كانوا يقومون بهكذا عمليات.

ومن المؤسف ان معظم جراحي القلب المُتخصصين للأطفال قد تركوا لبنان حاليا وهذا النوع من العمليات اصبحت خطره وجزء كبير من اطفالنا غير قادرين على إجراء هذه العمليات. وهناك محاولات كبيرة مع الجمعية اللبنانية لجراحة القلب لإيجاد الحلول لهذا المعضلة الخطيرة.

٧-الواقع الحالي للعمليات المُكلفة وغير المدعومة حاليًا في جراحة القلب: في ما يتعلق بعميلات تركيب الصمام الأبهر بواسطة القسطرة او التمييل (Transcutaneous Aortic Valve Implanation: TAVI)، فقد بدأ اطباء وجراحوا القلب في لبنان بإستعمال هذه التقنيه منذ بدايه العام 2015 تقريبًا، للمرضى الذين بلغوا سنّ الثمانين وما فوق ولديهم بعض المشاكل المرضية المزمنة التي تجعل العمل الجراحي عندهم باهظ الثمن لخطورته او لعدم قابلية تنفيذه كليًا بسبب مشاكل مُزمنة في الكلى او بالرئه او غيره.

وهؤلاء مرضى تُشكّل لهم العمليات الجراحيه بعض المضاعفات الخطره التي تؤدي الى الموت احيانًا. وقد اثبتت تقنية ال TAVI جدارتها وفعاليتها في العالم وأصبحت من التقنيات التي تطرح بطريقه روتينيه عند كبار السن او عند المرضى ذوي المخاطر المرتفعة (او حتى المتوسطة او الخفيفة كما كنت شرحت شخصيًا سابقًا في عدّة مقالات). المشكله فيها هو السعر، اذ ان تكلفة ال TAVI جدًا مرتفعة. وعادةً فإنّ تكلفة الصمامات المُعترف بها من الوكالة الأميركيه االغذاء والدواء (FDA) والمسموح إستعمالها في الولايات المتحدة هي 5 صمامات حتى تاريخ اليوم. وتبلغ كلفتها حوال 35 الى 45 الف دولار اميركي. وحتى العام 2019 كانت هذه الصمامات متوفرة ومُستعملة في لبنان، وكانت مدعومه، وكلفتها مقبولة حيث ان جميع المؤسسات الضامنه كالضمان وغيره من المؤسسات الضامنة كانت تغطي كلفتها. ومن المؤسف انه مع تفاقم الأوضاع الإقتصادية والمعيشية اصبحت تلك الصمامات غير مدعومه ولا تستطيع المؤسسات الداعمه كالضمان او وزاره الصحه او شركات التأمين وغيرها تغطيتها نسبه لكلفتها المرتفعه. ولذلك فإننا نشهد حاليًا تراجعًا ملحوظًا لل TAVI في لبنان لأنه لم يعد بإستطاعة المريض تغطيه كلفتها الباهظة. ولذلك يُفضّل المريض حاليًا العودة الى الجراحة او الطريقو الكلاسيكية وهي تغيير الصمام عبر فتح الصدر ولكن مخاطره اكبر كما قلنا عند المتقدمين بالسن او عند من يُعانون من امراض مُزمنة خطيرة او متقدّمة. ولكن خلال السنتين الماضيتين اجتاح السوق صمامات بيولوجية مُخصّصة لل TAVI مُصنّعه في الهند. وهي منسوخه عن الصمامات الأميركية والاوروبية. ولكنها غير معترف بها من الوكالة الأميركيه االغذاء والدواء، وهي لذلك غير مُستعملة في مستشفيات الولايات المتحدة. نتائج هذه الصمامات غير واضحة حتى تاريخ اليوم، وعلينا الإنتظار كي نرى تلك النتائج ومدى فعاليتها على المدى البعيد. ولكن سعرها متدنَي جدًا وهو حوالي 15 الف اميركي.

الموضوع الآخر هو موضوع الإجهزة الميكانيكية لمساندة عضلة القلب (Left Ventricular Assist Devices : LVAD), وهي عباره عن مضخات صغيرة لها بطارية خارجية من المُمكن شحنها بواسطة كابلات يتمّ تمريرها الى خارج الجسم تحت الجلد. وتهدف لمساندة القلب في حال الإصابة بقصور حادّ وخطير في عضلة القلب بإنتظار عمليات زراعة القلب الطبيعي او كعلاج نهائي عند بعض المرضى بسبب النقص الكبير الذي نعانيه في اعداد المتبرّعين بأعضاء طبيعية. وقد بدأ جراحو لبنان بإستعمالها في لبنان سنه 2009 و 2010.وهي تُشبه اذًا “قلب اصطناعي صغير” تعمل بواسطه بطاريه وتستعمل لضخ الدم في الأوعية الدموية، وهي مخصّصة كما قلنا للمرضى الذين يعانون من قصور حادّ في عضله القلب، وهم بالفعل بحاجه لزراعه قلب طبيعي، ولكن في حال عدم وجوده وتوفرّه (وهذا هو الحال في معظم دول العالم) نضع هذه الاجهزه المساعده في الجانب الأيسر للقلب لضخَ الدم ريثما نجد قلبًا لهم. ومنذ سنه 2010 ليومنا هذا، تمّ وضع اكثر من 100 مضخّة من هذا النوع في لبنان. وهي اجهزة باهظة الثمن، وعدد المراكز التي يجري فيها هكذا عمليات قليل جدا في لبنان. وتبلغ تكلفتها تقريبًا من 120 الف دولار اميركي وحاليًا حوالي ال 90 الف دولار اميركي. ولكن إستعمال هذه الأجهزة تأثّر كثيرًا من جرّاء تداعيات الأزمه الاقتصاديه حيث ان المؤسسات الضامنه كانت تغطي نسبه كبيره من تكلفتها تبلغ تقريبًا 85٪ من ثمنها. ولكن حاليًا الضمان الإجتماعي ووزارة الصحة وغيرها من المؤسسات الضامنة لا تغطّي اي مبلغ من تكلفتها.

ولذلك انخفضت عمليات تركيب الـ LVAD في لبنان الى الصفر تقريبًا حاليًا نظرًا لإرتفاع كلفتها على المريض بالاضافه الى كلفه المستشفى والطبيب.

٨-عمليات زراعة القلب على انواعها:
بداية وعلى هامش هذه المقالة أشير الى انه وبعد تواصلي شخصيًا مع السيدة فريدة يونان، المُنسّقة العامة للـ”الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة في لبنان”، علمت منها بحسب ما لديها من معطيات ان برنامج زراعة القلب في لبنان إنطلق في العام 1998 على يد الجرَاحين الصديقين، العزيز المرحوم، المتواضع جدًا والزاهد الدكتور “فايز ابو جودة”، الذي انتقل الى دار الحقّ والبقاء منذ اشهر قليلة هذه السنة بعد إصابته بمرض عضال، والدكتور محمد صعب، رئيس قسم جراحة القلب في “مستشفى حمود الجامعي” في ذلك الوقت ورئيس قسم جراحة القلب في “مستشفى الرسول الأعظم” حاليًا.

وان اول عملية زرع قلب جرت اذًا على يدي الجراحَين : صعب وابو جودة في مستشفى حمود الجامعي في صيدا في العام 1098 ، وبعدها حصلت عدّة عمليات مماثلة في مستشفيات رزق والمشرق وعجلتون والرسول الاعظم وخوري العام-زحلة وجبل لبنان والجامعة الأميركية.

وقد بلغ عدد عمليات زراعة القلب في لبنان حتى تاريخ اليوم : 39 عملية منذ إنطلاق البرنامج. وان آخر عملية من هذا النوع جرت في العام 2019 على يد الدكتور جورج تادي الذي اضاف جوابًا على اسئلتي: واخيرًا لدينا موضوع آخر من ضمن عمليات القلب التي تجرى في لبنان، وهي عمليه زرع القلب الطبيعي من واهب حيّ.

وهنا علينا ان نلفت النظر الى ان عمليات زرع القلب كانت شبه معدومه في لبنان حتى العام 1995، حيث تجمّع عدد من الأطباء المتخصّصين في زراعه القلب والكلى ،وساهموا بإنشاء الهيئه الوطنيه لوهب الأعضاء. واكمل الدكتور تادي: وقد اشتغلنا كثيرا على موضوع وهب الأعضاء وتفسير حالة “الموت الدماغي” حتى وصلنا الى العام 1998 ال اول عمليه زراعه قلب في لبنان من واهب ميت دماغيًا. ومنذ ذلك الوقت اصبح لدينا الهيئة الوطنيه لوهب وزراعة الأعضاء والأنسجة في لبنان. واصبح لبنان والسعوديه هما البلدان في العالم العربي اللذان يزرع فيهما قلب.

وهذا فخر لنا كلبنانيين. ولكن عمليات الوهب لا تزال متقطعه فهناك سنوات نحصل فيها على 5 اعضاء للزرع وسنوات اخرى نحصل على عضوين وسنوات اخرى خاليه من اي عمليه وهب للقلب ويجب العمل بكل الوسائل لتشجيع ثقافة وعب الأعضاء في لبنان بعد معاودة الحياة الطبيعية الى الوطن والى الجسم الطبي والإستشفائي. وقد كانت العمليه الاخيره لزرع قلب في العام 2019 على يدّ الدكتور تادي في مستشفى جبل لبنان.نفسه وقد تكللت بالنجاح. وفي عامي 2020 و 2021 توقّف برنامج عمليات زرع الأعضاء في العالم اجمع بسبب إنتشار “جائحه كورونا”، فأصبح جميع المرضى الموجودين في العنايه الفائقه مُصابين بالكورونا حيث لا نستطيع اخد اي عضو منهم. كذلك فإن عملية الزرع تستوجب تناول ادوية كابحة للمناعة وتزيد من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا. ولذلك توقفت كليًا عمليات الزرع وقد بدأت في بداية هذه السنة في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول بعد ان انخفضت مخاطر كورونا. وفي لبنان ايضًا توقفت عمليات الزرع بين عامي 2020 و 2021. اما سنه 2022 فالمراكز التي تقوم بهكذا عمليات هي بكامل الجهوزيه لإجراء عمليات زارعة القلب. ولكنها عمليات لم تحصل حتى تاريخ كتابة هذه المقالة في 15 آب 2022.

اما بخصوص عمليات نقل الأعضاء من الأشخاص المتوفّين نتيجة “موت قلبي” اي عمليات نقل القلب من اشخاص متوفين بعد توقّف القلب عندهم (:Donation after Cardiac Death (DCD فهذا موضوع يحتاج الى إقرار تشريعات وقوانين جديدة في لبنان. وهو ايضًا موضوع حسّاس ولا يزال يطرح حتى اليوم إشكاليات دينية وفلسفية وعقائدية كثيرة ويحتاج لدراسة مُطوّلة ومُعمّقة في لبنان، والى إنتظار نتائج هكذا عمليات في الدول التي سمحت بهكذا وسيلة لوهب ونقل الأعضاء.

اخيرًا وبالنسبة لعمليات “زرع قلب الخنزير المُعدّل وراثيًا” والتي جرت هذه السنة في الولايات المتحدة الأميركية، وهي عمليه تكللت بالنجاح وعاش المريض الذي خضع لها لمده شهرين وتوفي بعد ذلك بسبب التهابات فيروسية اصابت قلب المريض وادّت الى تلف القلب (كما اشرت شخصيًا في مقالاتنا السابقة)، فيقول الدكتور تادي اننا لا نزال بعيدين كل البعد عن هذا النوع من هذه العمليات بحسب وجهة نظري الخاصة. وهو نوع من العمليات لا يزال مرفوضًا علميًا كما قال لأننا لا نعرف المُضاعفات الجرثوميه التي قد تحصل مُذكّرًا بمثال “جائحة كورونا” حيث حصل تعديلًا بسيطًا في الفيروس التاجي في الخفافيش ورأينا كيف اجتاحت تلك الجائحة اللعينة التي نتجت عن ذلك كل العالم. ولذلك يقول تادي ان الحلّ الوحيد في ايامنا هذه هو تجييش الرأي العام لدعم ثقافة وهب الأعضاء ،ودون ذلك هناك مرضى سيموتون على لوائح الانتظار. دون ان ننسى اخيرًا ان تكلفه عمليه زراعة القلب الطبيعي تبلغ فقط في لبنان حوالي 35 الف دولار اميركي، في الوقت عينه تتراوح كلفتها في اوروبا بين 150 و 200 الف دولار اميركي. وتصل هذه التكلفة الى مبالغ اعلى بكثير في الولايات المتحدة الأميركية حيث هناك منافسة وتفاوت كبير ببن المراكز. والسبب هو ان عمليه وهب الاهضاء في لبنان مجانيه، واغلبيه الجراحين لا يأخذون بدل اتعابهم من اجل إجراء هكذا عمليات.

٩-توصيات للأطباء والجراحين الذين غادروا لبنان: وختم د. تادي مداخلته القيّمة برسالة محبّة الى جميع الأطباء الذين غادروا لبنان في هذه الازمة السياسية الإقتصادية المعيشية الخانقة قائلًا: ان عليهم ألاّ ينسوا ما قدّمه لهم هذا الوطن (البلد الام) من فرص عمل ونجاحات، وصداقات، وتطوّر، فضلًا عن المدخول المالي المهمّ الذي حصلوا عليه ايام النعيم والبحبوحة. ولذلك أتمنى ان تكون فتره غيابهم مُؤقّته وان يفكّروا بالعودة الجدّية الى البلد الأم في اسرع وقت مُمكن، لأننا كنا دائمًا وسنبقى “مستشفى الشرق الأوسط”، وان العالم بأسره كان يأتي للطبابه في لبنان، وسنعود كذلك بعد جلاء الغيوم المُلبّدة في سماء هذا الوطن. ووجه هذا النداء خاصة للأطباء الشباب الذين هاجروا مُؤخرًا لأن مهامهم كبيرة ومسؤولياتهم ستكون عظيمة، فهم سيكونون الأطباء الذين يجب عليهم طبابتنا وعلاجنا وعلاج الأجيال القادمة بعد ان اقترب جيلنا من سنوات التقاعد.. ولذلك ناشدهم بالعودة قريبًا لحمل مشعل الطبابة الرائدة في لبنان والشرق.


لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

الدكتور طلال حمود

الدكتور طلال حمود - طبيب قلب وشرايين - مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود - دكتوراه دولة في الطب العام، جامعة "غرينويل" فرنسا سنة 1994، إختصاص أمراض القلب والشرايين من جامعة ومستشفيات "غرينويل" و "باريس" في فرنسا ، سنة 1997. - إجازة جامعية في العلوم البيولوجية وعلم الإحصاء من جامعـة "غرينويـل" فرنسا سنة 1996. - شهادات جامعية باختصاص أمراض القلب عند الرياضيين، عمليات التمييل والبالون، التصوير الصوتي للقلب والشرايين وشهادة جامعية في إختصاص القلب الاصطناعي من جامعة ومستشفيات "فرنسا". - دبلوم حول عمليات التمييل والبالون وآخر تقنيات توسيع الشرايين خلال سنتين في معهد طب القلب في "مونتريال" كندا من سنة 1998 حتى سنة 2000. - قام بعدة أبحاث حول أمراض القلب والشرايين عند المصابين بمرض السكري تقنيات توسيع الشرايين بالبالون والراسور، أدوية تخثر الدم، علاج الذبحة القلبية في مستشفيات "باريس" و "مونتريال". - عضو الجمعية الفرنسية والجمعية الكندية لأمراض القلب والشرايين. - عضو فعّالل في الجمعية اللبنانية لأمراض القلب والشرايين حيث قام بتنظيم عدة مؤتمرات وندوات طبية مُتخصّصة في بيروت والمناطق اللبنانية المُختلفة وعدّة ندوات أخرى حول الوقاية من أمراض القلب والشرايين وطرق علاج وأسباب وعوارض هذه الأمراض وقد كان عضو فاعل في الهيئة التنفيذية لهذه الجمعية لفترة اربع سنوات ( 2010-2014) حيث شارك بشكل نشيط جدا في كل النشاطات والمؤتمرات الوطنية والدولية التي نظمتها الجمعية في تلك الفنرة. - يعمل حالياً في عدة مستشفيات مهمة في بيروت والجنوب : مستشفيات : الساحل , رفيق الحريري الجامعي ,بهمن في بيروت , الراعي ومركز لبيب الطبي في صيدا, النجدة الشعبية في النبطية وعمل سابقا في مستشفيات الرسول الاعظم –مركز بيروت للقلب ، جبل لبنان، المشتشفى العسكري المركزي ( بيروت ) ، وفي مستشفى حمود - صيدا. -طبيب مُسجّل ومُعتمد في نقابة الأطباء الفرنسية ويعمل بشكل دائم في عدّة مستشفيات مرموقة في فرنسا بمعدل مرة كل شهرين تقريبا في السنة. - له عدّة مقالات في المجلات الطبية المُتخصصة العالمية حول مواضيع الأبحاث المُشار إليها وعدّة مقالات في الصحف والمجلات اللبنانية الغير مُتخصّصة حول واقع أمراض القلب والشرايين في لبنان وطرق علاجها والوقاية منها وقام بتأليف موسوعة شاملة عن امراض القلب والشرايين تحوي على اكثر من ١٣٧ فصل وتتناول كل ما بمكن ان نريد ان نعرفه عن امراض القلب والشرايين وهو بصدد نشرها عبر مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية. -مؤسس ورئيس جميعة عطاء بلا حدود وهي جمعية انسانية, صحية, اجتماعية, ثقافية, تربوية وبيئية تأسست سنة 2005 وتعمل منذ ذلك التاريخ على زرع ثقافة العطاء في المجتمع اللبناني وقامت حتى تاريخ اليوم بتنظيم عدة ايام صحية مجانية شملت اكثر من 70 مدينة وقرية لبنانية وكل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وقد قامت بعدة نشاطات تربوية وبيئية واجتماعية وثقافية متعددة. ولديها مركز رعاية صحية مجانية في الضاحية الجنوبية يؤمن الادوية المزمنة لأكثر من 500 عائلة لبنانية مع مساعدات كثيرة للأخوة النازحين السوريين. -مؤسس ورئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وهو "ملتقى الوطني جامع وعابر للمناطق والأطياف والحدود" والذي كان لي شرف إطلاقه منذ حوالي سنة تحت وهو يضم عدد كبير من الوجوه السياسية والإعلامية والإنسانية والإقتصادية والاكاديمية والادبية ( وزراء حاليين وسابقين ، نواب مدراء عامون، اطباء ، اكاديميين رؤوساء جمعيات ورؤوساء بلديات من مختلف المناطق ، ناشطين في كل مجالات العمل الإنساني ) و التي اغنت كثيرا هذا الملتقى . وهو ملتقى يحاول ان يعمل فقط من اجل الوطن ، الإنسان والإنسانية عبر الإضاءة على كل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية والصحية والبيئية والثقافية التى يعانى منها لبنان وامتنا العربية والتعاون فيما بيننا من اجل السعي المتواضع لوضع إقتراحات وخطط لحل البعض منها، وليس الغوص في التحاليل السياسية والغرق في مستنقعاتها العميقة الموحلة. ومن المواضيع التي تم التداول بها حتى اليوم : _ الحرية في الرأي والتعبير، مدى تأثيره _ حرية الاعلام ودوره وتأثيره على المجتمع _الثروة النفطية والغاز في لبنان _ قطاع التكنولوجيا وما يحتويه من سلبيات وإيجابيات _ الجرائم الالكترونية _الدين العام وسندات الخزينة الوضع المالي والاقتصادي في لبنان وتأثيراته للمستقبل -سبل مكافحة الفساد في لبنان - خطر وسائل التواصل الإجتماعي على التففك الاسري والإجتماعي - الحروب المائية في المنطقة العربية - اهمية الذكاء الاصطناعي في تطور الطب -تشجيع دور المرأة في الإنخراط في العمل السياسية. -السياسة الروسية في الشرق الاوسط - صفقة القرن وتداعياتها على لبنان -مشكلة النزوح السوري في لبنان ومخاطر التوطين _العلاج الجيني تقدمه ودوره في معالجة الامراض _المشاكل النفسية والانتحار _ ثقافة زراعة ووهب الاعضاء _ موقف الاديان من ذلك_ الاعضاء التي يمكن زرعها..... -قضية مكتومي القيد في لبنان وغيرها وغيرها من المواضيع المهمة التي لا نزال نتناولها بوتيرة موضوع كل ثلاث ايام منذ ستة اشهر تقريبا إضافي الى تنظيم لقاء في دار الندوة حول إيجابات وسلبيات قانون الانتخابات النيابية الجديد بمشاركة الوزيرين مروان شربل وشربل نحاس والاستاذين ربيع هبر ومحمد شمس الدين بحضور عدد كبير من المهتمين وعقدنا لعدة لقاءات تعارفية وتنسيقية بين اعضاء الملتقى وسعينا وتحضيرنا لعدة مؤتمرات وطنية مستقبلية مهمة وعابرة للمناطق والطوائف لأنها تهم كل اللبنانيين. وقد تشكلت هيئة إستشارية للملتقى تضم عدد من الشخصيات الروحية والسياسية والإعلامية والإقتصادية والتربوية والاكاديمية والإنسانية والإجتماعية والبيئية - حوالي ٢٥ شخصية مرموقة- كلها من المتطوعين المتحمسين لهذا العمل الوطني الجامع- وقد عقدت عدة لقاءات دورية وهي في حالة إنعقاد وتشاور دوري ودائم وقد اقرت ورقة عمل خلفية اولية او ميثاق شرف للملتقى سوف نعرضه عليكم لاحقا بعد الإنتهاء من تنقيح وتشذيب بعض نقاطة وخلاصته اننا نسعى لتكوين بوتقة ( لوبي ضاغط) وطنية جامعة عابرة للطوائف والأطياف والمناطق والزورايب اللبنانية ولاحقا العربية في سبيل تصحيح سير الأمور والسعي لمعالجة كل القضايا الوطنية الملحة وهي متشعبة ومعقدة وخطيرة وتهدد مصير هذا الوطن وإستمراريته مع تفشي ظاهرة الفساد والهدر والمحاصصة وإنعدام حس المسؤولية عند معظم حكام هذا الوطن وغياب اقل مقومات العيش الكريم للمواطن اللبناني والعربي من بنى تحتية اولية وطبابة وتعليم ومؤسسات عادلة ونزيهة تعطي لكل مواطن حقه ولأن الحالة اللبنانية تعم معظم بلادنا العربية التي تتخبط بكل انواع الازمات واخطرها واهمها الإرهاب والتكفير وفساد الطبقة الحاكمة وعدم شعورها وتحملها لآهات وآلام شعوبها. والملتقى ينشط اليوم ويضم حوالى ٨٥٠ شخصية نخبوية من كل الإختصاصات السياسية والإدارية والإقتصادية والمالية والأكاديمية والإجتماعية والإنسانية والفكرية والثقافية موزعة على خمسة مجموعات . وقد نظّم الملتقى حتى اليوم عدة مؤتمرات وندوات مالية وإقتصادية واخرى لها علاقة بسُبل مكافحة الفساد والإصلاح السياسي والإقتصادي والنقدي وآليات وكيفية الإصلاح الدستوري والإداري في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى