الاحدثصحة عامة

واقع الجراحات القلبية (6) : التجربة الفرنسية بين الواقع الحالي والمستقبل!؟ | بقلم د. طلال حمود

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

في هذا الجزء من الملف نستكمل الحديث عن واقع الجراحة في فرنسا وعن التغييرات الجذرية التي شهدتها خاصة في السنوات العشرة الأخيرة. وسنتكلّم ايضًا عن بعض جوانب تنظيمها هنا حاليًا وعن التوصيات المتعلقة بضرورات التنسيق بين المراكز التي يُمكنها القيام بالجراحات “التقليدية او الروتينية” وتلك التي يجب ان تكون “مرجعية” أي “مُتخصصة” في بعض العمليات الثقيلة او المعقّدة. أخيرًا سنتحدث بشكل سريع عن التوصيات المتعلقة بتدريب جراحي القلب من اجل السعي للمحافظة على مستوى علمي معيّن وعلى مؤهلات مُتقدّمة.

1-التغييرات العميقة المُتوقّعة خلال السنوات العشر المقبلة:

يخلص خبراء ‎الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا الى ان هناك تغييرات عميقة وجذرية ستطال طب وجراحة القلب في السنوات العشر المقبلة ويستعرضون هذه التغييرات بشكلٍ سريع ويخلصون الى النقاط الأساسية التالية:

أ- في مجال طب القلب:

يقول الخبراء ان مرضى القلب المُعرّضون للموت المفاجئ ، سوف يستفيدون كثيرًا من الأجهزة الخارجية المزروعة لعلاج عدم انتظام ضربات القلب البطيني بواسطة ما يسمّى بـ”الصادم الكهربائي المزروع” او مُزيل الرجفان البطيني الداخلي” اوالمزروع (Internal ICD :Cardioverteur Defibrilator).

وسيتمّ تطوير أجهزة تنظيم ضربات القلب بدون أسلاك (Wireless Pace Maker). وستتوفّر رسورات او دعامات “بيولوجية” جديدة لتوسيع الشرايين التاجية للقلب “قابلة للتحلّل التدريجي في داخل الجسم بعد زرعها في داخل تلك الشرايين (Bioresorbable Scaffolds or Stents)، ذلك بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به التجربة السريرية التي امتدت لعدة سنوات والتي اصابت بمقتل كبير مسيرة هكذا رسورات او دعامات، بعد إضطرار شركة (Abbott) الأميركية التي سوّقت نوع من هذه الدعامات يسمّى (Absorb) لسحبه من الأسواق بعد عدة سنوات من إستعماله وزرعه عند اعداد هائلة من المرضى في مختلف انحاء العالم، بسبب حالات الإنسداد المُفاجئ في الشرايين التي زُرع فيها هكذا نوع من الدعامات، والتي كانت تحدث احيانًا كثيرة بشكلٍ متأخر جدًا، مما يُؤدّي لحدوث ذبحات قلبية حادة وحالات وفاة مُفاجئة من جرّاء ذلك بعد مرور ثلاث سنوات او اكثر على زرع هكذا دعامات. ويجزم الخبراء ايضًا بحدوث تطوّر كبير في “طب القلب الهيكلي” (Structural herat disease) بالطُرق التدخّلية من أجل علاج مرض قصور او تهريب الصمام التاجي (Mitral regurgitation)، وإغلاق الزائدة الأذينية اليسرى (Left (Atrial Appendage. وسيظلّ طب القلب التدخّلي هو الطريقة المُفضّلة والمُثلى لإغلاق الثقوب او الفتحات التي قد تكون موجودة بين الأذينين (Atrial (Septal Defects او بين البطينين (Ventricular Sepal Defects) دون التأثير على جراحة القلب.

ويُشدّد الخبراء على اهمية ان تجري كل هذه النشاطات بشكل إلزامي في المراكز والمستشفيات التي يوجد فيها “فريق قلبي” (Heart team) مُتكامل مع تنسيق وثيق بين الإختصاصات القلبية الطبية والجراحية.

ب- مستقبل جراحة القلب :

وهنا يلحظ الخبراء النقاط المهمة التالية:

أ -جراحة الشرايين التاجية للقلب:

إن قيمة إعادة تروية عضلة القلب عبر إجراء الجسور الأبهرية-التاجية لا تزال اساسية ومُثبتة ومعترف بها على نطاق واسع في هذا المجال. وهي تُعطي نتائج بعيدة المدى أفضل من تلك التي نحصل عليها بالطُرق التدخلية خاصة لناحية معاودة الإنسداد ومعاودة الدخول الى المستشفى.

ولذلك يُنصح حاليًا باللجوء الى هذه الجراحة خاصة اذا كان مرض تصلّب الشرايين اكثر خطورةً وانتشارًا (إصابات متعددة على الشرايين، في الحالات الأشد خطورة ، عند كبار السن وعند المرضى المُصابين بمرض السكري).

ويجب أن يتمّ الاستطباب بعد مناقشة طبية وجراحية دقيقة وإلزامية بواسطة الفريق القلبي الذي ذكرنا اهمّيته سابقًا. وينصح الخبراء بكل تأكيد بمحاولة إستعمال الشرايين لأجل هذا الهدف في كل مرّة تسمح حالة المريض بذلك (الشرايين الداخلية للثدي، الشريان الكعبري والشريان المعدي-الأمعائي) لأنها تُعطي نتائج أفضل بكثير على المدى البعيد من المجازات (الجسور الأبهريه التاجيه) التي تستعمل أوردة الساقين( Saphenous Vein Grafts). نتيجة لذلك، سيظلّ حجم هذا النشاط الجراحي مُستقرًّا، أو قد يزيد حتى قليلًا خلال السنوات العشره القادمة.

ب- جراحة الصمام الأبهر او الأورطي:

على الرغم من أن الاستبدال الجراحي للصمّام الأبهر يظل هو العمل المرجعي او المعيار الأساسي في هذا السياق ، إلا أن الجراحة ستتراجع كثيرًا وستنقلب الأمور رأسًا على عقب في السنوات العشره القادمة بالنسبة لعلاج مرض تضيّق الصمّام الأبهر المُتكلّس.

إن تأكيد وتمكين وتحسين نتائج العمليات بواسطة التقنيات التدخّلية TAVI سيتواصل وسيتوسع مجال هذه التقنيات ليشمل المرضى المعرضين لخطر “متوسط” او خفيف كما ذكرنا سابقًا. وسينخفض النشاط الجراحي لعلاج هذا المرض في السنوات العشر القادمة. ويجب قطعًا إجراء التدخلات عن طريق الجلد في المراكز الطبية-الجراحية المُعتمدة لذلك ويجب ان يتمّ ذلك من قبل فريق مُتعدّد التخصّصات ضمن “الفريق القلبي”.

ويُؤكّد الخبراء ان تطوير تقنيات ‎التصوير الشعاعي للقلب يجعل الغرف الجراحية الهجينة (Hybrid Rooms) اي الغرف التي من المُمكن فيها إجراء عمليات قلبية تدخّلية بواسطة اطباء القلب وعمليات جراحية بواسطة الجراحين في ذات الوقت) ضرورية. ويوصي الخبراء جراحو القلب بالإستثمار في الممارسة التداخلية وتعلّم هذه التقنيات. وسيتم دائمًا علاج جراحة قصور الصمّام الأبهر وأمراض الصمّام الأبهر المُرتبطة بأمراض الشريان الأبهر الصاعد جراحيًا.

c- جراحة الصمّام التاجي : هي موثوقة، ثابتة ومرجعية وستبقى مُستقرّة في السنوات العشرة القادمة. وقد اصبحت “الجراحة طفيفة التوغّل” (Minimally Invasive Surgery) بمساعدة الفيديو تدريجيًا جراحة روتينية في مجال علاج امراض هذا الصمّام بشرط ان تجري على ايدي اطقم طبية مُدرّبة جيدًا على هذه التقنيات. وسوف تستهدف الطرق التدخّلية لعلاج مرض قصور الصمام التاجي المرضى “الجديين” اي الذين يعانون من “حالات طبية حرجة” والذين لا يمكن لهم اصلًا ان يخضعوا للجراحة التقليدية لهذا الصمام في الوقت الحالي.

علاوة على ذلك ، فإن “التقدّم التكنولوجي” فقط هو الذي سيجعل هذه التقنيات التدخّلية لعلاج الصمام التاجي مستخدمة على نطاق أوسع وهذا ما يحصل حاليًا إذ ان هذه التقنيات اصبحت تُستعمل في علاج امراض هذا الصمام “البداية او الأوّلية” بعدما كانت تُستعمل فقط في بداية تطويرها لعلاج حالات قصور الصمام التاجي الثانوية.

ج- توسّع إستعمال “الجراحة المتدنية الانتهاك” او “الجراحة طفيفة التوغّل” Minimally Invasive Surgery

بمساعدة تقنيات الفيديو والتي ستصبح تدريجيًا الجراحة الروتينية في بعض المراكز. وهي تتطوّر ويتوسّع إنتشارها في مختلف المراكز الجراحية تحت ضغط من الجمهور ( المرضى) الذين اصبحوا يسمعون عنها في معظم وسائل الإعلام وفي شبكات التواصل الإجتماعي.

واصبحوا يطالبون الأطباء بها لأنهم يريدون جرح صغير جدًا لأسبابه مختلفة من اهمها سرعة الإلتحام وتقصير فتره البقاء في المستشفى والنقاهة او فقط الرغبة في ذلك لأسباب تجميلية لأن الجرح يكون جانبي وصغير جدًا في هذه الحالة. ولذلك فإنّ تطوير هكذا تقنيات جراحية يشير ضمنًا إلى أنه يجب على الجراح ان يكون قادرًا على الجمع بين خبرة الجراحة التقليدية وتلك الخاصة بالطُرق التي تعتمد على الفيديو مع إستعمال فتحات صغيرة جدًا تجعل حتمًا العمل الجراحي اكثر دقةً وتعقيدًا.

د- الجراحة في حالات وجود عدم انتظام في ضربات القلب:

هنا يلجأ الأطباء الى “الجمع” بين الإستئصال التدخّلي( Ablation) والنهج الجراحي طفيف التوغّل بهدف الوصول الى افضل النتائج عند المرضى الذين يعانون من هكذا امراض.

ه- الجراحة عند المرضى الذين يعانون من فشل القلب:

سيكون علاج قصور القلب الحادّ مجالًا في تطوّر كبير في السنوات العشر القادمة. وستتوفر عقاقير جديدة وقد بدأ اصباء القلب إستعمال الكثير منها حتى تاريخ اليوم وعي تعطي نتائج مُذهلة وواعدة جدًا لناحية تخفيف الأعراض بشكلٍ كبير. وكذاك في تخفيف حالات معاودة الدخول الى المستشفى وحتى نسبة الوفيات القلبية والعامة الناتجة عن هذا المرض. كذلك يُشير الخبراء الى تطوير التقنيات الميكانيكية لمساندة الدورة الدموية خاصة عبر توسيع إستعمال جهاز ال ECMO الذي اصبح في مُتناول معظم او جميع الفرق الجراحية تقريبًا. وهذا ما سيجعل من الممكن تحقيق حالة من “الاستقرار النسبي” لدى هؤلاء المرضى. وهذا ما سيسمح لاحقًا بتوجيههم نحو البرامج الطبية الجراحية المُعتمدة من اجل زراعة اجهزة مساعدة الدورة الدموية الميكانيكية “الثقيلة” او “المعقّدة” لفترات قصيرة أو طويلة الأجل او للوصول الى عمليات زراعة القلب الطبيعي في حال توفّر الشخص الواهب او المتبرّع.

و- تمدّد وتوسيع الجراحة من اجل إستعمال اجهزة دعم او مساندة الدورة الدموية ميكانيكيًا على المدى القصير، والطويل:

بالإضافة إلى زراعة هكذا اجهزة في حالات ما يسمى “الجسر لزراعة القلب” اي في الحالات التي نضطر فيها لإستعمال هكذا اجهزة لمساندة المريض ولإبقائه في حال مستقرّة بإنتظار الحصول على قلب طبيعي من متبرع ما لزرعه عند هذا المريض. هنا يُشير الخبراء الى ان التقدّم الحاصل في تطوير هكذا اجهزة يجعل من المُمكن التفكير في مساعدة ثقيلة طويلة الأجل (علاج الوجهة النهائية لقصور القلب بدل زراعة قلب طبيعي) عند المرضى المُتقدّمين في السن و / أو الذين لا يمكنهم الاستفادة من عملية زراعة قلب لأسباب مختلفة. لكن هناك عقبة كبيرة لا تزال تواجه هذه الأجهزة مما يحدّ كثيرًا من عملية توسيع إستعمالاتها وهي حصول حالات إلتهابات في الأسلاك المارّة تحت الجلد من اجل تغذية هكذا اجهزة بالطاقة. ولذلك ستبقى محدودة الإستعمال نسبيًا طالما لم يتمّ الحصول على حلّ يسمح بإيصال الطاقة الى هذه الأجهزة عبر الجلد ودون تمرير اية اسلاك هي سبب لحصول حالات إلتهابات خطيرة تُؤدّي الى مضاعفات كبيرة والى الوفاة في بعض الحالات.

ز- جراحة زراعة القلب الطبيعي:

من المُحتمل جدًا أن يظلّ عدد عمليات زراعة القلب في فرنسا حوالي 400 إلى 500 حالة سنويًا، على الرغم من تخفيف القيود النسبي الذي حصل مُؤخرًا من اجل السماح بإستئصال الأعضاء. ويتمّ حاليًا إجراء ثلثي عمليات الزراعة بواسطة 13 فريقًا جراحيًا، ممّا قد يُؤدّي في المستقبل القريب إلى إعادة النظر في التراخيص المتعلقة بالمراكز ذات النشاط المُنخفض في هذا المجال (أقل من 15 عملية زراعة قلب سنويًا). وعند مقارنة نتائج أنظمة المساعدة الميكانيكية “طويلة المدى” أحادية البطين أو “القلوب الاصطناعية” بنتائج الزراعة القلبية الطبيعية يظهر في الوقت الحاضر ان النتائج قابلة للمقارنة فقط في العامين الأولين من العملية. ولكن “العلاج المرجعي” في هذا المجال يبقى حتى الساعة هو زراعة القلب الطبيعي مع بقاء حوالي 50٪ من المرضى الذين تلقّوا قلبًا طبيعيًا على قيد الحياة بعد مرور 12 عامًا على إجراء عملية الزرع.

2-تنظيم جراحة القلب في فرنسا:

تُعدّ جراحة القلب “كيانًا مُحدّدًا ومستقلّا إلى حدٍ ما . ويجب مُمارسته في بيئة طبية-جراحية بما في ذلك: جراحة القلب مع العناية المركزة و / أو الإنعاش القلبي ، وأمراض القلب السريرية والتداخلية والإيقاعية (اي تلك التي تهتم بمشاكل كهرباء القلب)، ووحدة قصور القلب.

ولضمان الإدارة الشاملة للمريض وأمراضه ، تحتاج جراحة القلب إلى اتصالات قوية ، بدايةً من أقسام التخدير والتصوير الطبي بكل إختصاصاته الشعاعية والرنين المغناطيسي، ووحدة الاستكشافات التنفسية الوظيفية والمختبر.

كذلك يجب ان تكون على تواصل دائم مع اقسام الإنعاش “مُتعدّد الأغراض” وأمراض القلب وإعادة التأهيل القلبي من أجل ضمان سيولة وحُسن توزيع رعاية المرضى وتجنب أي ازدحام فيها.

ويقول الخبراء ان جراحة القلب عند الأطفال بحكم خصوصيتها ستبقى من اختصاص مراكز مرجعية لديها خبرة واسعة في هذا المجال. ويجب إجراء هذه الجراحة على نفس نمط او تنظيم جراحة البالغين ، داخل وحدة جراحية للقلب وطب الأطفال تغطي أمراض القلب الطبية للأطفال وتصوير الأطفال وأمراض القلب التداخلية وأطباء التخدير والإنعاش والجراحة.

و‎يشمل التنظيم الحالي لجراحة القلب للأطفال في فرنسا في شمال نهر “لوار” (Loire)، حيث يتواجد 60٪ من السكان، 6 مراكز جراحية من ضمنها ثلاثة مراكز تقع في منطقة باريس. و جنوب نهر “لوار” حيث يتواجد 40٪ من السكان، 6 مراكز في ست مدن فرنسية مختلفة. وتسير جودة النتائج جنبًا إلى جنب مع حجم مُعيّن من النشاط. والتقدير الأمثل للمركز للحصول على افضل النتائج الجراحية والسريرية يقترب من 500 عملية جراحية في السنة مع وجود 4 جرّاحي قلب كحدّ امثل. وعلى أي حال ، لا يمكن أن يكون الحد الأدنى لحجم النشاط أقل من 250 عملية جراحية في السنة لجرّاحين.

وبالنظر إلى عدد الحالات المُحتملة التي سيتمّ علاجها كل عام (3000 طفل) ، يمكن تبرير التوزيع الوطني على 6 مراكز. ويمكن تقدير أن 15 إلى 20٪ من أمراض القلب الخلقية التي يتمّ إجراؤها في مرحلة الطفولة سوف تتطلب إعادة الجراحة عند البالغين بعد 15 إلى 20 عامًا من إجراء الجرزحة الأولى.

3-هل يجب على المراكز الجراحية أن تقوم بكل انواع الجراحات؟

من الواضح أن الإجابة على هذا السؤال هي لا، لأن هناك مستويين من الكفاءة: جراحة القلب “الروتينية” عند البالغين. وأساس النشاط الجراحي هنا يشمل جراحات (الصمام الأبهر ، التاجي ، الجسور- الأبهرية التاجية ، إلخ) والتي يجب إجراؤها في المراكز “القريبة”.
والجراحة “المتخصّصة” او “الدقيقة” والتي يجب.إجراؤها في مراكز “مرجعية”.

أ-الجراحة الروتينية في مراكز “القرب” ويخضع تنظيم هذه الأقسام المحلية لثلاثة أسباب منطقية :

إقليمية وتقنية ومالية. وهي مراكز يتمّ فيها جراحة القلب التقليدية (الصمامات ، جراحة الشرايين التاجية للقلب ، الشريان الأبهر او الأورطي وحالات الطوارئ).

وهي جراحة مُنظّمة تهمّ جميع المراكز، ، بشرط الوصول إلى عدد كافي ادنى من العمليات سنويًا (600 عملية في السنة) (لثلاثة جراحين ، 200 عملية لكل منهم).و يبدو هذا الحدّ الأدنى من النشاط السنوي لجراحة قلب البالغين واقعيًا. يجب أن تكون هذه المراكز في منطقة سكانية لا يقلّ عدد السكان فيها عن 1.3 مليون نسمة، ، بإستثناء الأقاليم ومناطق ما وراء البحار التابعة لفرنسا (DOM-TOMs) لأسباب تتعلق بالعامل الجغرافي والبعد عن الدولة الأم.

ومن المُستحسن أن تقوم الفرق ذات النشاط الجراحي المُنخفض بالإندماج فيما بينها لتحقيق هذه الأهداف مع ترك إمكانية النشاط المجدول لهم في عدة مواقع إذا لزم الأمر. وهذا سيجعل من الممكن زيادة عدد الجراحين للوفاء بالإلتزامات القانونية التي تتطلب التواجد المُستمرّ لجراحَين القلب في كل موقع (بما في ذلك ايام الإجازات) وتأمين وجود جرّاح واحد على الأقل على جدول العمل اليوم ولتغطية جدول المناوبات الطارئة ولتغطية بسبب حاجة من يعمل 24 ساعة لما يسمى راحة السلامة الإلزامية.

و‎لأسباب تتعلّق بجودة الرعاية والكفاءة التشغيلية وتوازن الميزانية المالية، يبدو من الضروري مواصلة جهود التوحيد والإندماج التي بُذلت تدريجيًا في المدن الكبرى.

وكما اشرنا سابقًا فإن مستقبل المراكز الطبية والجراحية سيتطلّب حتمًا الاجوء الى الغرف الجراحية الهجينة” التي تسمح بذات الوقت بإجراء جراحة القلب التقليدية والأقل غزوًا إضافة الى طب القلب التداخلي. ومن الضروري الإستمرار في الحصول على صندوق مشترك للبيانات ، مما يضمن أفضل النتائج المُمكنة، والمُصادقة عليها ومُراقبتها في قاعدة بيانات EPICARD الخاصة بـ الجمعية الفرنسية لجراحة الصدر وامراض القلب والشرايين من اجل دراسات علم الأمراض وإحصاء لإختلاطات الجانبية والوفيات بعد هكذا عمليات.

2- المراكز المرجعية ومن الضروري وجود “مراكز مرجعية” تقوم ، بالإضافة إلى جراحة القلب التقليدية ، بإجراء جراحة القلب التقليدية كملاذ ثانٍ بعد معاودة المرض او تدهور حالة المريض بعد جراحة اولى لأن هذه الجراحات تكون اخطر وادقّ ولها إختلاطات جانبية مهمة. هذه المراكز تقوم ايضًا يإجراء عمليات “جراحية ثقيلة” او غير إعتيادية او متكررة. ويبلغ مجموعها السنوي ما يقرب من 200 مريض وهي تشمل: جراحة القوس الأبهري و / أو الشريان الأورطي الصدري الهابط ، وجراحة الصمام التاجي الكبير ، والمرضى الذين يعانون من عمليات جراحية متعددة (> 3) ، جراحة أمراض القلب الخلقية في مرحلة البلوغ التي تتطلب إعادة الجراحة، علاج ارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي بعد الإنسداد الناتج عن جلطات رئوية مُزمنة ، إلخ…و يجب أن تتولى هذه المراكز المرجعية إجراء كل العمليات الجراحية الثقيلة التي قد نحتاج اليها في حالة فشل القلب الحادّ في نهاية المرحلة المُتقدّمة لهذا المرض ومنها كل انواع اجهزة المساعدة الميكانيكية للقلب. ويجب أن تحصل هذه المراكز على تصريح لزراعة القلب ايضًا.

أخيرًا، يجب ان تمتلك المراكز المرجعية الثقيلة مهمة وخبرة واسعة في مجال “الابتكار الطبي”. ويجب أن تستند فكرة مركز الخبراء إلى تحليل عدد الأعمال والنتائج لكل الأجهزة والتقنيات المتوفرة ، حتى لا تستمر في إستعمال بعض التطبيقات التي فشلت بمرور الوقت في إثبات فعاليتها من حيث المخاطر والفوائد والتكاليف (على سبيل المثال: جراحة الشرايين التاجية بمساعدة “الروبوت” ، ما يسمى بالصمامات الجراحية “بدون خياطة” وما الى ذلك… ويجب عليها أن تسعى لتحسين سلسلة الرعاية ، وتقصير وقت الإستشفاء ، وخفض التكاليف وربحية المعدات باهظة الثمن.

هنا نشير ايضًا انه من الضروري إقامة روابط تعاقدية بين المراكز المحلية والمراكز المرجعية، من أجل رعاية المرضى الذين يحتاجون إلى جراحة استدراك او نقل سريع من مؤسسة الى اخرى. ومن الضروري أن يتمكن الجراحون من المراكز المحلية من القدوم وإجراء العمليات الجراحية لمرضاهم “اصحاب الحالات المُعقّدة” داخل فرق المركز المرجعي ومعها.

4- التدريب على جراحة القلب:

يعمل في فرنسا حاليًا حوالي 530 جرّاح قلب وشرايين في 63 مركز جراحي كما اشرنا سابقًا.

إن احتياجات التدريب والتعليم المُستمرّ لجرّاحي القلب محدودة ولكنها كافية وهي حوالي 10 ايام من التدريب الإضافي كل عام لتجديد القوى العاملة الحالية. ويُشدد الخبراء على انّ جراحة القلب هي مهنة يدوية تتطلّب المرافقة مع الخبراء والتعلّم بالممارسة. وقد تمّ تخفيض التدريب الطويل للغاية إلى 6 سنوات فقط. ويجب أن تكون التقنيات التدخّلية في الأوعية الدموية وجراحة الفيديو والأساليب “طفيفة التوغل” جزءًا من هذا التدريب تحت رعاية الكلية الفرنسية لجراحة الصدر والقلب والأوعية الدموية. على الرغم من الصعوبات، سيكون من الضروري للغاية إعادة اعتماد جميع الجراحين كل 5 سنوات. إن مُمارسة جراحة القلب التي تتطلب تخصّصا واحترافًا مُفرطًا مُعترفًا به من قبل الجميع ، يجب أن تأخذ في الاعتبار رغبات الجيل الجديد، الذي “يجب أن يُكيّف العمل مع الحياة الشخصية وليس العكس”. وسيتعين علينا التنقل بين “جودة الحياة” و”جودة رعاية المريض” و “الراحة التعويضية” ما بعد ايام العمل الشاق او المناوبات الليلة الطويلة.

5- إستنتاجات وتوصيات الأكاديمية الوطنية للطب:

نظرًا للحالة الحالية لجراحة القلب والتنبؤ بزيادة أمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بتقدّم السنّ عند المرضى الذين سوف نعالجهم في المستقبل، توصي الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا بما يلي:

– تجميع المراكز لإنشاء “وحدات جراحة القلب” ذات النشاط الكافي لثلاثة من كبار الجراحين ، من أجل الوفاء بالإلتزام القانوني للحضور المُتزامن لجراحَي قلب لكل عملية جراحية.

– لإنشاء شبكات جراحة القلب التي تضمّ مراكز محلية توفر جراحة القلب الروتينية للبالغين (جراحة الشرايين التاجية وجراحة الصمامات) لسكان يبلغ عددهم حوالي 1.3 مليون نسمة ومراكز مرجعية ، من أجل أجراء العمليات الثقيلة او غير الإعتيادية، زراعة القلب وزرع اجهزة مساندة القلب الميكانيكية.

– إستمرار علاج امراض القلب الخلقية في “مراكز مرجعية” مُتخصّصة في ذلك.

-إستمرار وتوسع إستغلال قاعدة البيانات الموجودة في الجمعية الفرنسية لجراحة الصدر وامراض القلب والشرايين وإعتمادها لتقييم نتائج كل جرّاح كل خمس سنوات من اجل معرفة النتائج التي حققها والنقاط التي يجب عليه تداركها او تطويرها. وتوصي الأكاديمية بمحاولة إعتماد ذات الطريقة لتقييم عمل اطباء القلب التدخّليين لأجل محاولة إجراء ذات التقييم.


لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

الدكتور طلال حمود

الدكتور طلال حمود - طبيب قلب وشرايين - مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود - دكتوراه دولة في الطب العام، جامعة "غرينويل" فرنسا سنة 1994، إختصاص أمراض القلب والشرايين من جامعة ومستشفيات "غرينويل" و "باريس" في فرنسا ، سنة 1997. - إجازة جامعية في العلوم البيولوجية وعلم الإحصاء من جامعـة "غرينويـل" فرنسا سنة 1996. - شهادات جامعية باختصاص أمراض القلب عند الرياضيين، عمليات التمييل والبالون، التصوير الصوتي للقلب والشرايين وشهادة جامعية في إختصاص القلب الاصطناعي من جامعة ومستشفيات "فرنسا". - دبلوم حول عمليات التمييل والبالون وآخر تقنيات توسيع الشرايين خلال سنتين في معهد طب القلب في "مونتريال" كندا من سنة 1998 حتى سنة 2000. - قام بعدة أبحاث حول أمراض القلب والشرايين عند المصابين بمرض السكري تقنيات توسيع الشرايين بالبالون والراسور، أدوية تخثر الدم، علاج الذبحة القلبية في مستشفيات "باريس" و "مونتريال". - عضو الجمعية الفرنسية والجمعية الكندية لأمراض القلب والشرايين. - عضو فعّالل في الجمعية اللبنانية لأمراض القلب والشرايين حيث قام بتنظيم عدة مؤتمرات وندوات طبية مُتخصّصة في بيروت والمناطق اللبنانية المُختلفة وعدّة ندوات أخرى حول الوقاية من أمراض القلب والشرايين وطرق علاج وأسباب وعوارض هذه الأمراض وقد كان عضو فاعل في الهيئة التنفيذية لهذه الجمعية لفترة اربع سنوات ( 2010-2014) حيث شارك بشكل نشيط جدا في كل النشاطات والمؤتمرات الوطنية والدولية التي نظمتها الجمعية في تلك الفنرة. - يعمل حالياً في عدة مستشفيات مهمة في بيروت والجنوب : مستشفيات : الساحل , رفيق الحريري الجامعي ,بهمن في بيروت , الراعي ومركز لبيب الطبي في صيدا, النجدة الشعبية في النبطية وعمل سابقا في مستشفيات الرسول الاعظم –مركز بيروت للقلب ، جبل لبنان، المشتشفى العسكري المركزي ( بيروت ) ، وفي مستشفى حمود - صيدا. -طبيب مُسجّل ومُعتمد في نقابة الأطباء الفرنسية ويعمل بشكل دائم في عدّة مستشفيات مرموقة في فرنسا بمعدل مرة كل شهرين تقريبا في السنة. - له عدّة مقالات في المجلات الطبية المُتخصصة العالمية حول مواضيع الأبحاث المُشار إليها وعدّة مقالات في الصحف والمجلات اللبنانية الغير مُتخصّصة حول واقع أمراض القلب والشرايين في لبنان وطرق علاجها والوقاية منها وقام بتأليف موسوعة شاملة عن امراض القلب والشرايين تحوي على اكثر من ١٣٧ فصل وتتناول كل ما بمكن ان نريد ان نعرفه عن امراض القلب والشرايين وهو بصدد نشرها عبر مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية. -مؤسس ورئيس جميعة عطاء بلا حدود وهي جمعية انسانية, صحية, اجتماعية, ثقافية, تربوية وبيئية تأسست سنة 2005 وتعمل منذ ذلك التاريخ على زرع ثقافة العطاء في المجتمع اللبناني وقامت حتى تاريخ اليوم بتنظيم عدة ايام صحية مجانية شملت اكثر من 70 مدينة وقرية لبنانية وكل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وقد قامت بعدة نشاطات تربوية وبيئية واجتماعية وثقافية متعددة. ولديها مركز رعاية صحية مجانية في الضاحية الجنوبية يؤمن الادوية المزمنة لأكثر من 500 عائلة لبنانية مع مساعدات كثيرة للأخوة النازحين السوريين. -مؤسس ورئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وهو "ملتقى الوطني جامع وعابر للمناطق والأطياف والحدود" والذي كان لي شرف إطلاقه منذ حوالي سنة تحت وهو يضم عدد كبير من الوجوه السياسية والإعلامية والإنسانية والإقتصادية والاكاديمية والادبية ( وزراء حاليين وسابقين ، نواب مدراء عامون، اطباء ، اكاديميين رؤوساء جمعيات ورؤوساء بلديات من مختلف المناطق ، ناشطين في كل مجالات العمل الإنساني ) و التي اغنت كثيرا هذا الملتقى . وهو ملتقى يحاول ان يعمل فقط من اجل الوطن ، الإنسان والإنسانية عبر الإضاءة على كل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية والصحية والبيئية والثقافية التى يعانى منها لبنان وامتنا العربية والتعاون فيما بيننا من اجل السعي المتواضع لوضع إقتراحات وخطط لحل البعض منها، وليس الغوص في التحاليل السياسية والغرق في مستنقعاتها العميقة الموحلة. ومن المواضيع التي تم التداول بها حتى اليوم : _ الحرية في الرأي والتعبير، مدى تأثيره _ حرية الاعلام ودوره وتأثيره على المجتمع _الثروة النفطية والغاز في لبنان _ قطاع التكنولوجيا وما يحتويه من سلبيات وإيجابيات _ الجرائم الالكترونية _الدين العام وسندات الخزينة الوضع المالي والاقتصادي في لبنان وتأثيراته للمستقبل -سبل مكافحة الفساد في لبنان - خطر وسائل التواصل الإجتماعي على التففك الاسري والإجتماعي - الحروب المائية في المنطقة العربية - اهمية الذكاء الاصطناعي في تطور الطب -تشجيع دور المرأة في الإنخراط في العمل السياسية. -السياسة الروسية في الشرق الاوسط - صفقة القرن وتداعياتها على لبنان -مشكلة النزوح السوري في لبنان ومخاطر التوطين _العلاج الجيني تقدمه ودوره في معالجة الامراض _المشاكل النفسية والانتحار _ ثقافة زراعة ووهب الاعضاء _ موقف الاديان من ذلك_ الاعضاء التي يمكن زرعها..... -قضية مكتومي القيد في لبنان وغيرها وغيرها من المواضيع المهمة التي لا نزال نتناولها بوتيرة موضوع كل ثلاث ايام منذ ستة اشهر تقريبا إضافي الى تنظيم لقاء في دار الندوة حول إيجابات وسلبيات قانون الانتخابات النيابية الجديد بمشاركة الوزيرين مروان شربل وشربل نحاس والاستاذين ربيع هبر ومحمد شمس الدين بحضور عدد كبير من المهتمين وعقدنا لعدة لقاءات تعارفية وتنسيقية بين اعضاء الملتقى وسعينا وتحضيرنا لعدة مؤتمرات وطنية مستقبلية مهمة وعابرة للمناطق والطوائف لأنها تهم كل اللبنانيين. وقد تشكلت هيئة إستشارية للملتقى تضم عدد من الشخصيات الروحية والسياسية والإعلامية والإقتصادية والتربوية والاكاديمية والإنسانية والإجتماعية والبيئية - حوالي ٢٥ شخصية مرموقة- كلها من المتطوعين المتحمسين لهذا العمل الوطني الجامع- وقد عقدت عدة لقاءات دورية وهي في حالة إنعقاد وتشاور دوري ودائم وقد اقرت ورقة عمل خلفية اولية او ميثاق شرف للملتقى سوف نعرضه عليكم لاحقا بعد الإنتهاء من تنقيح وتشذيب بعض نقاطة وخلاصته اننا نسعى لتكوين بوتقة ( لوبي ضاغط) وطنية جامعة عابرة للطوائف والأطياف والمناطق والزورايب اللبنانية ولاحقا العربية في سبيل تصحيح سير الأمور والسعي لمعالجة كل القضايا الوطنية الملحة وهي متشعبة ومعقدة وخطيرة وتهدد مصير هذا الوطن وإستمراريته مع تفشي ظاهرة الفساد والهدر والمحاصصة وإنعدام حس المسؤولية عند معظم حكام هذا الوطن وغياب اقل مقومات العيش الكريم للمواطن اللبناني والعربي من بنى تحتية اولية وطبابة وتعليم ومؤسسات عادلة ونزيهة تعطي لكل مواطن حقه ولأن الحالة اللبنانية تعم معظم بلادنا العربية التي تتخبط بكل انواع الازمات واخطرها واهمها الإرهاب والتكفير وفساد الطبقة الحاكمة وعدم شعورها وتحملها لآهات وآلام شعوبها. والملتقى ينشط اليوم ويضم حوالى ٨٥٠ شخصية نخبوية من كل الإختصاصات السياسية والإدارية والإقتصادية والمالية والأكاديمية والإجتماعية والإنسانية والفكرية والثقافية موزعة على خمسة مجموعات . وقد نظّم الملتقى حتى اليوم عدة مؤتمرات وندوات مالية وإقتصادية واخرى لها علاقة بسُبل مكافحة الفساد والإصلاح السياسي والإقتصادي والنقدي وآليات وكيفية الإصلاح الدستوري والإداري في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى