لبنان: استحالة الحلّ باستمرار الغرور، لا حل بدون تواضع
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
جلست في محاضرة لأحد أصدقائي المثقفين منذ أسبوعين، خارج لبنان، استمع إليه يشرح عن الذكاء العلاقاتي “Relational Intelligence” ودوره في بناء وتمتين التفاعل الايجابي بين البشر. وقد افتتح جلسته بالسؤال التالي: “كيف نتغير لنصبح أفضل”؟ وهنا تسابق الحضور في محاولة الاجابة عن السؤال. فمنهم من قال أننا نتغير من خلال التجربة، ومنهم من قال أننا نتغير بدافع الحاجة، وغيرهم من قال أننا نتغير للهروب من الألم. ولعلها جميعاً إجابات فيها شيئاً من الحقيقة، لكنها لم تكن صحيحة بكليتها.
وبعد استنفاذ الاجابات، قدم صديقي الاجابة الصحيحة قائلاً: “نحن يمكن أن نتغير للأفضل فقط إذا كنا قابلين للتعلم. وقبول التعلم فيه فعل تواضع، أي أن الانسان يجب أن يعترف بعدم معرفته حتى ينفتح ذهنه وقلبه للتعلم، وبالتالي للتغيير”.
أسعدني هذا القول جداً لأنني تعلمت منه إحدى أبسط وأسرع الطرق للتغيُّر؛ “التواضع بهدف التَعلُم”. لكن قول صديقي أوجعني كثيراً أيضاً، وهذا فوق كل وجعي على لبنان. أوجعني لأني لمست مستويات الغرور الغير طبيعية لدى من يسمي نفسه بـ “المسؤول” في لبنان، ولست أعني شخصاً محدداً هنا بل “كلّن”. حزنت كثيراً لأني رأيت كم أن الأمل جداً ضئيل في أن نتغير أو في أن يكون لبنان ما يمكن أن يكون. فمع مستويات الغرور لدى “المسائيل” (المسؤولين العامين) التي وصلت إلى حد خطورة المواد المشعة، لا أمل في أن يتعلم هؤلاء شيئاُ.
فبدل أن يعترف كل واحد منهم بأنه أخفق، لا بل فشل في تحمل مسؤليته، نجده يزداد تعنتاً بأنه على حق والآخر على خطأ. وبدل أن يظهر هؤلاء شيئاً من التواضع ليتعلموا من أخطائهم، نجدهم يمعنون في الخطأ والخطيئة. وبدل أن يكون لديهم ذرة كرامة للقول: نعم لقد أخفقنا، نعم لقد دمرنا المؤسسات، نعم لقد سيسنا القضاء، نعم لقد قسمنا الغنائم، نعم لقد أفسدنا الجامعات، نعم لقد بددنا أموال دافعي الضرائب، نعم لقد تلاعبنا بالقانون ليخدم مصالحنا، نعم لقد عملنا حيث يوجد تضارب بالمصالح، نعم لقد وضعنا الواسطة قبل الكفاءة تحت حجة ال ٦ و ٦ مكرر الملعون الذكر، نعم لقد تجاهلنا النظام العام ووضعنا نظامنا الخاص، نعم لقد جَيرنا المؤسسات لأزلامنا، نعم، نعم، نعم، وألف نعم… نجدهم بدل ذلك يزدادون غياً وتكبراً وعنجهةً وجرأة لأن يعلِّموا على بعضهم البعض، ويعلِّموا بعضهم البعض.
وهنا تسمع تصريحات وتعليقات لا تقدم ولا تؤخر، لا بل ترتقي الى حد الإمعان في استغباء المواطنين. فتسمع هذا يقول أنه كان يجب أن نتنبه إلى مثل هذا الأمر، وكأن ما حصل كان يتبلور في الخفاء وليس أمام عيون الجميع. وترى آخر يقول أن الدولة يجب أن تتحمل مسؤوليتها، وهو أصلاً يتكلم لأنه وزير أو نائب. فإن لم يكن هو الدولة، فمن تكون إذن هذه الدولة؟ ومن أروع التصريحات تلك التنظيرية والتبريرية الرخيصة التي ترتكز على تبادل التهم على أساس أن فريقنا شريف والفريق الآخر فيه روح نجس وهو من أدى إلى حصول ما حصل. ولعل أجمل ما قيل في الحراك والذي مازال يرفض العديد من “المسائيل” القبول بها – أو استيعبها – هي مقولة “كلكن يعني كلكن”!
وفي تفسير هذا أمران. إما أنهم من الغباء بمكان بحيث أنهم غير قادرون على ملاحظة أمرهم العجيب هذا، أو أنهم أشرار لدرجة أنهم يستحقون أن يكونوا أبناء الشيطان، وفي كلا الحالتين فإنهم يفعلون أفعال شيطانية. تدمير المؤسسات، واحتقار القانون، وتشجيع التفلت، ودعم “الزعران”، وسرقة أموال دافعي الضرائب، والمحاصصة على املاك لا يملكونها، وحجز أموال الناس في المصارف بسبب أخطاء عظيمة هم الذين ارتكبوها، وغيرها من الافعال التي لا تعد ولا تحصى، كلها أفعال شيطانية… ويستحضرني هنا أن الشيطان هو ملاك ساقط، وسبب سقوطه هو الغرور، أي أنه غير قابل للتَعَلُم.
أيها “المسائيل”، اينما كنتم في الدولة أو خارجها، في القطاع العام والخاص والغير ربحي، أرجوكم اعترفوا، أرجوكم اتعظوا، أرجوكم تواضعوا، لأنه الطريق الوحيد لأن تصبحوا قابلين للتعلم والتغيير… وربما لخلاص لبنان (منكم).
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا