في باطن الجبل مغارة. في الخارج أربعون. لصوص سارقون. على بابها يقفون.
“افتح يا سمسم” يتمتمون. تفتح المغارة بابها فيدخلون. كنوز الدنيا هناك؛ أموال وذهب يكدّسون. يدخلون ويخرجون. اياديهم مليئة بالفاني، قلوبهم فارغة، ضمائرهم مباعة، عقولهم مخدّرة بالشر والسرقات. علي بابا ينتظر خلف الصخرة، يشاهد من بعيد، لينقضّ بعد رحيل اللصوص ويجني من المغانم ما طاب لنفسه ولذّ. بينه وبين قاسم أخيه قصّة فقر وغنى، قصّة طمع وجشع، قصّة احتيال وانقضاض.
مغارة علي بابا والاربعين لصًا أصبحت على شفاه الحكواتي قصّة ينتظرها الكبار والصغار. دخلت في الذاكرة، وأضحت رفيقة الآذان في ليالي الشتاء العاتية.
أمّا هناك في بيت لحم. تدخل دون استئذان. تخشع في مغارة، وايّة مغارة! مغارة مملكة. عرشها مذود، أثاثها قشّ وتبن. حرّاسها خراف وحمار. مغارة تسكن فيها الريح، تلاعب هجعات الليل. يأتيها الملك طفلا مقمّطا. عن يمينه يوسف وفي الجانب الآخر مريم. يتأملان كنز السماء، ووعد الأجيال وقبلة الأنظار. يأتيك الرعاة فقراء، أياديهم فارغة، يخرجون محملين بالبشرى السارة، يذيعونها في بريّة العالم. يفتش عنك المجوس، يقدّمون لك ذهبا ومرّا ولبانا، يحوّلون طرقهم لتكون لهم الطريق والحقّ والحياة. هناك “افتح يا سمسم”، وهنا افتح القلب فتفتح لك المغارة. قلبك مذود، كنزك النِعَم. هنا لا ننتظر خلف صخرة، لا نشاهد من بعيد.
لسنا لصوص سارقين. البعيدون أضحوا قريبين. والغرباء أمسوا من أهل البيت بل هم الوارثون. لا يفتّشون عن “شو معنا” بل نفتّش عن المعنى لأنّك الـ “عمانوئيل” إلهنا معنا. واذا أنت معنا فمن علينا؟.
مغارتك لم تعد مذود القشّ والتبن. مذودك أضحى خبزا نازلا من السماء. يشبع جوعنا الى الأبدية، الى حيث أنت.
لبناننا اليوم بين مغارتين. مغارة فيها لصوص، تُهلك النفوس. ومغارة تنتظر إنساننا الممزّق، أنهكه التعب. لا نريد أن نختبىء خلف الصخور، ننتظر لندخل الى بلد جعلتموه مغارة. كنوز بلادي ليست لـ “علي بابا” أو “قاسم” أو “جورج” أو “متري” او اللصوص. كنوز أرضنا ملكنا جميعا. مغارتنا جرّدتنا من كبرياء مزيّف. لبناننا ينتظر التحوّل من مغارة الكنز المزيّف الى عالم الروح حيث تنمو براعم المحبّة والعدل والسلام تعانق السماء.
اتركوا لنا المغارة وارحلوا. مغارتنا ملجأ الانسان الذي يبحث عن إنسانيته. مغارتنا طفل يزرع فينا الرجاء فتزيد ثروتنا عمقًا. مغارتنا ليست مأوى للصوص، مغارتنا تسرق منك اللص لتكون من أهل مدينة القديسين. بين مغارة اللصوص ومغارة بيت لحم غدونا كلنا ننتظر في مذودنا البارد.
يا طفل المغارة، أعد الى لبناننا شوق الانتظار وحرارة الرجاء وعمق الإيمان. علمنا أن نترك مغارة علي بابا وقصر هيرودس المغلق والأصم أمام البشرى السارة. علمنا أن نغرف من مغارة الميلاد ولا نترك أنفسنا نخدع بثروة سعادتها عابرة. ومن هنا كما قال البابا فرنسيس، تبدأ الثورة الحقيقية الوحيدة التي تمنح لبناننا السلام: ثورة الحب والحنان. فتهدم مغارة وتبنى مغارة الخلاص والحقيقة.