مؤسسات الدولة، موظفو القطاع العام وعلى رأسهم أساتذة وموظفي، وإداريي ومدربي الجامعة اللبنانيّة | بقلم د. رنا منصور
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
سيكون مقالي معبّرًا ونابعًا من قلب أستاذة جامعيّة في كليّة العلوم الاقتصاديّة وإدارة الأعمال. بالتأكيد، أنّ الوضع الماليّ هو أساسيّ في الحياة وخصوصًا عندما يصبح معاش أستاذ الجامعة، مع إحترامي لكل مساعديّ وعمّال المنازل الاجتماعيّة بما فيها منازل الرأسماليّين الذين أثرى بعضهم منذ الحرب اللبنانيّة حتى اليوم، لا يتجاوز معاش المساعدة الإجتماعيّة الأجنبيّة الذي يعادل الخمسماية دولار أميركيّ.
وإذا أردت أن أذكر بعض الأمثال، فأسمي مئات الأمثال من الفيليبينيّات اللواتي أحترمهن وهن يتقاضَوْن الخمسماية دولار في الوقت الذي يتقاضى فيه الموظف الإداريّ في الجامعة اللبنانيّة مليونيّ أو ثلاثة مليون ليرة لبنانيّة وثمن تنكة البنزين ثمانماية ألف ليرة وربطة الخبز سوف تصبح أربعين ألف ليرة بعد رفع الدعم، هذا عدا عن فقدان الدواء والإستشفاء والماء والكهرباء. أي أنّ معاش الأستاذة الجامعيّة أصبح لا يتجاوز المئتَي دولار، وهو بالكاد يكفي كلفة بدل النقل للوصول إلى الجامعة التي لم تعد تعجّ بالطلاب لعدم قدرتهم على الوصول إليها لأنّهم أصبحوا بحاجة إلى مئة ألف ليرة لذلك. إنّ الهدف الأساسيّ لم يكن يومًا ماديًّا بقدر ما هو تحسين لائق للأستاذ الجامعيّ على الأقل لمنح الطالب التعليم الأكاديميّ الأفضل. لكن عندما يرى الطالب أنّ أستاذه لا يتقاضى أكثر من مئتَي دولار، قد يقول أنّ عامل محطة المحروقات أو بائع الخضار، وهذا ليس بعيب، يتقاضى أكثر من ذلك.
أنا لا أتكلّم فقط عن الجامعة اللبنانيّة التي تعلّمت فيها واليوم أعلّم فيها، الصرح الذي تعرّفت فيه على أصدقاء أصبحوا بمثابة أخوة لي وبتنا نشكل سويًّا عائلة واحدة هي عائلة الجامعة اللبنانيّة التي تضمّ الطلاب والموظفين والأساتذة بكافة رتبهم، لا بل أتكلّم ايضًا عن بقيّة موظفيّ الدولة. فهل من المعقول أنّ موظفي الميكانيك لدفع رسوم معاينة السيارة هم مضربين؟ وموظفي وزارة الماليّة هم أيضًا مضربين، وهذا ما سينعكس على قبض رواتب الشهر الحالي. وكذلك الأمر لموظفي مصرف لبنان هم مضربين، وكل مؤسسات الدولة في حالة إضراب مفتوح من الجمارك وغيره.
كيف ندعو الناس لقضاء فصل الصيف في الوطن الحبيب لبنان؟ إنّ المغتربين الذين أتوا إلى لبنان يفكرون بالعودة إلى الوطن الذي يعيشون فيه ويرتزقون منه وهو وطنهم الثاني. لا شيء في لبنان جاهز لكي يساعد المغترب أهله في دفع الضرائب إذا كان ما زال هناك من شخص في لبنان ينوي دفع الضرائب للدولة. لقد ضاقت سبل العيش في لبنان حيث لا ماء ولا كهرباء، لا دواء ولا إستشفاء، ويكاد المواطن اللبنانيّ يدفع ضريبة على الهواء، هذا إذا ما يزال هناك من هواء.
ويتكلم الناس عن إكتظاظ الشواطىء والمسابح والمطاعم والملاهي والأوتيلات، للأسف هؤلاء لا يتجاوز عددهم الـخمسة عشر ألف مواطن بالتمام والكمال.
فإلى أين اللبنانيّون هم سائرون؟ إلى جهنم؟ لقد وصلوا إلى أكثر من جهنم. إلى مكان ما تقول الأغاني التي يطلقها بعض المسؤولين “عالعصفوريّة”؟ لقد أصبحوا يعيشون في حالة أقوى من العصفوريّة؟ إلى الفصام؟ لقد إنغمس الشعب اللبناني وأكثريّة شبابه في بحر من الفصام، وهذا ما يؤكّده أغلبيّة الأطباء النفسيّين في لبنان من خلال ارتفاع العدد اليوميّ لمرضاهم من الشباب اللبنانيّ العاطلين عن العامل الذين يعانون الفصام والزهان والإكتئاب. بالله عليكم، إذهبوا وشاهدوا بأم العين كيف أنّ أكثر الأطباء عملًا اليوم هم الأطباء النفسيّون الذين يسامحون المريض بثمن الكشفيّة كَوْنه من فئة الشباب العاطل عن العمل.
أيجوز أن يكون هؤلاء الشباب من حملة شهادة الدكتوراه وهم لم يجدوا عملًا ويقبلون بالعمل على سنترال الهاتف في فندق؟ كيف ستحترمنا الدول الأخرى؟ ماذا سنقول لمنظمة الأمم المتحدة فيما يخص حقوق الإنسان؟ هل سنقول لهم أنّ هناك من سطا على المال العام وأصبح في كان وسويسرا وفرنسا وبلجيكا ونيويورك وكندا. هل من المعقول أنّ الحصول على الباسبور، وهو من أدنى الحقوق، أصبح غير وارد قبل ستة أشهر على الأقل؟ ماذا يجري في لبنان؟ يبدو أنّ الوضع سيبقى على ما هو عليه لحين الإنتخابات الرئاسيّة هذا إذا حصلت.
وكل المعطيات والمؤشرات تشير إلى أنّه لا حكومة ولا انتخاب لرئيس الجمهوريّة. من سينقذ لبنان؟ أين أنتم يا عرب؟ لبنان لم يُقصر مع أي عربي نهائيًّا. لبنان حتى اليوم ما زال يناضل من أجل القدس. أين أنتم يا عرب؟ أين أنتم؟ اللبنانيّ ليس فقط يستغيث، لا بل يصرخ، يتألم ويبكي لأنّ وضعه أصبح في الحضيض وتحت مئة درجة مئويّة. ماذا تريدون؟ أتريدون أن يموت الشعب اللبنانيّ بأكمله؟ وإذا مات الشعب بأكمله كما تريدون، من ستحكمون؟ أتريدون أن تتمتّعوا بالجنسيات التي حصلتم عليها نتيجة شرائكم المنازل في بعض الدول؟
وهنا أشير إلى بعض الدول التي تمنح جنسيّتها لأي أجنبيّ يدفع أربعماية ألف دولار أميركيّ ويشتري منزل فيها كما يفعل أثرياء لبنان. إذهبوا إلى بعض العواصم وأنظروا كيف يحصل الأثرياء على الإقامة والوطن عبر شراء المنازل في الخارج ليصبح أي بلد آخر وطنهم وكأنّ لبنان ليس بوطن.
أنا كأستاذة جامعيّة سأحتفظ بوطني لبنان وسأحاول إلى آخر قطرة في حياتي أن أقدّم الأفضل في مهنتي، وسأظلّ أراهن على الصبر والأمل علمًا أنّ أكثريّة الشباب والشابات فقدوا الأمل. ترقّبوا كيف أنّ عمليات القلب والأمراض الخطيرة ستتوقّف في المستشفيات التي ستصبح في أكثريتها مستشفيات للأمراض النفسيّة. هناك الكثير من الطلاب الذين يعانون من الأمراض النفسيّة وهم يتواصلون مع الخارج للحصول على العلاج النفسيّ، والسبب هو كثرة التعلّم الأكاديميّ دون الحصول على أي عمل يليق بهم. وهم يراسلون الخارج أيضًا للحصول على وظيفة تناسبهم.
للأسف، لا أحبّذ كتابة هذا النوع من المقالات المأساويّة، لكن القلم الحر كالقلب ينبض بالكلام الصادق لمخاطبة المسؤولين والشعب، علمًا أنّه في الأيام الأخيرة لا أحد يريد القراءة لا بل يريد الفعل. وهنا أقول المقولة على الطريقة الشعبيّة: “الله يسترنا من ثورة الرغيف والماء والكهرباء والعاطلين عن العمل”. لماذا جرت هذه الإنتخابات؟ ليتها لم تجرِ.
كلمات متواضعة، كلمات تحاكي الشعب قبل المسؤول بطريقة السهل المُمتنع الذي يُعبّر عن الشعور عبر السطور. على الكاتب اليوم محاكاة الناس في مشاعرهم ومشاكلهم قبل أي تحليل أقليميّ ودولي، لأنّ الشعب يموت جوعًا وعطشًا في الوقت الذي لم يعد فيه حتى رغيف خبز.