احيانا كثيرة تأخذني الحماسة للكتابة كأي فرد منكم يتألم ويتحسس آلام شعبه، اتحمس ثم اعود الى الصمت واقول، لم يعد ينفع الكلام.
هل تتخيلون ان كلمة أو مفردة أو مصطلح لم يقال أو يستخدم طيلة السنوات الثلاث العجاف هذه التي مر بها شعبي وما يزال.
لم تبقَ صفة او مصطلح الا وقيل في هذه المأساة التي يعيشها الشعب، لكن المجزرة ما زالت مستمرة، لم يتغير شيئا، المعاناة تتعمق كل يوم، لا تصدقوا عدد الطلبات التي تأتيني يوميا او بشكل شبه يومي بطلب المساعدة، يظنون انني ككاتب اناقش مشاكل الناس والبلد قادر على حل مشاكلهم فليجأون الي، لا تتصوروا كم يؤلمني هذا، سيما عندما ادرك عجزي عن حل مشاكلهم، لأن عمق الأزمة لا تحله المبادرات الفردية، وان كانت تخفف بعض الآلام عن بعض الأفراد.
غريب امر هذا الشعب اللبناني الذي يفضل التسول على النزول الى الأرض، واحراق مصالح هؤلاء الجزارين الذين وضعوا الشعب اللبناني في مسلخ عام وكبير، كل ينتظر دوره للذبح دون ان يحرك ساكنا.
الى متى هذا الصمت الغريب والمريب، والى متى يستمر هذا السكون المعيب. الم يدرك اللبنانيون بعد ان دوام الحال من المحال، وان ما يحصل سيفرز يوما اللبنانيين الى قصابين وضحايا، من يحمل الساطور بيده تحت تأثير الجوع لن يبالي ما اذا كان يمارس فعلا اجراميا او مناف للقيم والأخراق، لأن الجوع كافر، انا لا ابرر بقولي هذا هذا السلوك اطلاقا، وانما اشير الى نتائج الإنهيار الإجتماعي، الذي يصاحبه عادة انهيار اخلاقي وقيمي، بحيث لا يعود المجرم يشعر انه يرتكب جريمة، وانما يدافع عن جوعه وجوع اولاده.
بالأمس اتصلت بي احدى السيدات المحترمات، قالت يا استاذ اريد مساعدة ولو صغيرة، فلا رغيف لدي في المنزل، واولادي يتضورون جوعا، ويعز علي النزول الى الشارع ومد اليد، بكيت، صدقوني بكيت، فكم من عائلة شريفة تعيش هذه المعاناة، تذكرت حينها القصيدة الشهيرة لمعروف الرصافي بعنوان ” الأرملة المرضعة ” التي ابكي كلما قرأتها منذ خمسين عاما.
انتصبت امامي فورا تلك الابيات من القصيدة التي تقول
سمعت يا اخت شكوى تهمسين بها
في قالة اوجعت قلبي بفحواها
هل تسمح الأخت لي اني اشاطرها
ما في يدي الآن استرضي به الله
ثم اجتذبت لها من جيب ملحفتي
دراهم كنت استبقي بقاياها
وقلت يا اخت ارجو منك تكرمتي
بأخذها دونما من تغشاها
فاجهشت ثم قالت وهي باكية
واه لمثلك من ذي رقة واها
لو عم في الناس انصاف ومرحمة
لم تشك ارملة ضنكا بدنيا
لو عم في الناس حس مثل حسك لي
ما تاه في فلوات الفقر من تاه
فهل المطلوب المزيد من الدموع، ام ان المطلوب شيئا آخرا تماما.
متى تتصحح بوصلة الشعب اللبناني فينتقم من جلاديه بدل ان ينتقم من مواطنيه، فيدفع الثمن مرتين، مرة عندما يحمي الجلاد، واخرى عندما يدفع الثمن للضحية.