ازمة لبنانالاحدث
مخاطر تغيّير التركيبة السكانيّة يدّق على الأبواب، فهل يفيق المسؤولون من سباتهم؟ | بقلم د. رنا منصور
في الوقت الذي يستمرّ فيه النزوح السوريّ إلى لبنان، تفتح أوروبا أبواب هجرة اللبنانيّين حصراً إليها. ومع ذلك، من نافل القول أنّ لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لم يقم منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية بتعداد سكانه نظراً لأهميّة هذه التركيبة على نظامه السياسيّ.
في غياب التعداد السكانيّ، ومع ازدياد أعداد النازحين والنقص السكانيّ الحاصل نتيجة الهجرة اللبنانيّة، نتساءل عن سبب غياب وضع سياسات إنمائيّة عقلانيّة ومسوحات متخصّصة من قِبل الحكومة اللبنانيّة؟
إنّ تقديرات مستوى البطالة وصلت ذروتها إلى حدود الـ70% بين اللبنانيّين، لا سيّما في ظل رخص اليد العاملة الأجنبيّة، والإنهيار الماليّ الحاصل منذ العام 2019 وشبه إفلاس المصارف بعدما نهبت ودائع اللبنانيّين وهرّبتها إلى الخارج. وكذلك تقديرات البنك الدوليّ عن انهيار خطير جديد لسعر صرف الليرة عندما ينتهي الإحتياطيّ بالدولار في المصرف المركزيّ، لا سيّما أنّ الدولة اللبنانيّة ما تزال عاجزة عن تمويل القطاع العام حقيقة، والضرائب لا تُشكّل بديلاً واقعيّاً كافيّاً ومستداماً يُمكّن من تسديد رواتب موظفي القطاع العام والجيش والمؤسسات الأمنيّة والإداريّة في ظل تراجع الاستثمار ووصول نسبة الفقر إلى 83% وفقاً لإحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعيّة، ورفض الحكومة المسارعة بإجراء الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدوليّ لاعتبارات شتى، أوّلها عدم الرغبة الجديّة بإجراء المساءلة والمحاسبة لإقرار خطّة التعافي الماليّ وإعادة جزء من الودائع المنهوبة.
كل هذا جعل المواطن اللبنانيّ لا يثق بدولته ويفضّل الهجرة إلى الخارج، لا سيّما المثقّف والمتعلّم الذي لا يرى أنّ حكومته ترغب بوضع برامج إنمائيّة وسياسات لدعم القطاعات الإنتاجيّة والمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة وإعادة بناء الطبقة الوسطى الكفيلة بتشغيل أغلبية الشباب العاطل عن العمل.
ومن هذا المنطلق، فإنّ سكان لبنان يتناقصون في ظل التغيّرات الجذريّة ذات التأثيرات الاجتماعيّة الكبيرة نسبيّاً التي لا يمكن تجاهلها.
إنّ أول ما يميز التحوّل السكانيّ في لبنان هو الإنخفاض في معدّل النمو الطبيعيّ للسكان في ظل تراجع الرغبة بالزواج وصعوباتها العديدة. لذلك من المتوقّع أن يصبح نمو السكان مستقبلاً في لبنان سلبيّاً في ظل ارتفاع بدلات الإيجار وانخفاض القيمة الشرائيّة للأجور والفقر المدقع الذي يُهدّد المتزوجين حديثاً.
كما أنّ الإحصاءات المتاحة تدّل على أنّ الهجرة المكثّفة إلى الخارج وصلت إلى معدّلات قياسيّة وفقاً لإحصاءات الأمم المتّحدة. فعدد السكان المقيمين انخفض بنسبة ربع مليون لبنانيّ في الأشهر الأولى من العام 2021، وهذا العدد في ازدياد، لكن الدولة تحرص على عدم الإفصاح عن الأعداد الحقيقيّة خشية من بث الرعب في نفوس المواطنين، لا سيّما في ظل ازدياد أعداد نسب النازحين السوريّين لبنانيّاًّ. وعليه، نتوصّل إلى نتيجتَيْن: الأولى، هي أنّ عدد سكان لبنان ليس ستة ملايين كما يروّج البعض، والثانية أنّ عدد النازحين السوريّين لا يُشكّل ثلث عدد اللبنانيّين، أو على الأقل غير محدّد بشكل دقيق.
إذاً ما العمل؟ إنّ عبء إعالة اللبنانيّين أمر أصعب من إعالة السوريّين نتيجة مساعدات الأمم المتّحدة. لذلك، لا يمكن تقليص نسبة هجرة الشباب اللبنانيّ الراغب بتأمين لقمة عيش وطبابة عائلته. كذلك، فلبنان قادم في العقود القادمة على تغيّير ديمغرافيّ لا يمكن إيقافه نتيجة عدم مسارعة الحكومة إلى الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ المطلوب دوليّاً، ورغبة المسؤولين بمبلغ الـ250 مليون دولار أميركيّ كلّ سنة لمدة أربع سنوات لإبقاء النازحين، وبالتالي فإنّ الجيل القادم سوف يُعاني ممّا جناه سياسيّو الحاضر، ما لم يصر إلى تدارك الأمر قبل فوات الأوان.
وختاماً، أيّها السياسيّون أنتم المسؤولون عن الإنخفاض المنتظر في عدد سكان لبنان وبالأخص التحوّل في التركيبة السكانيّة، ما قد يُفجّر الأمور مستقبلاً في ظل استفحال البطالة والغلاء الفاحش، بينما أنتم تتعاملون مع الواقع بخفّة وبردّات فعل بسيطة، وتنقلون المواطن اللبنانيّ من أزمة لأخرى. فمتى ستفيقون من سباتكم العميق؟