محمد زكور: لبنان بحاجة للتموضع بين الشرق والغرب والإنفراج اللبناني مرتبط بتقدم مفاوضات الملف النووي الإيراني
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يقارب مدير مركز ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية الدكتور محمد زكور القضايا السياسية والإقتصادية والملفات الداخلية والإقليمية بموضوعية وشفافية وتجرد.
يبدي تفاؤله بالجهود الثنائية التي يبذلها كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في سبيل ولادة الحكومة المنتظرة قريبا، متوقفا عند المعاناة غير المسبوقة للبنانيين في مجالات الحياة كافة، طارحا في مقاربته وجوب أن يتمحور لبنان في المنطقة الفاصلة بين الشرق والغرب كما يفعل العراق حالياً.
وإنطلاقا من مواقفه الوطنية المشرفة ووقوفه الدائم الى جانب الحقيقة، يؤكد منسق مبادرة طرابلسيون أن التحقيقات في قضية إنفجار المرفأ لن تطال الرؤوس الكبيرة المطلوبة، وأن العراقيل ستستمر امام المحقق العدلي، لافتاً إلى أن ثمة الكثير من المشاكل الخانقة للبنانيين قد تشكل الشرارة الأولى للإنفجار الشعبي ولغضبهم في الشارع.
وزكور الذي يعد أحد المحللين السياسيين اللبنانيين الأكثر إنفتاحا في القضايا الحساسة والجريئة التي يطرحها، معروف بدقة أبحاثه ومقالاته الامر الذي دفعنا لإجراء هذا الحوار الشامل معه حول مختلف قضايا لبنان والمنطقة:
– لبنان امام مخاض سياسي ضبابي وخطير. كيف تقرأون المشهد الحالي بالنسبة للمساعي القائمة في ما يتعلق بالتكليف والتأليف ؟
مما لا شك فيه أن موضوع التكليف والتأليف مرتبط بـ مفاوضات الاتفاق النووي الايرانية – الاميركية المتعثرة لعدة اسباب، وأهم أرهاصات الخلاف هو الصراع الكبير الحاصل في ايران بين الرئيس السابق حسن روحاني ورئيس البرلمان والبرلمان الايراني، علما أن الاميركيون يدركون أن طهران باتت قاب قوسين او ادنى من انتاج قنبلتين ذريتين في غضون شهرين والسؤال المطروح ماذا يريد الاميركيون من المفاوضات ؟ إن بايدن قد ركز حملته الانتخابية ضد سلفه ترامب على اساس خروج الأخير من المفاوضات الايرانية في 2018 لذلك لا يستطيع بايدن اليوم التوجه للشعب الاميركي – وخصوصاً أن أمامه ولاية ثانية- قائلا إنه لا جدوى من الاتفاق بعد الآن، وبالتالي فإن بايدن والديمقراطيون يعمدون فقط على كسب الوقت في السياسة، ولذلك نراهم يشعبون طلباتهم مؤخرا .
فيما الايراني مستمر في المفاوضات لأنه يحاول كسب وقت فني وينجز أكثر فأكثر عملية تخصيب اليورانيوم، حيث اعترف بتخصيب 63 في المئة في الوقت الذي هو بحاجة فقط لتخصيب 90 في المئة لإنتاج القنبلة الذرية. هذه الصورة ما بين ايران واميركا طبعا من أهم العقبات التي تعترض التأليف. وفي حال تصاعد الصراع بينهما ليس هناك أدنى شك بأن لبنان سيكون ساحة كباقي الساحات في العراق وسوريا واليمن لتبادل الرسائل ونأمل أن لا يكون كذلك .
بالنسبة للرئيس المكلف أرى أنه سيستفيد من عدة عوامل، أولها أن الوقت لم يعد يسمح بالتفاوض الطويل مع الرئيس عون كما كان يحصل مع الرئيس الحريري، وثانيها أن المجتمع الدولي والداخلي سيعتبران الرئيس عون وراء التعطيل للمرة الثانية، لذلك فإن الأخير مضطر وكبراءة ذمة له امام المجتمعين الداخلي والخارجي على إظهار التعاون ما يجنب عدد من القيادات والشخصيات العقوبات الاوروبية التي يقال أنها باتت وشيكة في حال عدم التشكيل.
وكذلك لا يمكن لميقاتي أن يتنازل عن السقف الذي وضعه الحريري لأنه عندها سيتهم بأنه قد باع الكرامة السنية، ولكنه بالتأكيد سيستفيد من البراغماتية في شخصيته، ولن يعطي بالتالي الثلث المعطل للرئيس عون، ولكن من المحتمل أن نجد ليونة فيما دون ذلك على قاعدة مقايضة المقاعد الوزارية .
– اللبناني يعاني اليوم من مآس في شتى المجالات الاقتصادية والمالية والمعيشية والاجتماعية . هل لذلك علاقة مباشرة او غير مباشرة بسياسة المحاور التي تربط اكثر من فريق سياسي بدول اقليمية وعالمية أم أن الأسباب محض داخلية ؟
مما لا شك فيه أن اللبنانيين يعانون اليوم، لأن المنظومة السياسية إتخذت قرارات اقتصادية خاطئة في السابق تقوم على الاقتصاد الريعي غير المنتج، إضافة إلى أن تغلغل الفساد وتهلهل الادارة والمحاصصة عوامل أذابت وإلتهمت كل موارد الدولة وعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة الواشنطن بوست الاميركية في العام 2017 بأنه يفترض ان يكون لدى المصارف اللبنانية إيداعات بحوالي ال900 مليار دولار من نفس العام.
كذلك كان ولا يزال يدخل الى لبنان 10 مليارات دولار سنويا من المغتربين اي ما قيمته 300 مليار دولار اميركي طيلة 30 سنة ، إلا أنه وللأسف ليس لدينا منهم شيئا.
ومما لا شك فيه أيضا أننا اليوم ندفع ثمن تموضعنا في المحور الايراني، ولذلك نرى اليوم الحصار المفروض على لبنان خارجيا. أما داخليا فبفعل الفساد والهدر والسرقات والإقتصاد غير المنتج، كل ذلك قد أدى إلى ما وصلنا إليه.
– لبنان اليوم بأمس الحاجة لحلول لمشاكله وإلا فإن قعر الهاوية لن يكون كافيا كتوصيف لوضعه وحاله. من أين سنأتي الحلول برأيك ؟ ومن يعرقل السير بها أو تطبيقها ؟
لبنان يجب أن يتمحور في المنطقة الفاصلة بين الشرق والغرب كما يفعل العراق حاليا من خلال توقيعه إتفاقية الشام الجديد مع الأردن ومصر ( ويعتبران محور غربي ) في العام 2020، إتفاقية تعطي العراق امتيازات إقتصادية، وبالرغم من أنه كان قد وقع في العام 2019 إتفاقية طويلة الامد مع الصين ( وهي تعتبر محور شرقي ) بقيمة 15 مليار دولار . وإذا ما إتخذ لبنان مثل هذا التموضع الذكي، وإبتعد قدر المستطاع عن صراعات المنطقة فإنه يكون في الاتجاه الصحيح نحو الخلاص .
بالنسبة للحلول التي ينتظرها لبنان، تبدأ من تشكيل حكومة تتخذ القرارات الصعبة والموجعة المطلوبة منها من الصناديق الدولية، وهي تقوم على قدر الشفافية والحوكمة في صرف القروض والمساعدات المحتملة وانتخابات نيابية في وقتها واحترام الاستحقاقات الدستورية.
وعلى الاطراف الداخلية المكونة من المنظومة السابقة او الحالية أن لا تعرقل الحلول وأن تخرج من لعبة تكريس دويلة الطائفية والمذهبية .
– بعد الذكرى الاولى لإنفجار المرفأ وحتى اليوم لم يعرف اللبنانيون حقيقة ما حصل . هل سيأتي يوما وتنكشف خيوط ” جريمة العصر ” اللبنانية ؟ أم أنها ستكون كبقية الجرائم والاغتيالات الكبرى مجرد رقم يضاف إلى لائحتها ؟
– إن قضية إنفجار المرفأ لن تطال الرؤوس الكبيرة المطلوبة، فالعراقيل مستمرة امام المحقق العدلي، إبتداء من مسألة الحصانات الجزائية التي يتمتع بها النواب سندا الى المادة 40 من الدستور وصولا الى وجوب اخذ الاذن من المراجع المختصة بخصوص الموظفين ونحن برأينا ان لا حصانات سترفع عن النواب ولا أذنات ستعطى كما حصل مع اللواء عباس ابراهيم. وتبقى المعضلة الاكبر لاحقا في مرحلة المحاكمة إذ أن ثمة ثلاث محاكم ستكون مختصة دستوريا وقانونيا بمحاكمة المتهمين : بالنسبة للرؤساء والوزراء فهو المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء سندا الى المادة 80 من الدستور، وبالنسبة للقضاة فيحاكمون امام غرفة من غرف محاكم التمييز اما بالنسبة للباقين فأمام المجلس العدلي فبالله عليكم بأي منطق قانوني سيحاكم متهمون في قضية واحدة امام ثلاث محاكم مختلفة ؟ ألن يؤدي ذلك الى تضارب في المحاكمات وفي الاحكام ؟ حتما إن النتيجة ستؤول الى ذلك.
– بتقديرك هل لبنان يشكل الثقل الموازن لنفوذ ايران في المنطقة ؟
– نعم إن حزب الله في لبنان يعتبر الحليف الاقوى والاوفى لإيران لوحدة الانتماء الديني والرؤية والعقيدة على كل الصعد .
اما بالنسبة للساحة السورية فتتقاسم ايران النفوذ العسكري والسياسي مع النظام السوري والروس والاتراك، وبالنسبة الملف العراقي نجد ان العراق يتمايز شيئا فشيئا مع الكاظمي عن التوجه الايراني واتفاقية الشام الجديد اكبر مثال على ذلك . أما بالنسبة للملف اليمني فالحوثي الذي كان قد رضي ب6 في المئة فقط من مقاعد مجلس النواب في دستور عام 2012 الذي كاد ان ينهي الحرب الاهلية يسيطر اليوم على اكثر من ثلثي البلاد فبالتأكيد احد لن يقنعه بالتنازل عن مكتسباته، أما بالنسبة للملف الفلسطيني فالقضية هي قضية ضمير عالمية ومهمة لدرجة بحيث انها اكبر من الفلسطينيين انفسهم. فما بالك بالإيرانيين. لذلك يبقى لبنان الساحة الاقوى للإيراني.