إن أردتَ تصديقَ الحقيقةَ الأقلّ إقلاقاً لنفسك فإنَّك تكون أقربَ إلى الوهْم.. ولا تحسبنَّ أن خيانة الضمير أدنى وطأة من خيانة الواقع الملموس، وبين الوَهم والخيانة فإنَّك تقع فريسة الخطأ والغرور وحبّ الذَّات نحو الغوصِ في أتون النرجسيّة المُدمّرة.
وهل من دمارٍ للمجتمع أعظم مما توقعه النرجسيّة السياسيّة..؟
فالنرجسيَّة أولاً، تُفقِد المَرءَ صِفَةَ القيادة إذ تُضمره شُعوراً مُبالَغاً فيه بأهميّته فضلاً عن حاجته العَميقة إلى زيادة الاهتمام بذاته والإعجاب بالأنا، ما يُنتج اضطراباً في العلاقات مع الآخرين. تلك جميعها سمات حتميّة لأولئكَ المُستبدّين بالمُجتَمع لاستغلال الآخرين حصولاً على مُبتغاهم.
ثانياً، إنَّ النَّزعة النرجسيّة تُفقِد المُتسلِّط قدرته على التشابه والتماثل مع من حوله إذ يرى نفسه مختاراً مفضّلاً متمايزاً متقدّماً لا يشبه الناس ولا يُشبهونَه لا بإنسانيّته ولا بحاجاته ولا بأحلامه فيتصرف بأسلوبٍ متعجرف متغطرس يملؤه الغرور والتبجّح والتفاخر..فينسى آدميّته (طبعه الترابي)
ساسةٌ نرجسيّون، من أصناف الآلهة مُنزَلين مُتحكّمين لا يأبهون للواقع ولا يَكترثون للحقيقة فالحقائق تُزعجهم، يحوّلون عنها أنظارَهم باتجاه تأليه الخطأ والإستمرار في السلوكيات غير العقلانية نحو نمطِ تصعيد الإلتزام(Escalade d’engagement)
إنَّهم لا يشعرون بالتعاطف تجاه من يتحكَّمون بهم، ولديهم القدرة على ضبطِ مشاعرهم، متطلبون، ودائماً ما يرون أنفسهم الأفضل. هم أكثر سعادة من الناس العاديّين وأقل عرضةً للتوتر أو الاكتئاب.
وانعكاساً، نحن اليوم نَشهد واقعة تصفية المجتمع اللبناني بكامل مكوِّناته، بتركِ الخسائر تتمادى دون أن يحرّك أولئك النرجسيون ساكناً بل يعمدون لاستهلاك الوقت دون إدارته عبر استنزاف مقوِّمات الدَّعم فيعيشون حالة إنكار الحقيقة ولا يُبادِرون ولو لوضع خطّة لكبحِ الإنهيار الشَّامل ..
مرحلةٌ إنتقاليّةٌ دخلنا في خضمِّها، كانت تستدعي سلطة مسؤولة تُرسي الشرعيّة المدنيّة لا أشخاصَ مُتحاصصين مأزومين يفرِضُون التحدّيات بدل الحلول، يتسابقون لتسجيل نقاط تفاضل لا أهداف وطنيّة..
إن ما تعانيه النفوس الأنانيّة المُختالة بذاتها من رفضٍ لواقع إنسانيّتها، وما أُنعِم عليها من عطاءات الله ونعمه، يحرمها من صلابة الرَّجاء ويصيّرها كسرابٍ يندثر سحيقاً.. يهوذا قد رفض النِّعمة، والشَّعب غليظ القلب في القديم رفض الله وعبَدَ العِجل الذهبي، فالنفس الأنانيَّة مُستبيحة تظلم بالشهوات وبالمجد الباطل وتَغرق في أعماق الجهالة، لا تَعود تَستمع لا لوصَايا الله ولا لنِدَاءات العقل الطَّبيعي.. وأمَام هذا المؤكد ترقّبوا الأردأ..