تلعب جمهورية الصين الشعبية اليوم في العالم دورًا محوريًا مهمًا على الأصعدة كافة وفي مختلف المجالات منها: العلمية والاقتصادية والتجارية وكذلك الصناعية لتشكل حاضنة أساسية للدول الراغبة في تطوير ذاتها وتحسين بيئة الأعمال لديها.
من هنا كانت الدراسة التي أعدتها السفارة الصينية في الكويت تحت عنوان “العمل المشترك للاستفادة من فرص النمو وخلق 2035 الواعد”؛ حيث اعتبر سعادة السفير الصيني “لي مينغ قانغ” أن ما يجمع البلدين من علاقات مهمة على المستوى الاستراتيجي لابد أن يترجم الى برامج من شأنها بناء منظومة ” الخطة والأهداف الذكية” التي من شأنها تعزيز أواصر الصداقة وتمتين الروابط بينهما.
حيث رسم لنا السفير الصيني باختصار المشهد الذي حققت من خلاله الصين خطوات الإصلاح والإنفتاح لديها والإرتقاء نحو مستوى التحضر الاجتماعي وبناء الحضارة (الايكولوجية الاشتراكية) أي حوكمة الدولة وإدارة شؤونها وارتفاع مستوى الرخاء ومعيشة الشعب لديها والذي أدى بالتالي الى حدوث طفرة كبرى في تحقيق القوة الوطنية الشاملة والرائدة في المجالات كافة والمستويات منها الثقافية والعلمية والرياضية وكذلك الصحية على حد سواء.
كذلك يشرح لنا السفير الصيني، كيف حققت دولته ضمن استراتيجية المخطط والاهداف الذكية الى بناء أعمدة صلبة وراسخة من استراتيجيات الاعمال التي ساهمت في تأمين اقتصاد متنوع ومستدام وبنية تحتية حديثة لديها، مكنتها من تسويق هذه الإنجازات بكل ثقة للدول النامية والدول الغنية بوفرتها المالية ومواردها الطبيعية والراغبة في احداث تحولات جذرية وثورية لديها على مستوى التحضر والتطوير الذكي المبني على الإدارة الرشيدة والابداع المعرفي.
تمحورت هذه الدراسة، حول التأكيد على الرؤية المشتركة لكل من الصين والكويت نحو المستقبل المشرق في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط وإمكانية تأمين ووضع حجر الأساس للانطلاق وتنفيذ هذه الرؤية عبر الاستفادة من القوانين التي سنتها الصين لتحسين بيئة الاعمال لديها ولدى الدول الأخرى، منها: إنشاء الصين للبنك الاسيوي لإستثمار البنية التحتية وصندوق تطوير طريق الحرير وغيرها من المنصات والبرامج المالية المانحة للتسهيلات والقروض الميسرة.
من هذا المنطلق، حرص السفير الصيني في رسالته الى التأكيد على ثلاثة عناوين: العنوان الأول هو التوسع الصيني للانفتاح والرغبة في مساندة وتنمية الكويت للاقتصاد المتنوع والمستدام لديها عبر التشارك والتعاون في انشاء منظومة التعاون المتبادل للمنفعة والكسب في مجالات السلسلة الصناعية وسلسلة الامدادات وتحفيز التجارة والاستثمار بين البلدين, وذلك من خلال الاستفادة من الخبرات المتوفرة لدى الصين في مجال الطاقة واللوجستية, حيث تولي الصين أهمية كبرى لتطوير مدينة الحري ر والجزر الخمس في المنطقة الشمالية للكويت وكذلك, العمل على تطوير مصفاة الزور الذي تقاوله شركة صينية ليكون اكبر مشروع مصفاة في الشرق الأوسط بطاقة إنتاجية تفوق 31 مليون طن من النفط الخام سنويا, وبالتالي تكون الصين حققت للكويت احد أحلام التنمية والتطوير لد يها بحيث يقودها نحو العالمية بسرعة وجيزة ويؤمن لها وللأجيال المقبلة المستقبل الواعد.
أما العنوان أو المحور الثاني للدراسة، أكد على قدرة الصين ورغبتها في بناء وتشييد بنية تحتية حديثة ومتينة لدولة الكويت تشمل شبكة طرق وجسور كبيرة وامنة تربط مناطقها داخليًا وخارجيًا بفعالية وكذلك ،بناء الموانئ التجارية الكبيرة ذات الطاقة الاستيعابية العالية والتي تؤهلهما للعب الدور المحوري في المنطقة والذي ذكرناه مسبقًا بشأن تطبيق مشروع وآلية طريق الحرير المزمع تنفيذها من قبل الصين والتي فعلا بدأت بتطبيقها منذ زمن.
العنوان الثالث والأخير، هو الرغبة الصينية – الكويتية المشتركة في اعتماد الاقتصاد المعرفي القائم على الأنطولوجية الرقمية وعلم المعلومات وتحديث شبكات الاتصالات والحوسبة والألعاب السحابية واعتماد تقنية )5 جي( والتي من شانها تسريع وتحسين جودة بيئة الاعمال وتعزيز دورها الريادي في تحقيق الربحية للقطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء، وكذلك العمل على قيادة الاقتصاد الكويتي نحو الابداع والابحار في عالم الابتكار الرقمي وخلق فرص عمل جديدة وبناء مرتكزات التحول الحضاري، المبني على الشفافية الإدارية والحوكمة الفعالة.
لقد حاولت موجزًا من خلال هذا المقال، تبيان أهمية الاستفادة من تجارب الدول بعضها من بعض وكيفية اسقاط هذه التجارب والنماذج العملانية على مشروع بناء الدولة الحديثة في لبنان، والذي لم يستطع الى الان الخروج من بوتقة التخلف الإداري وتحسين بيئة الاعمال لديه مع فقدان السلطة السياسية كذلك القدرة على إدارة الحكم فيه ، مع انه كان من أوائل الدول التي ارفدت الحضارة البشرية بالأبداع والنجاح، الذي لو حافظ الشعب اللبناني وسياسييه عليه لكان من أغنى الدول وأعلاها شأنًا في المنطقة.
السؤال والتحدي الأبرز هنا، هل من المسموح للصين ضمن إطا ر لعبة الأمم، خوض غمار هذه التجربة في لبنان أم ان التطوير فيه حكرًا على دول أخرى؟!