الاحدثالشرق الاوسط

القطاع الصحي في الكويت بين التطوير والاستدامة | بقلم د. علي مغنية 

يعتبر القطاع الصحي الحكومي والخاص في دولة الكويت من اهم القطاعات التي تلعب الدور الأبرز في تشكيل بنية الاقتصاد الوطني لديها من حيث المساهمة المباشرة في تحديد النمو والدخل القومي. ويعتبر حجم الانفاق على خدمات الرعاية الصحية من اهم المؤشرات في قياس جودة وكفاءة ونوعية هذه الخدمات للمواطنين والمقيميين والمجتمع ككل.

بحسب إحصاء لوزارة المالية، تولي وزارة الصحة هذا القطاع الاهتمام الكبير نحو تطويره وادخاله في دائرة الأولوية في الانفاق الحكومي عبر تخصيص موازنات سنوية والتي بلغت في عامي 2018/2019 حوالي المليارين دينار كويتي على اقل تقدير. وتحتل الكويت بين دول الخليج ما بين المركزين الخامس والسادس تقريبا في حجم الانفاق عليه والذي يعد قليل نسبيا بالمقارنة مع جيرانها الذين سبقوها في هذا المضمار، مما يشكل لديها الفرصة الكبيرة لإعادة صياغة رؤية واسعة وشمولية من ضمن استراتيجيات متطورة ومستدامة لاستعادة زمام المبادرة في قيادة القطاع الطبي نحو الابداع والتميز.

لابد من الإشارة هنا الى ان تحديات الرعاية الصحية في منطقة الخليج عموما وفي الكويت خصوصا كبيرة جدا نظرا لانتشار امراض السمنة والقلب والامراض المزمنة المتعلقة بنمط الحياة والرفاهية , مما دفع بالحكومة عبر وزارة الصحة الى دق ناقوس الخطر, والسعي نحو التحرك السريع لاحتوائه عبر تحقيق التوازن ما بين القطاعين الحكومي والخاص في تقديم الرعاية الصحية عبر تشكيل لجان للتوعية والتثقيف وعبر السماح للمستثمرين في بناء مستشفيات خاصة بكافة التخصصات الطبية والعلاجية او متعددة التخصص, وذلك لتخفيف الضغط والاعباء على المستشفيات الحكومية والتي باتت تعاني من العجز في تقديم الخدمات لكافة المواطنين والمقيمين.

كذلك تشير بعض الأبحاث والدراسات المقارنة في علم الإدارة الصحية حديثا، الى وجود تحديات كبيرة ووجود نقاط قوة وضعف تواجه وزارة الصحة في هذا القطاع الحيوي والذي لايزال دون المستوى والطموح المرجوين على الرغم من ارتفاع تكاليفه ونفقاته، وذلك يعود لعدة أسباب لا يسعنا ذكر الا بعضها ومن أهمها:

ضعف الكفاءة والفعالية في القطاع الحكومي من حيث مؤشرات عدد الاسَرة، ومعدل دوران السرير، وارتفاع فترة فراغه ومدة إقامة المريض وهي مقاييس ثابتة تعتمدها المستشفيات كافة في قياس الأداء والإنتاجية لديها.

قضية العلاج بالخارج والتي هي من القضايا الحساسة التي تواجه الحكومة ووزارة الصحة من حيث العدد الكبير للمواطنين الذين يلجؤون اليها كوسيلة للعلاج وخاصة للأمراض المستعصية والتي لا تتوفر في مستشفيات الكويت الحكومية والخاصة، او في حال توفرها في بعض المستشفيات الخاصة تكون ذات تكلفة عالية جدا.

عدم توفر الرؤية الواضحة والاستراتيجية الشاملة لاقتصاديات الصحة وللجوانب الإدارية والمهنية في القطاع الحكومي، الذي سمح للمستشفيات الخاصة في رفع فاتورتها العلاجية وتحقيق أرباح فلكية نتيجة هذه الفجوة، وبالتالي خلق حالة من صراع الاهتمامات ما بين الهدف الطبي الأخلاقي والربحي، وادخل إدارة الرعاية الطبية في صراع على الهوية والغاية الإنسانية.

ضعف القطاع الخاص في سد حاجة المجتمع لعلاج بعض الامراض المستعصية كأمراض السرطان والقلب والتي تدفع المواطن لطلب العلاج بالخارج بدل الاعتماد على الكفاءات والطاقات الوطنية.

اعتماد المستشفيات الخاصة الكبير على قطاع التأمين حيث ساهم هذا القطاع من رفع الفاتورة العلاجية كما ذكرنا، وخلق نوع من العمل التجاري للمستشفى الخاص بدل التركيز على الحالة المرضية من منظارها الطبي مما دفع ذلك الى خلل لدى بعض الاطباء في التشخيص العلمي للحالة ورفض المستشفى الخاص لبعض الحالات الصعبة وارسالها للمستشفى الحكومي لعدم الرغبة في تحمل المخاطر.

على الرغم من ذكر هذه التحديات الا ان وزارة الصحة الكويتية نجحت في تخطي العديد منها وعملت على تخفيض نسبة بعض الامراض كالإيدز والقلب والامراض المزمنة من خلال السيطرة عليها والحد من انتشارها عبر العديد من الإجراءات الوقائية والتثقيف المجتمعي وتكثيف حملات التطعيم العامة للسكان كافة في مختلف المناطق، وللطلاب، والأطفال المواطنين، والمقيمين، وتكثيف بناء اندية رياضية وصحية ومراكز ومطابخ للأكل الصحي بهدف رفع مستوى الوعي واللياقة البدنية.

كذلك أدركت الحكومة أهمية تخصيص قانون شراكة بين القطاعين وشجعت على زيادة حجم الاستثمارات الخاصة في الرعاية الصحية مما رفع عدد المستشفيات الخاصة الى أكثر من 13 مستشفى وحوالي 56 مركز طبي و125 عيادة خاصة، والى اعتماد سياسات إدارية رقمية وشراء معدات وأجهزة حديثة جدا واعتماد ميزة تنافسية بينها لخدمة المرضى وضمان جودة الخدمة للحصول على القيمة المضافة.

في الخلاصة، لازال يشكل هذا القطاع شهية و فرصة كبيرة امام المستثمرين والمهتمين لما يحمله من قوة كامنة وإمكانية لتحقيق النمو فيه ولكن ضمن خطة عمل وتخطيط استراتيجي جديدين يعتمد آليات حديثة ومتطورة لتحاكي استدامة وربحية في القطاع الخاص مع مراعاة المهمة الأخلاقية للصحة العامة.

الدكتور علي احمد مغنية كاتب متخصص باستراتيجية الاعمال

باحث في الشؤون الإدارية واستراتيجيات الاعمال، حائز على بكالورويس ادراة اعمال من جامعة وستمنستر لندن وعلى ماجيستير ادارة اعمال من جامعة ماستريخت الهولندية ودرجة الدكتوراه في ادارة الاعمال من الاكاديمية السويسرية للأعمال. خبير استشاري في شؤون وادارة الشركات والصحة العامة والسياسات الادارية الصحية. مطور عقاري ورجل اعمال في مجال التجهيز الفندقي والضيافة، يعمل بين لبنان والدول العربية وخاصة دول الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى