الاحدثالشرق الاوسط

تونس، الوطن الذي نريد: من الانهيار إلى الازدهار | بقلم منتصر بوعجيلة

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

تشهد تونس كغيرها من دول الربيع العربي وبلدان شمال إفريقيا وضعا اقتصاديا متأزّما عمّقته مخلفات جائحة كورونا، وما أنتجته من أوضاع معيشية صعبة وانهيار على مستويات عدّة.

غير أنّ الشباب التونسي مازال يتطلع إلى تغيير منشود منذ عشر سنوات وتحقيق أحلامه الكبرى التي نادى بها في شوارع العاصمة والمناطق الداخلية إبّان ثورة الحريةّ سنة 2011، والتي جسّدتها الشعارات الكبرى: شغل، حرية، كرامة وطنية.

وبعيدا عن السؤال المركزي: كيف نتقدم؟ نطرح بين يدي القارئ في هذا المقال ملامح تونس الجديدة كما يراها أبناؤها.

1. الحرية والديمقراطية:

أن تكون حرّا هو المطلب الإنساني الأوّل لكل فرد في هذا العالم.

إنّ تحوّل الإنسان من طبيعته البشرية الآدمية إلى نزعته الإنسانية الفطرية هو قدرته على المحافظة على حريته أمام مختلف أشكال العبودية وتمظهراتها المتنوعة: ثقافيا واقتصاديا و دينيا واجتماعيا..

ولا نقصد هنا، التخلّي النهائي عن النزعة الروحية و الوازع الديني وذلك لأنه عنصر أساسيّ داعم للانعتاق نحو التحرّر، إنّما المقصود هو التخلّي عن الأصولية الدينية المتطرفة و الوصولية الإيديولوجية البراغماتية.

وهنا نستحضر أهمية المنزع العقلي ومساهمته في تجديد الوعي الديني ونشر الثقافة الروحية المتوازنة.

ترتبط الحرية ارتباطا وثيقا بالديمقراطية، فالمواطن الحرّ هو مواطن ديمقراطي بالضرورة، مؤمن بمدنية الدولة وحقوق الأفراد العامة و الشخصية.

إنّ نظام الحكم الديمقراطي هو النظام السياسي المتوافق مع إرادة الشعوب والسبيل الأوحد إلى النماء و الازدهار. ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال التوجّه إلى الأنظمة الديكتاتورية والاستبداد السلطويّ لتحقيق تلك المطامح الفضلى.

لا يقدر المستبدّ/السلطوي على حكم شعب إلاّ عبر العصا الغليظة لينتشر بعدها الفساد والانهيار فيحين عندها بالذات نهاية المستبدّ.

إنّ تلك المقاربات الداعية إلى “عنف الدولة” هي مقاربات رجعية، فالسلطان الأوحد هو سلطان القانون والتراتيب الواجب توفرها لضمان حرية الأفراد وتكريس دولة القانون للمحافظة على حقوق الأفراد ودعوتهم للقيام بواجباتهم نحو الوطن.

إنّ تعزيز الانتماء لهذا الوطن يكون بتعزيز الديمقراطية وتشريك كلّ أطياف المجتمع في بناء جمهورية عصرية ومجتمع متماسك والعمل الجماعي وفق رؤية وطنية مشتركة.

2. مكافحة الفساد

بعيدا عن البحث المفاهيمي المعمّق لمصطلح الفساد، يمكن تحديد مفهوم الفساد من خلال الآثار المترتبة عنه أو من خلال وصف (جيم يونغ كيم) رئيس مجموعة البنك الدولي السابق سنة 2013 خلال كلمته أمام مكتب نائب الرئيس لشؤون النزاهة: “كل دولار يضعه مسؤول فاسد أو شخص فاسد في إحدى الشركات في جيبه هو دولار مسروق من سيّدة حامل تحتاج إلى رعاية صحية، أو فتاة أو صبيّ يحتاج إلى التعليم أو من مجتمع محليّ يحتاج إلى المياه أو الطرق أو المدارس.”

يؤكّد هذا الوصف الاقتران بين الفساد والمال والسلطة، ليكون تعريف الفساد مرتبطا بكلّ أشكال الخيانة والجريمة والاحتيال. ويدخل في هذا الإطار الفساد الإداري والسياسي إلى جانب الفساد المالي.

تسعى الحكومات المتولية في بلد مثل تونس، إلى مقاومة الفساد في أبعاده المختلفة من خلال تصريحات المسؤولين الرسميين من جهة ومن جهة أخرى القوانين والتشريعات في هذا الغرض.

لعلّ أبرز تلك القوانين القانون الأساسي عدد10 لسنة 2017 مؤرخ في 07 مارس 2017 ويتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين، حيث يبين هذا القانون في الفصل الثاني من الباب الأول أن الفساد “هو كلّ تصرف مخالف للقانون والتراتيب الجاري بها العمل يضرّ أو من شأنه الإصرار بالمصلحة العامة وسوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصية”.

بالإضافة إلى ذلك تعمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتونس بتطبيق الاستراتجيات الوطنية الهادفة للقطع مع الفساد وتبين استراتيجية وطنية للحوكمة الرشيدة والعمل على بثّ ثقافة الحوكمة بالتحسيس و التوعية والتكوين وحماية المبلغين.

إنّ مقاومة الفساد المستشري في عديد مفاصل الدولة هو الخطر الحقيقي و العدوّ الأوّل للشعب التونسي والمتسبب الأبرز في الحيلولة دون التقدم والرقيّ. حيث كشفت دراسة حول “واقع الفساد في تونس بين الإدراك والحقيقة” أن حجم الفساد الحقيق يصل إلى حدود 300 في المائة وفق ما أعلنه السيد كمال العيادي رئيس المركز العالمي لمحاربة الفساد لوسائل إعلام تونسية.

إن الاستثمار في مقاومة الفساد هو استثمار اقتصادي ناجع وقادر على تحقيق مردودية مالية كبيرة قد تساهم في إخراج تونس من الانهيار النقدي وتعزيز ثقة المستثمرين الوطنيين المحليين و الأجانب في السلط التونسية وخلق مناخ استثماري متلائم ومستقرّ.

3. البحث العلمي و إنتاج المعرفة

من إيجابيات العقل التونسي انغماسي المشهود في المشاريع البحثية و الوعي بأهمية البحث العلمي والتطوير التقني رغم ضعف الميزانية المرصودة له من قبل الدولة. حيث أكّد المدير العام للوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي لبعض وسائل إعلام تونسية بمناسبة الإعلان عن إطلاق برنامج المشاريع المبتكرة أن تونس تحتل المرتبة 18 عالميا في مجال الإنتاج العلمي والبحث في نشريات دولية محكمة.

يحيل القول في مسألة البحث العلمي إلى التطرق لأنواعه المختلفة والتي يمكن أن نقسمها إلى :

*البحث في العلوم الإنسانية و الاجتماعية

*البحث في العلوم التطبيقية العلمية

*البحث في العلوم التقنية

تعتبر هذه المجالات الثلاث أهم المجالات التي تشهد طفرة مهمة في إطار البحث العلمي الأكاديمي في الجامعات التونسية.

وتأتي جائحة كورونا لتنير إلينا طريقا جديدا في مجال البحوث العلمية الجديدة وهي المجال الطبي والتقني التكنولوجي. وقولنا “طريقا جديدا” نعني به حداثة الاهتمام به وأهميته في الوقت الراهن.

تتأتى هذه الأهمية لما تم ملاحظته من توجه عالمي فرضته جائحة كورونا سنة 2019 خاصة بصعود العلماء في المجال الطبي الدقيق (الفيروسات) و المجال التكنولوجي و الأمن السيبرني.

إن المخرج الأساس من إحراجات التأخّر العلمي هو إنتاج معرفة جديدة تكون ثمرة للتقدم في المجال البحثي ونتيجة لتطوير الآليات المنهجية والوسائل البحثية العلمية.

إن إنتاج معرفة جديدة ليس القطيعة الابستيمولوجية مع دروب المعرفة المتواجدة بل هو تجديد للمنهج والوعي بمتطلبات المراحل التي تمرّ بها تونس أولا. كذلك الوعي بمتطلبات المجتمع وحاجياته الأساسية والكمالية أيضا، والنظر بعمق في مكتسبات الباحثين الأكاديميين ومحاولة التوجه إلى منهاج تربوي معاصر يستثمر في مكتسباته التربوية ودمجها في متطلبات المستقبل.

منتصر بوعجيلة، كاتب ومدون من تونس

منتصر بوعجيلة، كاتب وباحث في الميثولوجيا وتاريخ الأديان، مجاز في التفكير الإسلامي والعلوم الشرعية من جامعة الزيتونة في تونس.مؤسس مدونة المعرفة الإلكترونية. له عديد المساهمات البحثية في مجال الأساطير والحضارات القديمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى