“سورية ولبنان .. سوا ربينا” | بقلم المهندس باسل قس نصر الله
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
عذرًا من الأيقونة “فيروز” الشامية المولد، التي عشقها العالم، وأصبحت نجمةً تنيرُ الدروب.
انقسم الشارع اللبناني والسوري حول العلاقة بين البلدين، فكانت النكتة تقول: أن السوريين كانوا يترنَّمون بأغنيةِ “سوا ربينا” ليُجِبهم اللبنانيون بأغنية “لا أنتَ حبيبي ولا ربينا سوا”.
أقرأُ الكثير عن العلاقات السورية اللبنانية خلال بدايات الاستقلال وما بعدها ثم الحرب اللبنانية إلى اليوم وتُحزنني التوترات التي رافقت هذه العلاقات، ومن قراءتي للكتاب المفتوح الذي كتبه المرحوم جبران تويني والذي تم نشره في العدد 22434 بتاريخ 22 أيلول 2005 من جريدة النهار، سأبدأ دردشتي بصوتٍ عالٍ.
لا بدّ أن أؤكد أنني أقف محترمًا سورية ورئيسها والدولة التي تمثلها، كما أحترم اللبناني الذي يسعى إلى بناء بلده من خلال مؤسساته الرسمية أو منظماته الشعبية أو أية جهة تمثل قِيَمه وأخلاقه.
في مقولة قرأتها تقول “إن الوطني الصادق يتألم لدخول أية قوة غريبة إلى أراضيه، ولكن الأمر في لبنان وصل إلى حد أصبح فيه تدخل قوة صديقة أمرًا ضروريًا لإعادة الأمن إليه”، وهذا الكلام صدر عن السيد بيار الجميل “رحمه الله – رئيس حزب الكتائب اللبناني وقتها ووالد الرئيسين اللبنانيين الأسبقين أمين وبشير الجميل” بعد اجتماع عقدته الجبهة اللبنانية في زوق مكايل يوم 5 حزيران 1976 تأييدًا للمبادرة السورية حينها في دخول لبنان لوقف الاقتتال الطائفي. ولا أعتقد أنه كان يقصد قوى صديقة من بلاد الواق الوق طبعًا.
ولا ننسى المقولة الإذاعية “لولا سورية، لولا سورية، لولا سورية، لكنّا كَفَرْنا بالعرب والعروبة والعربان” التي كانت بعد دخول القوات السورية لوقف الاقتتال في لبنان. وفي هذا الوقت سمح الرئيس السوري “حافظ الأسد” – رحمه الله – للّبنانيين، بالعمل في سورية وسمح لسياراتهم الخاصة بالعمل كسيارات أُجرة وسرفيس.
ولا ننسى أن مؤتمر القمة العربي المنعقد في تشرين الأول 1976، قام بتشكيل قوات الردع العربية ذات الهدف الواضح لوقف الاقتتال في لبنان، وقد شهد المؤتمر تجاذبًا حول تكوين هذه القوّات، فقد أبدى الرئيس “حافظ الأسد” استعداد سورية للتخلي عن المساهمة في القوات المقترحة إذا ما تقدمت سائر الدول العربية بمشاركة من جندها، توفير كامل العدد المطلوب أي ثلاثين ألفًا، وكلنا نعرف أن قوات الردع تشكلت بغالبيتها من القوات السورية بعدما أعْرَضت كل الدول العربية عن المساهمة الفعلية في هذه القوات، واكتفت بتمثيل بسيط لها.
وكان كل طرف – وما أكثرها في الحرب اللبنانية – يُغنِّي على ليلاه ، فَمَن يريد من القوات السورية العاملة في قوات الردع أن تُدافع عن فريق، كان الطرف الآخر يريد أن تضرب هذا الفريق، ولم يفكر أحدٌ بمصلحة لبنان، معتقدًا أن مصلحته الشخصية هي من مصلحة لبنان، مرددًا قول “روكفلر” عندما سأله مجلس الشيوخ الأميركي عن كيفية اختياره بين مصلحة شركة جنرال موتورز التي يرأس مجلس إدارتها وبين مصلحة الولايات المتحدة الأميركية التي سيتسلم منصب نائب رئيسها، فأجاب بكل هدوء، بأن مصلحة أميركا هي من مصلحة شركة جنرال موتورز.
وبعودة إلى التاريخ، نقرأ برقية أرسلها “الجنرال ديغول” من لندن إلى الجنرال “كاترو” في بيروت في 28/10/1941 أكد فيها موافقته على تثبيت الرئيس “الفرِد نقاش” المسيحي الماروني، رئيسًا للجمهورية طالبًا منه حماية المسيحيين “فعلينا قبل كل شيء وبصورة خاصة أن نحتفظ لفرنسا بالوسائل التي تكفل لها بصورة دائمة وفعالة حماية المسيحيين في لبنان “.
كما أن فكرة الوطن القومي المسيحي كانت تدغدغ مشاعر بعض رجالات الدين، فمطران بيروت أغناطيوس مبارك، وفي 5 آب 1947، بعثَ برسالةٍ إلى هيئة جنيف الدولية المكلَّفة بدرس المسألة الفلسطينية، داعيًا بقوة لإقامة وطن يهودي في فلسطين ووطن مسيحي في لبنان، فاستاء الفاتيكان من ذلك، لتمسكه بالصيغة الإسلامية – المسيحية، وأعلن بطلان ما دعا إليه المطران مبارك.
أنا لا أكتب هذا الكلام بُغية الإثارة اللحظية أو الدفاع الغوغائي، بقدر ما هو وضع النقاط على الحروف.
ولأجل ذلك أقول أن القوات السورية التي دَخلت لبنان في مرحلة ما، حدثَ فيها تجاوزات من البعض، لكن هذه التجاوزات تفاعلت مع ضعاف النفوس من الطرفين السوري واللبناني، فجعلت المصالح الشخصية تتقدم على المصلحة العامة، وكَثُرت الخيانات والتزلفات، وقد قلت ذلك أمام البطريرك الماروني “مار نصر الله بطرس صفير” – رحمه الله- في 12 آب 2004 عن “أولئك الذين اتفقوا على العمالة واختلفوا على العمولة.
لا بل أن الترحاب المسيحي اللبناني بالعلاقة مع سورية، حسب مقالة قرأتها في جريدة النهار يوم 18 تموز 2004 ولم أقرأ نفيًا لها، كانت إلى مرحلة إطلاق “بيار الجميل” عبارة “سورية الأسد”، واقتراح الرئيس كميل شمعون سنة 1977 كونفيدرالية لبنانية – سورية، وِفق حديث للرئيس حافظ الأسد في 28 كانون الأول، لدى استقباله وفدًا لبنانيًا كان كاتب المقالة السابقة في جريدة النهار ضمن أعضائه.
وسأقولها بالفم الملآن، لا شك أن بعض اللبنانيين، مدفوعين من أطراف لها مصالح في تشويه العلاقة بين لبنان وسورية، أقدمت على عمل ردّات فعل، وخاصة أنني أتكلم عن التجاوزات التي يقوم بها أفراد لمصالحهم الشخصية، تحت ستار مناصبهم، ولكنني لا أقبل بأن يتم الخلط بين أفراد بمصالح شخصية يتخفّون تحت ستار دولة، وبين دولة ترغب بالصداقة.
نعم نحن “سوا ربينا” ولتحيا فيروز
اللهم اشهد اني بلغت