الشرق الاوسط

في ذكرى رحيل هيكل: إنكم لم تروا بعد شيئاً، القادم أعظم!

اسماء قليلة في العالم العربي المعاصر لا ترحل برحيلها ولا يستثير رحيلها الا الشعور العميق بالخسارة الذي يتفق عليه الشعور الجمعي للعرب بغض النظر عن مشاربهم وتجاربهم. محمد حسنين هيكل هو الرمز "القليل" لذلك الشعور العميق! لم تجذبه تجارة الوالد الكبيرة في القمح وزحف الى القاهرة لتلقي علومه في الجامعة الاميركية وليسطر اول ملاحمه الصحافية في تغطية حرب "العلمين" خلال الحرب الثانية. من العلمين الى "العلم" الساطع الذي حضر مع براهينه والوانه في اربعين كتابا" والاف المقالات ومثلها من ارشاد القادة العظام في ستين عاما". "انا اقرأ مقالاتك لكني كنت اتوقع مقابلة رجل كبير السن" هو اول ما قاله عبد الناصر في اول لقاء مع هيكل، لقاء سيكون فاتحة معاصرة الزعماء الذين كانوا يشتهون لقاءه، فلقاؤه مصدر قيمة عجز سلطانهم عن صناعتها. قد يختلف الناس والسياسيون في تقييم زيارة السادات لتل ابيب عام 1977 وبعدها الصلح المصري الاسرائيلي، ولكنك لن تجد اثنان يختلفان في ادانة سجن السادات لهيكل عام 1981. النصوص التالية نختارها لمناسبة رحيل هيكل منذ خمس سنوات في السابع عشر من فبراير (شباط) 2016. (الناشر)

هي رسائل لصديق هناك!
إننى لا أعرف بالضبط أين تقع هناك هذه التى أقصدها، ولا ما هو عنوانها على وجه التحديد_ لكنى لا أظنها بعيدة.
“هناك” هذه التى اقصدها _ نقطة ما على خط طويل طويل يمتد بين محيط وخليج.
“هناك” هذه نقطة ما على هذا الخط ، وربما كانت هى كل نقطة بالذات على هذا الخط!
كان المحيط هادراً فى يوم من الأيام ، وكان الخليج ثائراً، وكانت الأحلام فوارة على امتداد الخط الطويل بينهما!
ماذا جرى للخليج؟ وماذا جرى للأحلام الفوارة؟
ماذا جرى لنا؟ حتى لم يعد من خطاب بيننا غير الرسائل عن بعد؟!
من كتاب السلام المستحيل والديموقراطية الغائبة

واقعنا اليوم
“واقعنا اليوم يغرى بفراقه دون أسف عليه فهو واقع بارد مجرد من دفء حلم ، أو كرامة مشروع ، أو إلهام فكرة”.
من كتاب سقوط نظام

ماذا يحدث عندما تنتصر الثورة المضادة؟
وجاءني الشباب من أبناء جمال عبد الناصر، ابناؤه بالطبيعة فعلا أو ابناؤه بالتاريخ فكراً ، يسألون فى ذهول:
هل يعقل هذا الذي يكتب الأن عن جمال عبد الناصر؟
وكان ردي:
إنكم لم تروا بعد شيئاً. ما هو قادم أكثر مما رأيناه . وعليكم أن تتذكروا ما حدث لغير جمال عبد الناصر في تواريخ غير مصر من الأمم.
تذكروا ما حدث «لأوليفر كرومويل» مثلا .
كان قد قاد أول ثورة في أوروبا ضد الملكية وهوى رأس الملك ، وحين دارت العجلة ومات کرومويل وعادت الملكية إلى انجلترا ، أصر ابن الملك العائد للعرش بعد انتكاسة الثورة على تنفيذ حكم الاعدام في كروميل، ولكن كروميل قد مات.
وهكذا بأمر الملك الجديد حُفر قبر كروميل ، وأخرج هيكله العظمي ، وعُلق من حبل مشنقة بناء على حكم من محكمة سميت فى التاريخ بمحكمة القرود!!
وقلت:
“احتفظوا بثقتكم في الشعب المصري ، فهو فيما يجرى الأن ضحية ، لا دخل له بما يحدث. ربما ينزعج منه ، وربما يتأثر به البعض، لكن التاريخ لا يتوقف عند لحظة بعينها وإنما هو حياة مستمرة حية وإلى الأبد”.
“إن المستهدف ليس جمال عبد الناصر ، ولكن المستهدف هو مصر. يريدون تغيير دورها ، ومسار هذا الدور على الأقل – أو يريدون تغيير شخصية مصر ، وطبيعة هذه الشخصية إذا أمكن”.
من كتاب بين الصحافة والسياسة

هل فى مصر مستقبل؟
لكل شعب – كما لكل إنسان – عقل ظاهر وعقل باطن..
والعقل الظاهر يعبر عن نفسه طوال الوقت، والعقل الباطن يكتم داخله دائماً ولا يبوح، وإذا فعل فهمساً غير مسموع، أو زلة لسان تفشى مكنونات الصدور!
والإنسان السليم هو ذلك الذى يستطيع أن يعبر عن نفسه طوال الوقت، وهو أيضاً ذلك الذى يستطيع أن يستدعى من أعماقه أى خبئ، ويفحصه صراحة وفى النور – وكذلك الشعوب.
والمعيار الذى لا يخطئ فى حساب قوة المجتمعات وصلابتها، هو قدرتها على مواجهة نفسها بأى سؤال، وبغير وساوس، فعندما يقع الشك ولو كخاطر يهمس فى الوجدان – إذن فهناك قضية تستحق الحوار، وبغير محاذير، أمام الآخرين ومعهم! لعلى من هنا لا أتحرج فى القول بأن مصر الآن – ومنذ سنوات ليست بالقصيرة – فى قلبها سؤال مكتوم. يلوح مرة فى نظرة، ويشيع مرة فى همسة، ويتسرب مرة ثالثة فى زفير عميق – ترجمته بالكلمات:
– هل فى مصر مستقبل؟
من مقال هل فى مصر مستقبل؟

المعرفة والعقل: استعادة الوعي والارادة
كان قيام دولة إسرائيل وسط العالم العربي وفى قلبه هو الحدث الأكبر بالنسبة لشعوب الأمة وفوق أرضها على امتداد واتصال القرن العشرين.
إن الأمة قضت النصف الأول من ذلك القرن تحاول بكل وسائلها إعتراض ومنع قيام دولة إسرائيل. ثم إن الأمة قضت نصفه الأخر تحاول وبكل طاقتها حصر هذه الدولة وضبط أثار وتداعيات قيامها.
ولقد كانت الأمة على حق ، ولكنه حق افتقد «الوعي» أحياناً ، وافتقد «الإرادة» أحياناً، وافتقد كلاً من الوعي والإرادة فى أحيان أخري.
وإذا كان غروب القرن العشرين قد حل، والطوق العربي من حول إسرائيل مكسور ، والأثار والتداعيات المترتبة على ذلك فوضي فى كل بقعة وركن ومكان _ فإن التاريخ لم يصل إلى نهايته بنهاية القرن.
مع أن هناك شرطين لازمين كي لا يتوقف الزمن العربي:
الشرط الأول/ إستعادة الوعي بوسائط المعرفة.
والشرط الثاني/ إستعادة الإرادة بوسائط العقل.
محمد حسنين هيكل

كنت أتابع حركة التجمعات في ميادين مصر ، وكنت أراقب المسيرات في شوارعها ، وأتأمل ملامح الناس في الميادين والشوارع ، وكنت طوال الوقت أشعر بنوع من الوجع ، وأنا أرى التحركات “حائرة” ، والجموع “قلقة” ، والنداءات “جريحة” ، وكلها زحام بالأسئلة وليس هناك جواب ، وليست هناك فكرة ملهمة ، وليست هناك قيادة موثوقة ، بل ليس هناك أفق ولا بوصلة ، وتلك كلها علامات ميلاد لحظة حقيقية.
محمد حسنين هيكل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى