موقع العرب في مشروع الحزام والطريق: الواقع والمرتجى
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
رغم تجذر وعمق العلاقات التاريخية بين الدول العربية والصين، حيث يشكل العرب نحو ثلثي الدول الواقعة في نطاق مبادرة الحزام والطريق، إلا أن المشهد الحالي يكشف عن أن مستوى التعاون المتبادل بين الجانبين لم يصل حتى الآن إلى المستوى المنشود والذي يتناسب مع حجم تلك الروابط التاريخية التي جمعت الدول العربية بالتنيين الصيني عبر التاريخ.
ولا يعني حث المستثمرين العرب سواء أفراد أو مؤسسات أو بنوك على توطيد علاقاتهم مع الصين ان الأمر يقتصر على الأراضي الصينية وحدها، بل لابد أن يتطلع الجانبان أيضا إلى خلق استثمارات جديدة مشتركة في بعض الدول الأخرى مثل إيطاليا، والتي نجحت مؤخرا في الدخول مع الصين في مشروعات زراعية في بنجلاديش، وألمانيا التي شاركت مقاطعة شاندونج في مشروعات مماثلة بدولة سريلانكا، كما أن العرب بإمكانهم مشاركة الصين بمشروعات أخرى في إفريقيا القارة البكر الغنية بالموارد والمتعطشة للمشروعات التنموية.
ومن المجالات التي تستدعي استفادة العرب من التجربة الصينية؛ تحقيق التعاون المشترك في مجال مكافحة سوسة النخيل والتي تؤثر بالسلب على إنتاج محصول التمور، حيث يتعين على الدول المنتجة للتمور مثل مصر والدول الخليجية تبادل الخبرات مع العملاق الصيني والذي أجرى عدد من التجارب الناجحة في هذا المجال مؤخرا. فضلا عن العديد والعديد من المجالات الأخرى التي تتطلب أن يكون العرب أكثر جاهزية لتحقيق الاستفادة المثلي والاستغلال الأمثل للتعاون العربي الصيني وبخاصة مع اقتراب انطلاق فعاليات منتدى التعاون العربي الصيني في العاصمة الأردنية عمان. كما ينطبق الأمر أيضًا على معرض الصين والدول العربية الذي تحتضنه مدينة ينتشوان بمقاطعة نينغشيا كل عام.
وبالتالي أصبح يتعين على كل دولة أن تحدد إطار أولوياتها فيما يتعلق بطبيعة التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحيث يكون أكثر ديناميكية وتطوراً على أكثر من صعيد، بما يؤمن علاقات مشتركة طويلة الأمد وإنجازات على جميع المستويات، مع الأخذ في الاعتبار أن يتم إنجاز ذلك التعاون خارج الإطار الرسمي، فمن غير المعقول أن نسند تلك المهمة إلى جامعة الدول العربية المثقلة بالمشاكل والهموم. بل ينبغي أن يكتسب التعاون طابعاً أكثر شعبية في التنفيذ من خلال إشراك منظمات المجتمع المدني الممثلة في جمعيات رجال الأعمال والأكاديميين، بحيث لا يكون التعاون مجرد اجتماعات تعقد وبنود تناقش بدون آلية حقيقية للتنفيذ على الأرض، مما يمنح منتدى التعاون العربي ومعرض الصين والدول العربية المزيد من الأبعاد والمحاور النقاشية .
ومن الأحداث الهامة التي لا يجب أن يغفل عنها المستثمرون العرب أيضا؛ معرض شانغهاي للاستيراد والذي يعتبر أهم منصة للنفاذ إلى السوق الصيني، مما يفرض على كل دولة عربية ضرورة البحث عن مصالحها الخاصة فيما يتوافق مع المصالح الصينية. ولعل مقولة الرئيس الصيني شي جين بينج الشهيرة “تعاون رابح رابح” هي خير دليل على أن السوق الصينية هي أفضل ساحة عالمية للاستثمار وجني الأرباح. وقد حرصت معظم الدول الأوروبية على المشاركة في معرض شانغهاي نوفمبر 2019 لأنها تدرك جيدا حجم السوق الصيني فيما لا تزال المشاركة العربية تحتاج إلى تنسيق الجهود، رغم أن عدد الشركات العربية كان أكبر من العام الماضي إلا أنها ينقصها معرفة كيفية دخول السوق، لأنه أمر ليس سهلا وله متطلبات أولها أن البضائع لا بد أن يكون لها قيمة ونوعية جيدة .
وكي يتمكن المستثمرون العرب من التغلب على حاجز الخوف من دخول الأسواق الصينية الكبرى، لابد وأن يكونوا أولا على دراية كافية بالآليات والأدولت المناسبة لدخول تلك الأسواق. الأمر الذي يفرض على اتحاد الغرف التجارية العربية، تنظيم دورات تدريبية وتعريفية للمصدرين العرب بالسوق الصيني قبل المعرض، بهدف تعزيز دخول البضائع العربية للصين استعدادًا للنسخة الثالثة من المعرض نوفمبر 2020، وأيضًا مراسلة الشركات المشاركة ومعرفة رأيها ومناقشة المشاكل وكيفية الخروج منها، وشرح الشروط والأدوات التي يحتاجها المصدّر العربي لدخول أكبر سوق استهلاكي في العالم على صعيد المواصفات، مثل وضع ملصق على المنتج باللغتين الصينية والإنجليزية يعطي معلومات عنه وفقًا للمواصفات الصينية، بحيث تخرج خارج الإطار الحكومي ويحصل الحراك التجاري على بعض الديناميكية.
ولأن العمل الجماعي يؤتي ثمارًا أفضل من نظيره الفردي، فلابد من خلق وتشجيع الروح التعاونية بين المصدرين خصوصًا صغار المنتجين لسبب مهم هو أن كلفة دخول السوق بشكل جماعي منظم ستوزع على الجميع، وستكون أقل من كلفة دخول كل شركة بمفردها، ولعل المثال الأقرب هنا هو نجاح مصر في النفاذ بالبرتقال إلى السوق بفضل التنظيم الجيد ووجود كميات ونوعيات جيدة.
وبالتالي ينبغي على اتحاد الغرف التجارية العربية واتحادات الغرف بالدول العربية وجمعيات رجال الأعمال القيام بتدشين جمعية تضم تحت مظلتها جميع المصدرين العرب إلى الصين، بما يوحد الجهود ويقلل الكلفة مثلما تقوم به الغرف التجارية وجمعيات المجتمع المدني الإسبانية والإيطالية والفرنسية، في منتجات النبيذ وزيت الزيتون والمأكولات، حيث يتم تشييد جناح كبير عليه علم الدولة في المعارض المختلفة، أو إقامة مهرجانات باسم كل دولة يتم الترويج لها بشكل جيدة على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، وتتخصص تلك المهرجانات في سلعة معينة بتخفيضات مغرية بحيث تبني الشركات الصغيرة من تلك الدولة سمعة لها في السوق الصيني تنمو مع الوقت وتحقق الفائدة للجميع.
ولا ننسى أن هناك بعض النماذح العربية الواعدة التي نجحت في اغتنام بعض الفرص مثل شركة إعمار الإماراتية التي حصلت على أعمال إنشائية في مطار بكين داشينج الجديد، فقد كشف معرض شانغهاي للاستيراد الأخير عن اهتمام متزايد من المستثمرين العرب في استهداف الصين كمحفظة استثمارية، ورغبتهم في الاستفادة من التطور في الصين بمختلف المجالات، حيث استضاف المعرض منتدى التمويل الدولي بمشاركة بنوك صينية وأجنبية منها من مصر والإمارات والسعودية والبحرين فيما كانت الكويت ضيف الشرف، وأن مؤسسة التمويل الكويتية المعنية بالاستثمار الخارجي أبدت اهتمامًا بالسوق الصيني وفتح استثمارات فيه، خصوصًا في المجالات التي طرحت للمناقشة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية والبنوك الرقمية.
وختامًا تبقى المزيد من الآمال معلقة على منتدى التعاون القادم في مدينة عمان الأردنية لمناقشة الاستثمارات المتبادلة بين الصين والدول العربية من خلال سياسة الصين الانفتاحية التي تخلق فرصا واعدة أمام المستثمرين العرب، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات استثمارية أو بنوكا، والسعي لخلق مناطق صناعية حرة بالدول العربية.
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا