في كل شهر من اشهر السنة، أيام لها معان في حياتنا العربية المعاصرة، منها أيام انتصارات، ومنها أيام نكسات، منها ذكريات تثلج الصدر، ومنها ذكريات تحزن القلب والروح، منها معارك نعتزّ بها، ومنها مواقف مهينة نخجل بسببها، ومنها قادة كبار استشهدوا، ومنها شهداء كثر ولدوا يوم استشهادهم.
ولكن بين اشهر السنة، لشهر نيسان وقع خاص، ففيه اجتمعت ملاحم ومعارك، شهداء وأسرى ومناضلون، عواصف وزلازل هزّت أوطاناً ومجتمعات.
ففي فلسطين شهد شهر نيسان عام 1948، احداثاً بالغة الأهمية، منها مجزرة “دير ياسين” الشهيرة في التاسع منه، ومنها معركة “القسطل” واستشهاد القائد الشهيد الكبير عبد القادر الحسيني في الثامن منه، ومنها اغتيال القائد الشهيد الكبير أبو جهاد “مهندس الانتفاضة الأولى وشريك الرصاصة الأولى” في الثورة الفلسطينية، وذلك في تونس 16 نيسان 1987، ومنها استشهاد القائد الرمز أيضاً الدكتور عبد العزيز الرنتيسي على يد الاحتلال، والذي عرفناه في لبنان مبعداً إلى مرج الزهور، ثم عائداً إلى غزة ليستكمل المسيرة.
وفي نيسان أيضا خسرت فلسطين ثلاثة من قادتها الكبار في عملية فردان في قلب بيروت، حين تمكّن الكومندس “الإسرائيلي” في العاشر من نيسان 1973، من اغتيال كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وزوجته، وفي نيسان أيضاً عرف لبنان مجزرة عين الرمانة، حيث اغتيل العشرات من أبناء مخيم تل الزعتر من فلسطينيين ولبنانيين ذاهبين إلى بيوتهم وقد أدّت تلك المجزرة إلى حرب بدأت عام 1975 وربما لم تنته حتى الآن بتداعياتها ونتائجها وأمراضها، في لبنان أيضا شهد الجنوب اللبناني عدواناً صهيونياً عام 1996، وفيه مجزرة قانا الأولى في 16 نيسان من ذلك العام، كما شهد نيسان 1969، مجزرة ارتكبت بحق وطنيين انتصروا للعمل الفدائي الفلسطيني وتظاهروا في ساحة البربير التي صار اسمها “ساحة 23 نيسان” تيمنا بتلك المسيرة التي انطلقت في 23 نيسان 1969.
في العراق كان التاسع من نيسان يوماً كئيباً للعراق ولأمته كلها، يوم احتل الأمريكيون بغداد، وانطلقت تداعيات قاسية، ليس على العراق وحده، وأنما على الأمة كلها التي خسرت باحتلال العراق سنداً كبيراً لها، وانطلقت بعد ذلك مؤامرات وفتن في كل أقطار الأمة، كنّا قد حذّرنا منها يوم تم احتلال بغداد.
وقيل أن المحتل الأمريكي كان قد حدد السابع من نيسان، لكن معركة مطار بغداد اخرت موعد الاحتلال، عيد تأسيس البعث موعداً لاحتلال عاصمة الرشيد، ولاجتثاث العروبة من العراق، كما سعى فيما بعد لاجتثاثه من سورية أيضاً في حرب كونية ما زالت مستمرة حتى الآن وما زال السوريون يحتفلون بعيد جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادهم، فيما هم يواصلون بمقاومتهم اجلاء كل احتلال جديد من جنوب سورية وحتى الشمال.
في مصر هناك ذكريات عدّة، ولكن دون شك تبقى ذكرى رحيل القائد الناصري الكبير الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، وأول أمين للحزب العربي الديمقراطي الناصري، رفيق عبد الناصر، وعضو للجنة العليا للاتحاد الاشتراكي العربي الاستاذ ضياء الدين داوود، وهو الذي عرفته مصر بشجاعته، وعرفته الأمة بالتزامه بقضاياها المصيرية، والذي رحل في 6 نيسان 2011، بعد أسابيع على قيام ثورة 25 يناير التي كان داوود وإخوانه الناصريون قي طليعة من هيئ لها.
في السابع عشر من نيسان يحتفل أحرار الأمّة والعالم بيوم الأسير الفلسطيني والذي أثبت قدرته على تحويل يوميات سجنه إلى أيام نضال واعتصام وإضراب ضد سجانيه الصهاينة وتصبح معركة الأسرى جزءاً لا يتجزأ من معركة تحرّر الأرض، كل الأرض، في فلسطين وأكناف فلسطين.
في نيسان هذا العام 2022، عمليات بدأت مع شهر رمضان، وهو شهر واعد بالصيام كما بالجهاد على طريق تحرير فلسطين، لذلك حين نتحدث عن نيسان، نتحدث عن مجازر وعن انتصارات، نتحدث عن معارك كبرى وعن شهداء نعتّز بهم، ولذلك كان قرار الحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمّة أن يكون اجتماعها في أوائل نيسان هذا العام، هو اجتماع إحياء هذه المناسبات تحت عنوان “من مجازر العدو، إلى مقاومة الأمة”.
أن نتذكّر هذه الأحداث التي تملأ شهر نيسان/أبريل من كل عام، كما تملأ كل أشهر السنة، فيما تعيش فلسطين تصعيداً في مواجهة شعبها، كل شعبها، مع الاحتلال الذي يترنح فشلاً، ويعاني ارتباكاً غير مسبوق، لنؤكّد تلاحمنا مع شعب فلسطين الذي نجح في تحويل قضيته إلى قضية كل عربي ومؤمن وكل حر من أحرار العالم.. بحيث بات لكل قطر عربي ذكرياته المحفّزة لنضاله في ذلك الشهر وكل شهر.