الاحدثالشرق الاوسط

نَظَرِيَّةُ الألعابِ وتَوازُن “ناش” بين إيران وإسرائيل | بقلم البروفسور بيار الخوري

نَظَرِيّةُ الألعاب هي فرعٌ من الرياضيات يُستَخدَمُ لتحليلِ القرارات في البيئات التنافُسية، حيث يتأثّرُ نجاحُ الفَردِ بقراراتِ الآخرين. تُستَخدَمُ هذه النظرية لدراسةِ الاستراتيجياتِ المُثلى التي يجبُ على اللاعبين اتخاذها عندما تكونُ نتائجُ قراراتهم مُترابطةً ومُتَعَلِّقةً بقراراتِ اللاعبين الآخرين. تُعنى نظريةُ الألعاب بتحديدِ توازناتٍ في هذه السيناريوات، حيثُ يكونُ كلُّ لاعبٍ قد اختارَ الاستراتيجية التي تُعطيهِ أفضلَ نتيجةٍ مُمكِنة، بناءً على استراتيجياتِ الآخرين. وهذا المقال يحاول تطبيق نظرية الألعاب على التعقيد الناشئ بعد قصف إسرائيل لمبنى ديبلوماسي إيراني في دمشق. سوف يلاحظ القارئ حيادية النص للتوافق مع الطبيعة الرياضية للمُقاربة.

إنّ تطبيقَ نظرية الألعاب على تحليلِ رَدِّ إيران على الحادث الذي ذهب ضحيته إثنان من خيرة جنرالاتها في قصفٍ إسرائيليّ على قنصليتها في دمشق، ممكن من خلالِ تشكيلِ نموذجٍ مُبَسَّطٍ يَستَخدِمُ مفاهيم التفاعلات الاستراتيجيّة والعوائد المُتَوَقَّعة.

الاستراتيجيات: يُمكِنُ لكُلِّ لاعبٍ الاختيار من مجموعةٍ من الاستراتيجيات. للتبسيط، يُمكِنُ تحديدها كالآتي:

          أ.  إيران:

  1. الرَدُّ العسكري.
  2. إستخدامُ القنوات الديبلوماسيّة لطَلَبِ تسوية.
  3. عَدَمُ القيامِ بأيِّ فعل (إستجابةٌ سلبية).
  4. التَصعيدُ من خلالِ قوى “محور المقاومة”.

          ب.  إسرائيل:

  1. زيادة العمليات العسكريّة .
  2. التفاوُضُ ديبلوماسيًّا.
  3. الحفاظُ على الوَضعِ الراهن.

العوائد: تَعتَمِدُ العوائدُ على الخيارات التي يَتّخِذُها كلّ لاعب. يُمكننا تحديدَ النتائج المُحتَمَلة:

–  الرَدُّ العسكري من قبل إيران قد يؤدي إلى مزيدٍ من التصعيد، ممّا قد يؤدّي إلى جَذبِ حلفاء اسرائيل (وخصوصًا أميركا) ونشوبِ نزاعٍ أوسع. هذه خطوةٌ عاليةُ المخاطر، وقد تكونُ مُكلِفة للغاية، ولكن يُمكِنُ أن تَردَعَ الهجمات المُستَقبَليّة.

–  التفاوُضُ الديبلوماسيُّ غير المباشر قد يؤدّي إلى تخفيفِ التوتّرات، ممّا يؤدّي إلى التوسّط الدوليّ وإمكانيةِ تَقليلِ الأعمال العدائيّة.

–  إستجابةٌ سلبيّة أو التصعيد بواسطة المحور، داخل او خارج مناطق التصعيد، قد يؤدّي إلى نتائج مُتنوّعة، من إظهارِ ضبط النفس (والفوز المُحتَمَل بالتعاطُفِ الدوليّ) إلى التصعيد غير المباشر للصراعِ بدونِ حربٍ صريحة.

التحليل:

  1. وظائفُ الاستجابة الأفضل: ستختارُ إيران استراتيجيّةً تستجيبُ بشكلٍ أفضلٍ لأفعالِ إسرائيل. إذا زادت الدولة العبرية من عملياتها العسكريّة، قد ترى الجمهورية الإسلامية الردَّ أو التصعيدَ من خلال المحور كاستجابةٍ أكثر مُلاءمة. إذا تفاوضت إسرائيل ديبلوماسيًّا، قد تختار إيران تجنّب المزيد من التصعيد.
  2. توازُن “ناش”: وهو مجموعةٌ من الاستراتيجيات حيثُ لا يستطيعُ أيُّ لاعبٍ أن يستفيدَ بتغييرِ استراتيجيته بشكلٍ فردي. إذا قامَ كلا اللاعبَين بالتفاوضِ الديبلوماسي غير المباشر، وأدّى ذلك إلى تخفيضِ التوتّر بدون المزيد من الخسائر، فقد يكون هذا هو توازن “ناش” في ظلِّ ظروفٍ مُعَيَّنة.
  3. إعتباراتُ اللعبة المُتَكَرِّرة: إذا اعتبرنا هذا السيناريو جُزءًا من تفاعُلٍ مُتَكَرِّرٌ (وهو ما يحدث غالبًا في العلاقات الدولية)، قد تختارُ إيران استراتيجيةً تُشيرُ إلى نواياها المُستَقبليّة أو المحافظة على سمعةٍ مُعَيَّنة. على سبيل المثال، قد تقوم برَدٍّ محدود تليه مُشارَكة ديبلوماسية استعدادًا للدفاع عن مصالحها، ولكن أيضًا تفضيلًا للتهدئة وعدم الانحدار نحوَ صراعٍ واسع.

من الجانب الإسرائيلي، تطبيقُ نظرية الألعاب يُمكِنُ أن يُظهِرَ تحليلًا استراتيجيًا يعتمِدُ على تقييم المخاطر والعوائد. إسرائيل، عندما تقرر توجيه ضربة للسفارة الإيرانية في دمشق، ربما تكون قد قيّمت عوامل عدة:

الاعتبارات الاستراتيجية:

  1. الردع: إسرائيل قد تكونُ تهدفُ إلى رَدعِ إيران والحدّ من نفوذها في سوريا، خصوصًا في ما يتعلّقُ بدَعمِ إيران لقوى “محور المقاومة”. الضربةُ يُمكِنُ أن تكونَ رسالةً تحذيرية.
  2. إظهارُ القوّة: توجيهُ ضربةٍ للسفارة في دمشق يُظهِرُ القدرةَ والإرادةَ الإسرائيليتَين لاتخاذِ إجراءاتٍ حاسمةٍ ضدّ ما تعتبره تهديداتٍ ايرانية.
  3. التأثير السياسي: تقديراتٌ سياسية داخلية ودولية قد تكونُ دَفعت إسرائيل لرَفعِ سَقفِ المواجهة.

–  العوائد والمخاطر:

– العوائد: تعزيزُ الأمن الوطني بالحدِّ من الأنشطة الإيرانية في المنطقة.

– المخاطر: تصعيدٌ مُحتَمَلٌ قد يؤدّي إلى ردٍّ إيراني عسكري أو عبر المحور، وكذلك الانتقادات الدولية.

النتائج المتوقعة:

بناءً على تقييماتها، ربما خلصت إسرائيل إلى أنَّ العوائدَ المُحتَمَلة من الضربة (مثل الرَدع والسيطرة على تحرّكات إيران في المنطقة) تفوقُ المخاطر المُحتَملة مثل الردّ الإيراني أو التكاليف السياسية. قد تكونُ أخذت في الاعتبار أيضًا تحقيق توازن في نظام الردع الإقليمي، مُعتبرةً أنَّ الردَّ الإيراني سيكونُ محدودًا أو مُوَجَّهًا ديبلوماسيًا بسبب الاعتبارات الجيوسياسية الأوسع.

خلاصة:

من خلال نظرية الألعاب، إسرائيل ربما قرّرت أن توجيهَ الضربة سيُحقّقُ أهدافها الاستراتيجية بشكلٍ فعّال، مع احتسابِ وإدارة المخاطر المُحتَملة. وهذا يُظهِرُ كيفَ يُمكِنُ للدول اتخاذ قراراتٍ تعتمدُ على تقديراتٍ مُعَقَّدة للعوائد والتكاليف في سياق الأمن القومي والاستقرار الإقليمي.

بينما يُمكنُ أن يُوازِنَ النهجَ الإيراني للرِّد بين الحاجة إلى إظهار القوة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ويساعد في تجنب التكاليف الباهظة للحرب الشاملة مع الحفاظ على المصالح الوطنية الإيرانية.

البروفسور بيار بولس الخوري ناشر الموقع

البروفسور بيار بولس الخوري اكاديمي وباحث، خبير في الاقتصاد والاقتصاد السياسي، يعمل حاليا مستشار ومرشد تربوي ومستشار اعمال. عمل خبيراً اقتصادياً في مجموعة من البنوك المركزية العربية وتخصص في صناعة سياسات الاقتصاد الكلي لدى معهد صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة. له اكثر من اربعين بحث علمي منشور في دوريات محكّمة دولياً واربع كتب نشرت في الولايات المتحدة والمانيا ولبنان تختص بإقتصاد وادارة التعليم العالي، ناشر موقع الملف الاستراتيجي وموقع بيروت يا بيروت المختص بالادب. منشأ بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة بوديو. كاتب مشارك في سلسلتي "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط" و" ١٧ تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان" المتوفرتان عبر امازون كيندل. في جعبته مئات المقابلات التلفزيونية والاذاعية والصحفية في لبنان والعالم العربي والعالم ومثلها مقالات في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية الرائدة. يشغل حالياً مركز نائب رئيس الجمعية العربية-الصينية للتعاون والتنمية وأمين سرّ الجمعية الاقتصادية اللبنانية وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى