اجتهاداتقانون وحوكمة

قُوَّة قاهِرة و قِوَى مَقهُورة ؛ استحقاق الأجر في ظل قرار تعليق العمل | المحامي زياد فرام

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

بعد أن أعلنت الحكومة اللبنانيّة بتاريخ ٢٠٢٠/٣/١٥ عن سلسلةِ إجراءات أطلقت عليها ” إعلان التعبئة ” كخطّة طوارئ، للحدّ من تفشّي ” وباء كورونا “، قرَّر مجلس الوزراء إضافة لإقفال المؤسسات العامّة وبعض المرافق، تعليق العمل أيضاً في الشركات والمؤسَّسات الخاصَّة والمحال التجاريّة باستثناء ما هو مخصَّص لتصنيع وبيع المواد الاستهلاكية الغذائية والمنتجات الزراعيَّة وكلَّفت الأجهزة الأمنية والبلدية تطبيق الخطَّة..

بما أننا في صلب إجراءاتٍ إحترازيَّة وقائيّة وطنيّة ألزمت العديد من العمّال كما وأرباب العمل وقف أعمالهم ومصالحهم، والقبوع في منازلهم مدة ١٥ يوماً كمرحلة أوليَّة ربما تكون قابلة للتمديد تبعاً لما ستؤول إليه الأوضاع الصّحيّة في البلاد.
وعليه، حفاظاً على حقوق العمّال والأجراء، لناحية استحقاق رواتبهم و أجورهم بطريقة عادلة كان لا بدّ من دراسة قانونيّة تضع الأمور في نصابها تلافياً للغبن والحرمان.. مع العلم أنَّ الدراسة لا تشمل فئة العمال والمستخدمين الذين يتابعون أعمالهم من منازلهم بواسطة التطبيقات والبرامج والحواسيب كما ولا تشمل عقود الإستصناع والمقاولة التي يلزمها مبحث كامل، بل فقط سنتطرق لمن يشملهم الإنقطاع الكلّي عن أداء أعمالهم من ناحية العمّال والأجراء في عقود العمل وإجارة الخدمة ..

إنّ عقد العمل بحسب ماهيته كعقد من العقود المتبادلة، الذي يولي طرفيه رب العمل من جهة والعامل من جهة أخرى حقوقاً مقابل موجبات لكلا الطَّرفين، فمن حيث طبيعته يضع رب العمل في ” مركز الأقوى” إقتصادياً مقارنةً بالعامل أو الأجير ويجعل هذين الأخيرين يقبلان بأيِّ أجر مهما كان متدنّياً ستراً للحاجة والعوَز ..

ولكن إزاء الواقع المستجد هل يستحق للعامل والأجير أي أجر في ظروف تعليق الأعمال بالمؤسسات والمصالح الخاصّة ؟

جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنَّه لكلِّ عامل الحق بأجرٍ عادلٍ ومناسب يكفل له ولأسرته حياة تناسب كرامته الإنسانيّة..
على صعيد القانون الوضعي اللبناني، نصّت المادّة ٦٢٤ من قانون الموجبات والعقود على أنَّ: ” إجارة العمل او الخدمة، عقد يلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يجعل عمله رهين خدمة الفريق الآخر وتحت إدارته، مقابل أجرٍ يلتزم هذا الفريق أداءه له “.
إذاً أفلا يستحق الأجر إلا لقاء عمل قام به الأجير ؟
وبالإضافة فإن الإتفاقية الدوليّة بشأن حماية الأجور الصادرة عن مؤتمر منظمة العمل الدوليّة في ٨ حزيران ١٩٤٩ (اتفاقية حماية الأجور ) المنضم إليها لبنان
عرفت الأجر بأنه كل مكافأة أو كسب يدفعه صاحب عمل لشخص يستخدمه مقابل عمل أدّاه أو يؤديه أو خدمات قدّمها أو يقدّمها بمقتضى عقد إستخدام مكتوب أو غير مكتوب..
أمام هذا الفقر التشريعي، لا يوجد في القانون اللبناني مواد محدّدة تنصّ على وجوب الزام رب العمل بأداء الأجر في الظروف الاستثنائية كما ولا يمكننا القياس فيما تضمّنه قانون الضمان الاجتماعي الصّادر بتاريخ ٢٦ ايلول من العام ١٩٦٣ في مادته ٥٩ حيث نصّت على أنّ للضمان مصلحة مباشرة في تأمين سلامة ووقاية الأجراء من الأمراض ومن طوارئ العمل وبناء على ما تقدّم أعطى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالتعاون مع كل من وزارتي العمل والصحّة كما والنقابات والهيئات المهنية لأرباب العمل والعمّال والمؤسسات الخاصّة الفرديّة وأطباء المؤسسات تلك إعداد تدابير وقائية وإرشاد المضمونين من الناحية الصحيّة بغية اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الأجراء من الأمراض والطوارئ وهذا حتماً محصور في واقعات طوارئ العمل، حيث يقع على عاتق رب العمل موجب يتمثّل بإحاطة العمّال والأجراء بالإرشادات والوقاية الصّحيّة والعمليّة، لحمايتهم من المخاطر الصحيّة استناداً لرابطة التبعيّة في العمل..
ولقد بحثنا فيما تقدّم موجب تأمين سلامة ووقاية الأجراء من الأمراض كطوارئ العمل.. بغية التأكيد خلاصة أن تعليق العمل ووجوب الإقفال و التعطيل الذي أوجبه مجلس الوزراء في الشركات والمؤسسات الخاصة ليس من ضمن طوارئ العمل بتاتاً بل يستوي والقوة القاهرة على مستوى الوطن ..

كذلك واستفاضة في البحث والتدقيق هل يمكن وصف تعليق العمل كنوع من الإجازة القانونيّة المستحقة الأجر؟
إن مفهوم ” وقت الراحة” في قانون العمل اللبناني يختلف عن موجب الوقاية الصحيّة الإلزامية، كما ولا يمكن تصنيف ” تعليق العمل” من قبيل ” الإجازة ” كون الإجازات محدّدة حصراً في قانون العمل ( إجازة الوضع، إجازة وفاة بعض الأقارب، الإجازة السنويّة، الإجازة المرضيّة، إجازة الزواج، وإجازة الأبوّة.. )

فما هو مفهوم ” تعليق العمل” وهل يستوي والقوّة القاهرة في أحكام قانون العمل ؟

في موضع يتيم في قانون العمل جاءت المادة ٥٠ تجيز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف إقتصاديّة أو فنيّة هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل.

إنَّ موضوع الصّرف يخرج عن نطاقنا فما يهمّنا بحثه هل أنَّ صاحب العمل ملزم بأداء الأجر عند توقّف العمل؟

للإجابة الصريحة يقتضي تمييز ثلاث حالات،
الأولى أن يكون التوقّف عن العمل عائد لرب العمل أو عن إرادته أو نتيجة خطأ منه أو طارئ ناجم عن طبيعة العمل، والحالة الثانية في حال توقّف الأجير عن العمل أو أن التوقّف حصل نتيجة خطأ من قبل العامل، والحالة الثالثة عندما يكون التوقّف عن العمل ناجم عن قوة قاهرة لا تعزو لرب العمل ولا للعامل فتتوقّف المنشأة أو المؤسسة أو الشركة عن العمل والإنتاج.
ففي الحالة الأولى يستمر دفع الأجر للعامل، أما في الحالتين الثانية والثالثة فلا يستحق الأجر للعامل أو الأجير وبهذا الصدد فقد نصّت المادة ٦٣٤ من قانون الموجبات والعقود على : ” من التزم القيام بعمل أو بخدمة ولم يتمكّن من إتمامها لسبب يتعلّق بمستأجره، يحقّ له أن يتقاضى كلّ الأجر الذي وعد به اذا كان قد بقي على الدوام قيد تصرّف المستأجر ولم يؤجر خدمته لشخص آخر على أنه يجوز للمحكمة أن تخفِّض الأجر المعيّن بحسب مقتضى الحال “.
إن هذه المادة توضح بأن العامل يتقاضى الأجر ليس فقط في الحالة التي يتوقّف فيها عن العمل لخطأ عائد بسبب رب العمل إنّما حتى ولو توقّف عن العمل دون خطأ من صاحب العمل إنما لسبب متاتٍ منه وليس من قوّة قاهرة .
أما في حالة القوة القاهرة كحالة الحرب والوباء والعصيان حيث لا سبب عائد لصاحب العمل أو خطأ منه فذلك ” يحلّه من موجب دفع الأجر ” لكون السَّبب أجنبي وفي حالتنا هذا السبب مثبت بقرار مجلس الوزراء..

بالإضافة إلى ذلك فإن اجتهادات المحاكم أخذت بوضعيّة ” تعليق العمل ” في بعض الحالات التي لا يحق فيها للأجير المطالبة بأجوره طوال فترة انقطاعه عن العمل
حيث في قرار لمحكمة التمييز المدنية – بيروت رقم ٣٥ تاريخ ٢٠١١/٤/٢٦ منشور في مجموعة باز رقم ٥٠ /٢٠١١ صفحة ١٠٩٦ فإنَّ تعليق عقد العمل لا يؤدي الى القول بعدم وجود عقد عمل لا بل إنَّه يؤكد وجوده إنّما مفاعيله هي التي علّقت سواء لجهة تأدية العمل من قبل الاجير لمصلحة الشركة.. أو التحاق هذا الأخير ..تكون الشركة غير ملزمة بدفع الأجر.. وصلاحية النظر بهذه الدعاوى يعود لمحاكم العمل.
كما في التوقف كذلك في القوة القاهرة هناك توقف للأجير عن العمل بسبب الظروف التي أدّت الى غيابه القسري عن العمل.
وفي القانون المقارن نجد أن الإجتهاد الفرنسي قد استقرَّ على عدم جواز تحمُّل رب العمل نتائج غياب الأجير في بعض الحالات وبسبب القوّة القاهرة فلا يحق فيها للأجير المطالبة بأجوره طوال فترة انقطاعه عن العمل..

إزاء هذا الواقع الذي قد يطول مسبباً المزيد من الضغوط المعيشيّة أليس من حلول يركن إليها؟

برأيي الخاص: يجب علينا تشريح مُعطَى ” الأجر ” إن صحَّ التعبير بحيث يتكشّف لنا مفهومان الأوّل مدني قانوني، أي أنه مقابل لعمل فقط.. ما يستتبع عدم أحقيّة العامل به عن فترات التعطيل والإجازة.. أما المفهوم الآخر: إجتماعي إقتصادي، حيث يتوجّب له بمناسبة العمل وليس فعلياً مقابله من هنا ينشأ حق الأجير بالأجر لمجرّد وضع نفسه بتصرف وخدمة ربّ العمل إذ يكون الأخير ملزماً تحت هذا الإلتزام بدفع الأجر .. كما وأنَّ للعرف في لبنان الكلمة الحقّة فلا يجب من الناحية الاجتماعيّة والإنسانيّة إلا وتحميل رب العمل جزءاً من الأجر ونحن كقانونيين ننتهج الأعراف في واقع غموض النصوص وخلوِّها.. وما يعزّز رأينا على سبيل القياس إن جاز التعبير فيما نصّت عليه المادة ٦٣٢ من قانون الموجبات والعقود اللبناني بحيث يأتي العرف لتحديد قيمة الأجر في حال لم يحدّد في العقد بحسب نصّها : ” السيّد أو الولي يلزمه دفع الأجر أو البدل وفقاً لأحكام العقد أو لعرف المحلة”..
من هنا يجب التعويل على الوجه الاجتماعي للأجر حيث هو مصدر عيش الأجير وأسرته، الذي لا يمكنه تأدية عمل آخر في حال التزامه بالعمل لدى رب عمل معين لوجود موانع قانونية ليست مدار بحثنا .. وفي ظل غياب الرّعاية الاجتماعيّة للدولة اللّبنانيّة التي بالكاد تقوى على مواجهة الأزمة الصحيّة المستجدّة في ظلّ عجز إقتصاديٍّ مدقع، لا بدَّ من تعاضدٍ إجتماعيٍّ يقينا شرَّ المرحلة للعبور كمجتمع متضامن نحو برّ الأمان..

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

المحامي زياد فرام، كاتب وباحث

المحامي زياد قزحيّا فرام ـ محامٍ بالإستئناف لدى نقابة المحامين في بيروت ولدى المحاكم الروحيّة والكنسيّة، حائز دبلوم في القانون الخاصّ، باحث في المجال الحقوقي والإقتصاد السّياسي. كاتب في مواقع قانونيّة واقتصاديّة متخصّصة. حازت مقالاته على اختيارات غوغل للأكثر قراءة مرّات عدّة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى