الاحدثالملف العربي الصيني

بينغ شين وجبران خليل جبران “النبي” ربط قلبيهما | بقلم وارف قميحة 

من كتابي #التنين_وطائر_الفينيق مقالات وقصص على طريق الحرير

ليس غريباً أن تزور مناطق عديدة في مختلف أرجاء الصين الشاسعة من دون أن يستوقفك الصينيون بالابتسامة لالتقاط صورة تذكارية، بل الغريب عند الإجابة عن سؤالهم شبه الموحد من أين أنت؟ من Líbānèn ! فاسم لبنان مرتبط بشريحة أكاديمية كبيرة من خلال أعمال جبران خليل جبران التي أصبحت الترجمة الرسمية الثانية في الصين لأي أدب عربي بعد “ألف ليلة وليلة” والشريحة الثانية وهي الأكثر شعبية التي تعرف لبنان من خلال بطولة آسيا لكرة السلة لاسيما مباريات القمة بين الفريقين اللبناني والصيني.

كان أول من ترجم مجموعة مختارة من أعمال جبران في عام 1923 هو الروائي الشهيرما دون ( Moa Dun) ومع ذلك، لم يكن الأمر كذلك حتى عام 1923 عندما اكتملت ترجمة الأديبة الصينية بينغ شين (Bing Xin) “النبي” ونشرتها.

بينغ شين، واسمها الحقيقي هو شيه وانيينغ، واحدة من أكثر الكتاب الصينيين غزارة واحترامًا في القرن العشرين، من مواليد فوتشو، مقاطعة فوجيان. أكملت بينغ شين تعليمها العالي في جامعة يانجينغ في بكين، حيث تخرجت بدرجة في الأدب. في وقت لاحق، ذهبت إلى الولايات المتحدة لمتابعة التعليم في كلية ويليسلي وحصلت على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي 1926.

بدأت بينغ شين الكتابة من خلال (حركة الرابع من مايو) ونشرت أول مقال لها في عام 1919 في تشينباو (جريدة الصباح). شهد ذلك العام أيضًا بداية مسيرتها الأدبية التي امتدت لقرن من الزمان. من العشرينيات إلى التسعينيات، كان لدى بينغ شين العديد من الأعمال النثرية والشعرية، وكذلك الترجمات، التي نُشرت خلال حياتها.

في حين أن إنجازاتها الأدبية تغطي نطاقاً واسعاً، من الروايات إلى القصائد، فإن أفضل ما يذكر لها هو سلسلة رسائل إلى القراء الشباب، التي حفزت أجيالاً من القراء الشباب وعلمتهم. اشتهرت بمعتقداتها في حب الأم كعلاج لمشاكل اجتماعية مختلفة.

لم يزر جبران الصين، ولم تزر بينغ شين لبنان، فلم يتقابلا ولم يتراسلا، لكن “النبي” ربط قلبيهما والأهمية التي أولتها شين لدور الأم في الأسرة والمجتمع لم تقلّ عما كتبه جبران عن الأم بقوله: “إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة الأم، وأجمل مناداة هي: يا أمي، كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة”. و”كل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة، فالشمس هي أم هذه الأرض ترضعها حرارتها وتحتضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنوّمها على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار، تلِدُها وتُرضعها ثم تَفطمها، والأشجار والأزهار تصير بدورها أمهات حنونات للأثمار الشهية والبذور الحية”.

سافرت بينغ شين إلى بوسطن في شهر آب 1923، تزامن ذلك مع سفر جبران خليل جبران من بوسطن إلى نيويورك للإبداع الأدبي، ونشر كتابه “النبي” عام 1923.
كتبت بينغ شين في مقدمة ترجمتها الصينية لكتاب “النبي”: “قرأت كتاب “النبي” عند أحد أصدقائي الأميركيين في شتاء 1927، تركت تلك الفلسفة والكلمات السلسة المفعمة بالجو الشرقي والأسلوب الشاعري الجذاب انطباعاً عميقاً في قلبي.. في آذار 1930 لم أجد ما يمكنني أن أعمله بسبب مرضي، فتصفحت هذا الكتاب مرة أخرى واكتشفت قيمة ترجمته، فبدأت الترجمة، وانتهيت من الترجمة خلال فصل الصيف”.
قرأت بينغ شين في العام الرابع بعد نشر كتاب “النبي”. كان جبران خليل جبران لا يزال في نيويورك عندما بدأت بينغ شين هذه الترجمة. عندما انتهت من الترجمة وبدأت كتابة المقدمة للترجمة عام 1931، توفي جبران خليل جبران بسبب المرض.

ولدت بينغ شين في 5 تشرين الأول 1900 وتوفيت بتاريخ 28 شباط 1999، منحها الرئيس اللبناني الراحل الياس الهراوي وسام الأرز الوطني برتبة فارس بتاريخ 10 كانون الأول 1994 وذلك تقديراً لجهودها في نشر الثقافة اللبنانية في الصين، وتم تقليدها الوسام بتاريخ 7 آذار 1995 في حفل نظمه سفير لبنان السابق في الصين عميد السفراء العرب فريد سماحة بحضور وزيري الثقافة والصحة الصينيين، في كلمات مؤثرة قرأت وو تشينغ ابنة بينغ شين كلمة نيابة عن والدتها عبرت فيها عن حبها أعمال جبران خليل جبران، وفلسفته حول الحياة وسعيه وراء الحب خاصة. والذي قال إن “الحب لا يمتلك ولا يملك”، و”الرجل العظيم الحقيقي لا يظلم الآخرين ولا يظلم”.. جبران خليل جبران ليس للبنان فقط، بل للصين وللشرق وللعالم كله.

بفضل بينغ شين غدا جبران الآن أكثر الأدباء العرب شهرة وشعبية في الصين، كما أصبحت أعماله من أكثر أعمال الأدباء العرب دراسة، حيث إن جبران هو الوحيد من بين الأدباء العرب الذي تصدر المجموعة الكاملة لأعماله في الصين، إذ وصل عدد طبعات أعماله الكاملة التي صدرت من إحدى دور الطباعة والنشر الصينية حتى الآن إلى أكثر من 6 طبعات رئيسية، فضلاً عن صدور عدة كتب وأكثر من عشرات الأطروحات الأكاديمية في الصين حول أعماله.

مع العديد من الأعمال المكتملة المنشورة على الإنترنت والمطبوعة، يقول البروفيسور لين فينغ مين رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة بكين، “هناك اهتمام كبير ومتزايد بأدب جبران في الصين”، ويتوقع ذلك بمساعدة شبكة الإنترنت، “جبران في الصين مستقبل مشرق للغاية… أنا واثق من أنهم إذا قرأوا جملة واحدة من شعر جبران، فسيقرأون أكثر من ذلك بكثير، إن لم يكن كل شيء”.

وارف محمود قميحة،رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني الصيني

وارف محمود قميحة • خبير ماليّ واقتصاديّ واختصاصيّ دوليّ في مجال الدّبلوماسيّة الإنسانية. • له العديد من المبادرات التي تصبّ في المجالات الإنسانيّة والتواصل بين الشّعوب. • مؤسّس ورئيس "جمعيّة طريق الحوار اللّبنانيّ الصّينيّ" و"معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث" (كونفوشيوس). • عضو المجلس الإستشاريّ في مجلّة "الصين اليوم" في منطقة الشرق الأوسط. • شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات المحلّيّة والعربيّة والدّوليّة. • له أبحاث ودراسات ومقالات في الصّحف والمجلّات والمواقع الإلكترونيّة. • حائز عدّة جوائز وشهادات تقدير، منها "جائزة الكفاءة العلميّة في مجال الدّبلوماسيّة الإنسانيّة" و"قلادة التميّز" في مجال الشّراكة المجتمعيّة ...

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى