الاحدثالملف العربي الصيني

خمسون لبنان والصين “الجزء الخامس والأربعون” : إيجابيات دائمة وآفاق واعدة | كتب د. عماد حب الله

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

تاريخ العلاقات اللبنانية ـ الصينية مليء بالإيجابيات، وهي علاقات ممتدّة في التاريخ، حيث كان طريق الحرير القديم يربط بين لبنان والصين منذ قرنين من الزمن. وفي زمننا الحاضر تستمرّ العلاقات الدبلوماسية الإيجابية منذ خمسين عامًا (1971 ـ 2021)، ولا شكّ أنّ هذه العلاقات بحاجة إلى أن تستكمل على المنوال الإيجابي نفسه في السنوات الخمسين المقبلة، بل يجب العمل على أن تستمر لأكثر من خمسين عاما مليئة بالتعاون والايجابيات، لأنها قائمة على الصداقة الحقيقية المتبادلة بعيدًا عن الاستغلال والغايات الأنانية لطرف على حساب الطرف الآخر.

وعلى عكس ما يود البعض ان يوحي، فليس هناك أيّ مشكلة ولا أيّ شائبة في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين لبنان والصين، أما على الصعيد الاقتصادي فقد تسنّى لي من موقع المسؤولية كوزير للصناعة في الحكومة اللبنانية السابقة أن أطّلع عن كثب على الكثير من التفاصيل المحيطة بالعلاقات الاقتصادية اللبنانية ـ الصينية، خاصة على صعيد التبادل التجاري حيث تُعدّ الصين من أهمّ الشركاء التجاريّين للبنان، إذ انّ العلاقات التجارية سبقت العلاقات الدبلوماسية بسنوات، وبدأت منذ عام 1955 عندما قام أول وفد صيني بزيارة لبنان ليتمّ بعدها إبرام أول اتفاق تجاري بين الصين ولبنان وإنشاء مكاتب تجارية صينية في لبنان عام 1956.

واليوم يحظى لبنان باهتمام صيني واضح نظرًا إلى موقعه الاستراتيجي المميّز في مبادرة “الحزام والطريق” كونه يربط بين الشرق والغرب. وقد عبّر رئيس غرفة التجارة الدولية لطريق الحرير لوجيان تشونغ “أنّ الصين مهتمّة بجعل لبنان مركزًا للتجارة العربية وللعبور من خلاله إلى الشرق الأوسط”.

في المقابل فإنّ للبنان مصلحة أكيدة في ملاقاة اهتمام العملاق الآسيوي به والمصالح المشتركة الطويلة الأمد.

فلا شك أنّ انخراطنا في مشروع بهذه الضخامة سيفتح أمام لبنان واللبنانيات واللبنانيين والصناعيات والصناعيين اللبنانيين، الكثير من الفرص ويحقق لنا تطورات إيجابيات و العائدات المجزية التي نحتاج إليها في سياق سعينا للخروج من هذه الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها لبنان.

وكما قلتُ آنفًا فقد اطّلعت عن قرب على العروض التي قدّمَتها الصين للبنان، والعديد منها عروض مغرية وذات جدوى اقتصادية مهمة جدًا، خاصة أنها تطال جوانب تنموية لها تأثير إيجابي مباشر على قطاعات مختلفة. وعلى سبيل المثال نذكر العرض المتعلق بإنشاء خطوط سكك الحديد من الشمال إلى الجنوب ومن بيروت إلى المصنع إضافة إلى نفق حمّانا ـ شتورا، هذا فضلًا عن العروض الأخرى المتعلقة بإعادة إعمار مرفأ بيروت وببناء معامل لتوليد الكهرباء ومعالجة النفايات والبنية التحتية وغيرها… علمًا أنّ الشركات الصينية تنجز مهماتها بسرعة فائقة وجودة عالية وهذا ما يحتاجه لبنان…

هي مشاريع بمليارات الدولارات تعرض شركات صينية بناءها في لبنان على نفقتها ومن دون أن تتكلّف الخزينة اللبنانية شيئًا على الإطلاق، على أن تشغّل الشركات الصينية تلك المشاريع وتديرها لحسابها لسنوات يتمّ تحديدها من ضمن الاتفاقات بين الجانبين.

وغنيّ عن القول إنّ لبنان هو مستفيد أول من تنفيذ المشاريع الصينية، لأنها أولًا تضخ مليارات الدولارات في دورته الاقتصادية التي تعاني اليوم من جمود قاتل، وثانيًا لأنها تخلق العديد من فرص العمل، وثالثًا لأنها تسهم في تحريك قطاعات عديدة لا سيما قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة التي يمثل خط سكة الحديد بين بيروت والشام الرئة التي تنعش هذه القطاعات وتحييها بالنسيم العليل الآتي من الأفق العربي الرحب والواسع.

طبعًا هناك جوانب عديدة أخرى للتعاون اللبناني ـ الصيني، لا سيما في الثقافة والفنون حيث تبادل الزيارات قائم بشكل دائم لمزيد من التقريب بين الجانبين. كما حصل تعاون كبير على المستوى الإنساني خاصة حين بادرت الصين لمساعدة لبنان على تخطي جائحة كورونا استنادًا إلى التجربة الصينية الناجحة في هذا المجال.

ختامًا… الأكيد أنّ لبنان والصين حريصان على تنمية العلاقات بينهما في كلّ المجالات، والأكيد أيضًا أنّ هناك خطوات عديدة وإنجازات كبيرة سوف تتحقق في المستقبل القريب بالتعاون بين الجانبين، لأنّ هذا هو الأمر الطبيعي بين دولتين صديقتين تسعيان معًا لتحقيق مصالحهما المشتركة، استنادًا إلى تاريخ من الإيجابيات وصولًا إلى مستقبل من الآفاق الواعدة…


لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا

الدكتور عماد حب الله، وزير لبناني سابق

حائز على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كولومبيا، وماجيستير ودكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة سيراكيوز، الولايات المتحدة. وقد ترشحت رسالته في الدكتوراه لجائزة أفضل رسالة في العقد. كما حصل على دبلوم برنامج التطوير العام في سويسرا، ولديه بكالوريوس في مادة الكيمياء من الجامعة اللبنانية. حب الله عميد ورئيس الهيئة الأكاديمية في الجامعة الأمريكية في دبي. ومحاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعضو في المجالس الاستشارية في المدرسة الأمريكية الدولية، أكاديمية دبي الدولية، مركز الإنترنت اللبناني، ورئيس المنتدى العربي لإدارة الإنترنت وشبكة المنظمات العربية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. شغل عدّة مناصب إدارية وإقليمية في شركة الهاتف والتلغراف الأمريكي، ومنصب مدير العمليات في شركة لوسنت تكنولوجيز، شركة شبكات الوسائط OMNI. عيّن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم قطاغ الاتصالات في لبنان. وأسس وأدار شركة شركة ICTTT الاستشارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى