الاحدثالملف العربي الصيني

مبادرة التنمية العالمية ومستقبل العلاقات الصينية العربية | كتب د. خالد ميار الإدريسي

نص كلمة المفكر العربي الدكتور خالد ميار الإدريسي في مؤتمر "تعزيز بناء المجتمع الصيني العربي بمستقبل مشترك للمضي قدمًا بشكل أعمق وأكثر عملية" الافتراضي الذي نظمه مركز التعاون الاقتصادي الصيني والجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية.

 

تعتبر مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس الصيني تشي جين بينغ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، محاولة جادة للإسهام في تسريع انجاز الأهداف الإنمائية، وبناء شراكة عالمية للنهوض بالتعاون الدولي في مجال التنمية والأخذ بعين الاعتبار عوائق تحقيق التنمية في الدول النامية. وتستهدف هذه المبادرة الصينية، حسب عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي أربعة أهداف مهمة :

أولا: الالتزام بإجماع سياسي من أجل تسريع التنمية.

ثانيا: تصميم منصة شراكة التعاون الإنمائي، لتتطارح الرؤى والاستراتيجيات.

ثالثا: تعزيز تبادل الخبرات في مجال التنمية بين بلدان العالم.

رابعا: تنسيق الجهود الدولية من أجل اشراك جميع مكونات المجتمع العالمي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة .

وستكون مبادرة التنمية العالمية محركًا للمنظمات والهيئات وللمراكز البحثية والأكاديميات، وذلك من شأنه خلق دينامية عالمية متناغمة حول التنمية وتوافق للوصول الى رؤية 2030 حول التنمية المستدامة.

وبالفعل فإن مبادرة التنمية العالمية تستجيب لسياق عالمي جديد، يتسم بالتعقيد وتكاثر المخاطر وتعدد العوائق؛ فالعالم في حاجة إلى تضامن عالمي جديد والى ترسيخ حقوق التضامن لمواجهة الأزمات الراهنة وتداعيات وباء كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية

والتحولات الاجتماعية والاقتصادية ورأسمالية الكوارث والتغيرات المناخية وأزمة المواد الغذائية والصراع الجيواقتصادي حول الموارد الطبيعية وغير ذلك.

إن هذا الوضع العالمي يتطلب حتما حوكمة جديدة تتجاوز مصالح الدول الضيقة الى منظور عالمي أخلاقي يراعي حقوق الشعوب في التنمية والأمان والاستقرار والسلام والعيش المشترك.

وقد أشار الرئيس الصيني، في المجلد الرابع حول الحكم والإدارة الى جملة من المبادئ التي تؤسس لتعاون دولي انمائي، ومن ذلك تأكيده على اعتزام “الصين للعمل مع جميع الأطراف لدعم نظام حقيقي متعدد الأطراف، وتدعو الى الثقة والوئام، وتعزيز التعاون المريح للجانين، والمضي بخطوات حازمة نحو هدف بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية”، وهذا أمر في غاية الأهمية لأنه يؤسس لبرغماتية ايجابية تستند إلى فكرة الربح المشترك، وكذلك التشوف إلى بناء منظور موحد للمستقبل الإنساني، بخلاف ذلك التوجه التقليدي الذي يتجه إلى احتكار الربح ويميل إلى استعمار مستقبل الأجيال القادمة.

ولا شك أن الكتاب الرابع، قد احتوى على قضايا متعددة، مثل موضوع اللقاح وتغيير المناخ والانتعاش الاقتصادي والاقتصاد الرقمي والأمن الغذائي والتخفيف من حدة الفقر وحفظ السلام وحقوق الانسان والحوكمة العالمية.

وقد صرح الرئيس الصيني في قمة افتراضية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني اولاف شولتز في 8 مارس 2022، بأنه “سوف تخلق تنمية الصين مساحة أوسع للتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي, يجب على الجانبين، بموجب مبدأ المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، تعميق الشراكات الخضراء والرقمية وكذلك التعاون العملي في مختلف المجالات. يحتاج الجانبان الى مواصلة دعم التعددية ودفع الاجندة العالمية الرئيسية. “وهذا من شأنه تقليص مجال الخلاف وبناء جسور للتفاهم، تفاديا للصدام، وترسيخا لحوكمة رشيدة، وإدارة تشاركية للشأن العالمي.

وهذا التوجه تضمنه كذلك تصريح الرئيس الصيني في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى سواء الاسيوي بتاريخ 20 ابريل 2021، حيث أكد بأنه “يجب على جميع الدول اتباع مبادئ

المشاورات المكثفة والمساهمة المشتركة والمنافع المشتركة، ودعم التعددية الحقيقية، وجعل نظام الحكم العالمي أكثر عدلا وانصافا”.

ويندرج التعاون العربي-الصيني ضمن هذا التوجه الذي يكرس المشاورات المتعددة التي ترمي الى بناء خطة للعمل المشترك، في إطار حكم عالمي جديد يتوخى ضمان حق الشعوب في التنمية. ولا شك أن الخبرة الصينية ستساهم في تمكين الدول العربية من تحقيق عمران جديد، وإقلاع اقتصادي ناجع. وان الدول العربية في حاجة الى تبني منظور جديد يعتمد على تعددية الشركاء، بعيدا عن أي تحيز سياسي أو فكراني. كما أن الدول العربية في حاجة الى الاستفادة من مبادرة التنمية العالمية والاسهام في إنجاح مبادرة الحزام والطريق التي تعالج “فجوة البنية التحتية”.

والمغرب كمثال على ذلك، قد انخرط في هذه المبادرة وأرسى قواعد التعاون مع الصين، لإتمام مشاريع تحديث البنية التحتية والتي ستستفيد منها الصين كذلك وباقي الدول التي تسعى إلى تجارة دولية ناجحة. وهي مشاريع تجعل من المغرب منصة للولوج الى الغرب الافريقي الذي سيصبح سوقا كبيرة وواعدة. ومن المشاريع التي تجسد التعاون الفعلي بين الصين والمغرب، مشروع مدينة محمد السادس طنجة-تيك، الذي يروم “انجاز مدينة صناعية مستدامة ومندمجة وذكية، من اجل بث دينامية جديدة في الأنشطة الاقتصادية للمملكة وترسيخ مكانتها أكثر في الفضاء الاورومتوسطي”، كما جاء في بيان لوزارة الصناعة المغربية، وهناك مشاريع أخرى في مجالات متعددة، وهذا من شانه تعزيز العلاقات الصينية المغربية والعربية.

ونحن بدورنا، نساهم عبر جهودنا الشخصية ومع فريق عمل مغربي، تسهيل الولوج الصيني الى المغرب ونحن في طور تحقيق وساطة مهمة في ذلك.

الدكتور خالد ميار الادريسي، باحث مغربي

الدكتور خالد ميار الادريسي من المملكة المغربية، خبير في قضايا التطرف والارهاب. الادريسي متخصص في العلاقات الدولية ورئيس المركزالمغربي للدراسات الدولية والمستقبلية كما يشرف على موقع مستقبليات الالكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى