*أطلقوا سراح البلد: رأي صادق برسم الوطن*
نص رؤيوي للاستاذ شارل صليبا كتبه منذ شهرين وهذه الرؤيا هي ما خلصت له السياسات الموجهة للتعامل مع كورونا بعد عودة الوباء بطريقة اشد من المرحلة الاولى. لفتني ايضا تركيزه على المفاضلة بين تداعيات الوباء وتداعيات الازمة الاقتصادية. بيار الخوري
بكل موضوعية وبعيداً عن الشعبوية، إن استمرار إجراءات التعبئة العامة التقليدية (الخالية من الابتكار) والضائقة الاقتصادية التي ستنتج عنها بشكل متسارع، هي عشر مرات أشد خطراً على لبنان من الكورونا. عندما تنهار قطاعات بأكملها ممن تشغل العديد من الموظفين برواتب متواضعة إلى متوسطة، ومياومين، وعمال، وعندما ستصبح المصارف والمدارس والمطاعم والدولة (الموظِّفِين لأكبر عدد من الناس في الإقتصاد المُعلَن) غير قادرة على دفع الرواتب لقلة الانتاج أو عدم القدرة على التحصيل، ستحصد معها أكثر بكثير من الأرواح التي ستحصدها كورونا. سيكون ذلك نتيجة العنف، وتنامي الجريمة، وسوء التغذية، والأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري، وأمراض القلب والامراض النفسية والكآبة وعدم القدرة على الاستشفاء، هذا دون أن نذكر الفاتورة الصحية التي لن يقدر الضمان الاجتماعي ولا وزارة الصحة ولا شركات التأمين على تغطيتها. نعم للأسف وبكل مرارة نقولها، ربما سيصاب الكثير بالكورونا إذا رُفِعَت التعبئة العامة، ومنهم من لن يمكن إنقاذه (ألف، خمسة، عشرة آلاف، ربما أكثر)، ولكن سيموت إناس أكثر بكثير بسبب تداعيات الوضع الاقتصادي السيء أعلاه. البلد جاهز للإنفجار المباغت، إنفجار أشد بأضعاف من الإنفجار العفوي في أول أيام انتفاضة تشرين، ولن يقدر أحد على التعامل معه. هذا خاصةً أنه ليس هناك حلول سحرية للوضع الاقتصادي، وحل صندوق النقد سيأخذ الكثييير من الوقت لأسبابٍ يعرفها الجميع، ولن يهب أحد لمساعدتنا لأنهم ليسو بحال أفضل. ثم فلنفترض جدلاً أنه بقي يظهر حالات جديدة للكورونا – وسيظهر لأنه أمر طبيعي – فهل هذا يعني إبقاء الناس في بيوتها على ال ‘مفرد مجوز’ إلى ما لا نهاية؟!
فلنفتح البلاد للعمل اليوم قبل الغد، ولندع الناس تكتسب مناعة القطيع، ولا داعي للخطط الكبيرة، فالاقتصاد يحفز نفسه بنفسه، واللبناني مَلِك الابتكار والبقاء. لندع الناس تُدَبِر أمورها، فاللبناني لم ينتظر يوماً أي شيء من الدولة التي اهترأت منذ ال ١٩٧٥، ولن ينتظر شيئاً من السياسيين ذاتهم اليوم (بالرغم من وجود بعض حسني النية المؤمنين بإمكانية الخلاص للبلد). الكورونا مثل أي فيروس آخر، وجدت لتبقى ولن يكون لها أي لقاح فعال (تماماً كما أنه ليس هناك لقاح فعال ١٠٠% لفيروسات الانفلونزا والكريب والجميع يعلم هذا).
فقط عندما اعتقدنا أننا سبقنا العالم إلى الإحتواء، يبدو أن العالم فهم أخيراً أن من أتى كورنا لأجله سيأخذه حتماً، وأن الاحتواء containment هو حلم، أما الوقاية والتخفيف mitigation فهو واقع، ولذلك بدأوا بفتح بلادهم بالتزامن مع إجراءات وقاية مبتكرة ولا تؤدي إلى إضعاف الاقتصاد أيضاً وأيضاً.
أعاننا الله وحمانا من الأعظم، والعظة لمن اتعظ.