ازمة لبنانالاحدثالصورة الكبيرة

سنة على اغتيال المدينة (٤): بيروتشيما… انفجار مرفأ بيروت…| بقلم د.أحمد عياش

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

انها السادسة عصرا في بيروت، كنا نلعب الشطرنج على سطح مبنى من عشرة طوابق بين برج المرّ وفندق فينيسيا والبحر الابيض المتوسط المأساة…

سألت صديقي الدكتور في الهندسة من بلاد الاتحاد السوفياتي العظيم من بلدة عيترون الحدودية إن كان يسمع مثلي هدير طيران حربي في الاجواء، فجأة سمعنا صوت انفجار “مخنوق” فاعتقدنا ان الاسرائيلي قصف هدفا للمقاومة في جبل لبنان اذ كان التوتر وتبادل التهديدات على اشدّه بعد ان اطلق السيّد عبارته: “على رجل ونص”.

ليس اكثر من 4 دقائق وقذفنا عصف انفجار شديد باتجاه المصعد لنجد انفسنا ننزل بسرعة هائلة الى اسفل المبنى ونحن نناشد السكان عدم استعمال المصعد لإحتمال صواريخ اخرى…
غارة جوية سرّية .

كان فتات الزجاج يملأ الارصفة والشوارع.
مهرولا باتجاه المنزل وجدت الناس تركض في كل اتجاه، صاح احد.حراس مصرف بسائق عمومي ليسأله ان كان يعلم مكان الانفجار، صاح عابر آخر يهرول مثلي، ان الانفجار في بيت الوسط، ما معناه اغتيال الرئيس سعد الحريري.

صاح السائق العمومي مؤكدا ان الانفجار وقع في المجلس النيابي.، ما معناه اغتيال الرئيس نبيه بري.

فهمت من العبارتين ان عليّ ان لا اعبر اماكن سكن اهل السنّة تجنبا لردات فعل عنفية طائفية انتقامية.

تذكرت الحواجز الطيّارة في زمن الحرب والذبح على الهوية.
كنت متأكدا من غارة اسرائيلية.

غيّرت مجرى الركض، توجهت نحو احياء الشيعة بما ان هويتي تثبت اني من منطقة النبطية…

كل هذا الانهماك وانا احاول الاتصال بالعائلة عبر الهاتف وبلا جدوى…

قرب حديقة الصنائع وجدت سيارة متوقفة في منتصف الطريق وخلف المقود امرأة اربعينيةوفي المقعد الخلفي طفلتان في العاشرة من عمرهما يبكيان، سألت السائقة ان كانت بحاجة لمساعدة ، اجابت والهلع باد على محياها ان لا قدرة لساقيها على التحرك لقيادة السيارة لتهرب الى البيت.

وصلت المنزل، صعدت بسرعة، دخلت لأجد كل محتويات المنزل وقد تبعثرت والزجاج يملأ المكان.

مشهد بائس.
سمعت الناس تصرخ في الشارع ان الانفجار وقع في مرفأ بيروت وان الضحايا بالمئات.

ادرت التلفاز، هالني المشهد، دمار وخراب وهلع وسيارات اسعاف واطفاء وحيرة لم يشهدها اللبنانيون في تاريخهم…
دخل ابني المنزل ليخبرني انه استجاب لصراخ امراة وجد طفلها غير قادر على التنفس، انه اسعفه وضمد.جرحه.

وصلت ابنتي شاحبة الوجه لتخبرنا ان واجهة المطعم الذي كانت تتناول فيه الطعام مع رفيقتها شيرين، سقط عليهما وكادا يموتان لولا رحمة الله.

وحدها اهراءات القمح الصامدة والشامخة و وحده البحر الابيض المتوسط المأساة انقذا بيروت من مجزرة حقيقية.

هنا اللطف الالهي كان واضحا بالاثبات والدليل.

خبر عاجل يقول، ان الرئيس ترامب صرّح بأنّ لديهم معلومات ان عملا ارهابيا يقف خلف انفجار بيروت.

اهتميت لأعرف راي الاسرائيلي الا اني انتبهت ان انفجارا هائلا كهذا مستحيل ان يتبناه الجيش الاسرائيلي لأن ثمنه باهظ.

يبدو الاسرائيلي نفسه قد هاله نتيجة قصفه، لمعلومات استخبارية ناقصة عن محتويات الهدف.

حاولت ان اعرف رأي المقاومة الاسلامية، انتبهت ان الاقرار بقصف اسرائيلي كهرو-مغناطيسي-حراري للمرفأ سيرتب على المقاومة كحد ادنى قصف مفاعل ديمونا.

انتبهت اكثر فأكثر ان “حميدة التغلبية” لطالما طالبت بقصف ديمونا الا ان العدو الاصيل كان اسرع بقصفه بيروت كرسالة نهائية لمن يهمه الامر ان نطنز و الطائرة المدنية الايرانية التي كادت ان تسقط فوق سوريا اضافة لاغتيال سليماني والمهندس عبر فرمهما دمويا والآن مرفأ بيروت يكفون لتعود طهران لوعيها العسكري…

ربما المطلوب كان رسالة لايران العسكرية عبر بيروت.
الجميع في هذا العالم بلا وعي اخلاقي.

لملمت افكاري من بين هواجسي وتمددت على السرير بعد ان انهكني تعب تنظيف المنزل وجرد الخسائر المنزلية، ليأتيني اتصال هاتفي من خارج لبنان، من مدمن قمار اتابع حالته، يسألني:
هل تضرر كازينو لبنان يا حكيم!
كلّ انفجار وكلّ مصيبة وانتم بخير.

تأملت ثورياً ان ما قبل الانفجار ليس كما بعده وقد خاب ظني فالطغاة يعرفون كيف يحتالون على المحقق العدلي بقوانين التشريع و القضاء.!

نكاية بالمجرمين ،صامدون هنا، قرب هذا الجدار الأخير*


لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة:

الدكتور أحمد عياش، باحث في علم النفس السياسي والديني

الدكتور احمد عياش، طبيب نفسي وكاتب. صدر له كتاب الانتحار الصادر عن دار الفارابي (2003)، وكتاب الاعاقة الخامسة: الاعاقة النفسية الاجتماعية الصادر عن مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب (2008)، بالاضافة لكتاب الشر والجريمة عن دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر والتوزيع (2013)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى